مولاي أحمد صبير الإدريسي يكتب: الدعم العمومي للكتاب وأفق الانتظار

الاحتفاء بالكتاب عموما مؤشر من مؤشرات حياة الأمم والشعوب، لكن أسلوب هذا الاحتفاء ومواقيته مؤشرات إضافية، فإذا كان البعض يحتفي به في مناسبات خاصة لتجف بعدها الأقلام، وتطوى الصحف، فإن البعض الآخر حوّل تقديم الكتاب والتعاطي معه وترويجه، والتعريف به والحفز على اقتنائه، إلى طقس يومي لا غنى عنه، ليصبح مثل الهواء والطعام والشراب والنوم.

نذكر هذا الكلام ونحن نستقبل الدورة 29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب المزمع عقده ما بين 9 و 19 ماي بالرباط. وهي مناسبة استقر في أذهان عدد من المهتمين، أنها مناسبة للدخول الثقافي كما هو الحال بالنسبة للدخول المدرسي، والدخول السياسي، والدخول الفلاحي.. حيث تحوّل موعد افتتاح دورات المعرض الدولي للكتاب إلى فرصة – تكاد تكون فريدة – يلتفت فيها الإعلام و”صالونات الثقافة” إلى الكتاب ثم سرعان ما ينتهي الأمر.   
وضمن اهتمام المتابعين للشأن الثقافي وتطلعاتهم من هذا الحدث، تتم مقاربة عدد من القضايا ذات الصلة بالكتاب تبعا لاختلاف زوايا نظرهم، وتنوع خلفياتهم الثقافية والسياسية. مما يؤكد الحاجة الماسة إلى تطوير سياسة عمومية ثقافية مندمجة، سياسة تستهدف تقدير قيمة الكتاب المغربي، لا بد فيها من انخراط كل القطاعات والمؤسسات المعنية: الثقافة، التعليم، الإعلام، الأوقاف، المجتمع المدني، الجامعة..

ولعل قضية دعم الكتاب، واحدة من أبرز القضايا التي تحظى باهتمام عدد من المتابعين ممن لهم صلة بعالم الكتاب وصناعته، بدءا بالمؤلف، والمصفف، والمصمم الفني، والناشر، والكتبي، والقارئ، وهو اهتمام تغذيه مؤشرات منها: غياب صناعة حقيقية للنشر والكتاب بالمعنى المؤسساتي والقانوني، وتنامي مؤشرات إغلاق المكتبات، وارتفاع نسب العزوف عن القراءة، وغلاء الأسعار وارتفاع تكلفة الطبع والنشر.. مما يستوجب عاجلا سن تحفيزات وإجراءات تشجع على إنشاء مقاولات الكتاب، وتضمن نجاