الدكتور فريد الأنصاري سيرة عالم وداعية

لم يترك الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله سيرة ذاتية تروي قصة حياته الكاملة، كما ترك من قبله من العلماء والمفكرين سيرهم الذاتية العلمية، وإنما اكتفى برواية قصصه الذاتية في بعض من مقدمات كتبه، وهناك قول يعتبر أن رواية ” كشف المحجوب” هي سيرة ذاتية له، ويبقى أن الأنصاري رحمه الله غادر الحياة دون أن يدون مذكراته التي لو وجدت، لقدمت للمهتمين صورة واضحة عن أشياء كثيرة تحتاج إلى البيان والشرح من الكاتب نفسه ليرفع الخلاف عن أفهام الناس .

التحق الأنصاري بالجامعة سنة 1980 وانخرط في مجال التدريس بالجامعة في أواخر الثمانينات، فقضى بالجامعة إلى حين وفاته 29 سنة، وهذه المدة التي قضاها بالجامعة طالبا ومدرسا، كانت فترة علم واجتهاد وبحث علمي متين ليتحقق بصفة ” العالم الوارث”، ولذلك لا غرابة أن يتخصص في “أصول الفقه” أو بمعنى آخر في فلسفة قانون الاستنباط الإسلامي، بل تخصص في دراسة مصطلحات ومفاهيم أصول الفقه، ففي سنة 1985/1986 مرحلة تكوين المكونين، أنجز بحثا في السنة الأولى في موضوع:”الأصول والأصوليون المغاربة: بحث ببلوغرافي” تحت إشراف الدكتور الشاهد البوشيخي وفي السنة الثانية موسم 1986/1987 أنجز بحثا في موضوع :” مصطلحات أصولية في كتاب الموافقات: مادة قصد نموذجا” تحت إشراف الدكتور الشاهد البوشيخي، وفي سنة 1989/1990 سجل بحثا لنيل دبلوم الدراسات العليا/ الماجستير في موضوع:” مصطلحات أصولية في كتاب الموافقات” تحت إشراف الدكتور الشاهد البوشيخي، وفي سنة 1991 سجل بحث الدكتوراه في موضوع:” المصطلح الأصولي عند الشاطبي” تحت إشراف الدكتور الشاهد البوشيخي وناقش الأطروحة سنة 1998.

هذه مسيرة الأنصاري العلمية باعتباره باحثا أكاديميا، أكثر من عقد من الزمن وهو مصاحب لأصول الفقه والشاطبي ومصطلحاته، والملفت للنظر أن يكون الإشراف في جميع البحوث للشيخ العلامة الشاهد البوشيخي، ولذلك عند قول الأنصاري في كتاباته ” الأستاذ” دون أن يسمي من هو هذا الأستاذ، فالمقصود به الشاهد البوشيخي، فهو مربيه وأستاذه، أثمرت هذه الصحبة معاني وجدانية عميقة ومنهجيات علمية دقيقة، ولذلك ليس غريبا أن يقول البوشيخي مقدما لأطروحة الأنصاري:” إن فريدا الفريد لم يكد يخلق إلا للعلم والبحث العلمي” ويقول الأنصاري في حق أستاذه:”ولعمري لقد هذب وربى، وعلم فأربى. نهلت من علمه، وتشبهت بخلقه، ونشأت على فكرته، وتخرجت من معهده” المقصود بالمعهد معهد الدراسات المصطلحية بكلية الآداب ظهر المهراز فاس الذي أسسه البوشيخي مع ثلة من تلامذته سنة 1993..

ومن خلال تجربة الأنصاري العلمية والأكاديمية يتضح أن التضلع في المعرفة الإسلامية لا يمكن أن تكون إلا ” بالمصاحبة” للشيخ العالم والمربي، إذ المعرفة الإسلامية من أقوى مصادر تلقيها ” أفواه الرجال” وهذا التلقي هو من يصنع الطالب الذي يبتغي العالمية، فالعالمية لا يتحقق بها من ركن إلى مطالعة الكتب، لأن سلامة المنطق ودقة المعلومة لا تتحقق إلا مشافهة، وهذه الصحبة ليس علمية محضة بل هي مصاحبة تربوية عميقة، فالأنصاري يحكي عن التحول الوجداني الكبير الذي مر به، وكان سببه هو مدارسة له مع أستاذه البوشيخي، فيحكي الأنصاري قصة فهمه للعقيدة حيث يؤكد أنه مر بثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى الفهم التقليدي؛ العقيدة شهادة وانتهى الأمر، المرحلة الثانية مرحلة أن معنى العقيدة هي “الحاكمية لله”وتلقى هذا المعنى في فترة ارتباطه بالحركة الإسلامية، المرحلة الثالثة مرحلة اليقظة الوجدانية حيث يقول:” وبقي الأمر بالنسبة لي غامضا، حتى لقيت بعض أساتذتي الأجلاء، ممن تتلمذت عليهم، وأخذت عنهم علم الدعوة وعلم البحث العلمي، فكانت لي معه جلسة مذاكرة حول بعض مفاهيم القرآن الكريم، وتحدثنا عن بعض النماذج من بينها مفهوم الإله في القرآن الكريم، فنبهني إلى أن الأصل اللغوي لهذه العبارة، من أنه راجع إلى معنى قلبي وجداني، وذكر لي شيئا من الدلالة اللغوية على المحبة، مما بينته قبل قليل، فكانت بالنسبة لي مفاجأة حقيقية ! لا على مستوى الفهم فقط، ولكن على مستوى الوجدان والشعور !” وبهذا يتضح أن المعرفة الإسلامية كذلك ليست معرفة معلوماتية، بل هي معرفة هدفها الوصول إلى خشية الله ويتحقق ذلك بصحبة العالم المربي، وهذه الصورة التي نرسمها من خلال سيرة الأنصاري العلمية، قلت واضمحلت وانعدمت في ما يسمى بالجامعات العلمية العصرية وفي شعب الدراسات الإسلامية، وهذه العلاقة بين الطالب والأستاذ تذكرنا بعصور علمية زاهرة عرفها التاريخ الإسلامي، بمعنى أن الذي صنع الأنصاري ليس هو نظام تعليمنا الجامعي المغربي في شعب الدراسات الإسلامية، وإنما الذي خرجه هو صحبته “لشيخ عالم مربي “لمدة تصل أكثر من عقد من الزمان، أخذ عنه علم الدعوة والبحث العلمي

 كما أن الأنصاري كان موفقا في تركيزه على مجال واحد من مجالات المعرفة الإسلامية” أصول الفقه” حيث أنه طيلة مسيرته البحثية لا يفارق أصول الفقه، وهذا الارتباط الوثيق بأصول الفقه أسهم في تشكيل منهجية تفكيره، فكما يقال؛ المنطق بالنسبة للفلسفة، كأصول الفقه بالنسبة للفقه، فأصول الفقه مسدد ومنظم للتفكير بغية استنباط الحكم الشرعي، وإقباله على هذا العلم ربما راجع للتنشئة التربوية التي تلقاها في البيت والتي كانت تحرص على النظام والتنظيم كما يحكي ذلك في كتابه “أبجديات البحث في العلوم الشرعية محاولة في التأصيل المنهجي” والذي صدر في سنة 1997 قبل مناقشته لأطروحة الدكتوراه، وهذا الكتاب هو في أصله قراءة لكتاب” أصول البحث العلمي ومناهجه” لأحمد بدر، فتنشئته التربوية أسهمت في إقباله على هذا العلم، وكان لهذا الأخير أثرا واضحا في بناء شخصيته العلمية ” التأصيلية”، فهو لا يتحدث في أمر إلا أصل له وبحث عن دليله من القرآن والسنة ، ولذلك أطلق في آخر حياته مشروع “من القرآن إلى العمران”، كما أن تعلقه بالموافقات أسهم في تشكيل رؤيته الإصلاحية على اعتبار أن مصنف الشاطبي 790هـ، هو في حقيقته مشروع إصلاحي يتداخل فيه التربوي بالتعليمي بالمعرفي بالإصلاحي، كما أن اهتمامه بالمصطلح الأصولي كان سببا في اطلاعه على الدراسات المصطلحية التي من مراميها الكشف عن أبنية المفاهيم وعلاقتها ببعضها البعض، فلا تكاد تجد مؤلفا للأنصاري إلا ويقدم له بتحديد مفاهيم المصطلحات ويخلص إلى تعريف معين، فهذه الرحلة العلمية للأنصاري مكنته من منهجية التأصيل والقراءة بمقصد إصلاحي دعوي تربوي

والملاحظ من خلال هذه المسيرة التأليفية أن الهدف كان عنده واضح من التأليف ألا وهو عرض مشروع في ” الإصلاح والدعوة الإسلامية” مبني على فكرة “من القرآن إلى العمران” والتي تبشر بالبعثة الجديدة؛ من الحركة الإسلامية إلى حركة الإسلام، ولذلك هو لم يؤلف في ماله علاقة مباشرة بالعلوم الإسلامية، فلم يؤلف مصنفا خاصا مثلا في أصول الفقه بالرغم أنه درس أصول الفقه ودرسها لمدة تقارب ربع قرن، ويبدو لي أن أطروحة الأنصاري لا زالت لم تقرأ قراءة فاحصة لمناقشتها أو الرد عليها، وإن كل ما هنالك قراءات متناثرة هنا وهناك على صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية أما القراءة العلمية الأكاديمية فلم تتم بعد.

مصطفى بوكرن

-*-*-*-*-*-*-*-*-*-

من أعماله العلمية: 

  • التوحيد والوساطة في التربية الدعوية (في جزئين)
  • أبجديات البحث في العلوم الشرعية: محاولة في التأصيل المنهجي
  • قناديل الصلاة – مشاهدات في منازل الجمال (كتاب في المقاصد الجمالية للصلاة)
  • المصطلح الأصولي عند الشاطبي (أطروحة الدكتوراه)
  • ميثاق العهد في مسالك التعرف إلى الله
  • جمالية الدين: كتاب في المقاصد الجمالية للدين
  • بلاغ الرسالة القرآنية من أجل إبصار لآيات الطريق
  • سيماء المرأة في الإسلام بين النفس والصورة (تُرجم للفرنسية Les Secrets du Hijab)
  • البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي – نحو بيان قرآني للدعوة الإسلامية
  • مجالس القرآن من التلقي إلى التزكية (تُرجم للفرنسية Autour du Coran)
  • مفهوم العالِمية من الكتاب إلى الربانية
  • مفاتح النور – نحو معجم شامل للمصطلحات المفتاحية لكليات رسائل النور لسعيد النورسي  (تُرجم للتركية Risale-i Nur’un Anahtar Kavramları)
  • الفطرية – بعثة التجديد المقبلة من الحركة الإسلامية إلى دعوة الإسلام
  • الدين هو الصلاة والسجود لله باب الفرج
  • مجالس القرآن من التلقي إلى البلاغ – مدارسات في رسالات الهدى المنهاجي للقرآن الكريم من التلقي إلى البلاغ
  • كاشف الأحزان ومسالح الأمان
  • تفسير سورة البقرة وجزء من سورة آل عمران وسور ق والذاريات والطور والنجم
  • مصطلحات أصولية في كتاب الموافقات للشاطبي (رسالة شهادة الدراسات العليا، نوقشت سنة 1989م بكلية الآداب بالرباط)

من أعماله الأدبية: 

كان فريد الأنصاري عضو في رابطة الأدب الإسلامي العالمية  من أعماله الأدبية:

  • ديوان القصائد(1992)
  • الوعد( 1997)
  • جداول الروح(بالاشتراك مع الشاعر المغربي عبد الناصر لقاح  1997
  • ديوان الإشارات( 1999)
  • كشف المحجوب(رواية)1999
  • مشاهدات بديع الزمان النورسي(ديوان شعر)2004
  • آخر الفرسان(رواية)
  • ديوان المقامات
  • ديوان المواجيد
  • من يحب فرنسا ؟(شعر مشترك مع الشاعر عبد الناصر لقاح
  • عودة الفرسان(رواية)، ألفها سيرتا محمد فتح الله كولن

دروسه الوعظية والإرشادية:

للشيخ مئات الدروس والخطب المرئية والصوتية. وقد بدأ الشيخ تفسيرا للقرآن أسماه بصائر القرآن الكريم و لم يتمه .كذلك كان للشيخ أثر عظيم في التربية والتزكية والتعليم في العديد من مساجد مكناس. وقد عمل الشيخ سلسلة تربوية أسماها منازل السائرين. والعديد من السلاسل والمحاضرات المفردة .كلها متواجدة بموقع الشيخ.

وفاته رحمه الله

توفي الخميس 5 نوفمبر 2009 باحدى مستشفيات  استنبول  تركيا  وتم نقل جثمانه إلى المغرب  ليدفن بمدينة مكناس  يوم الأحد 8 نونبر 2009 في مقبرة الزيتون بعد أداء صلاة الجنازة بعد صلاة الظهر بمسجد الأزهر.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى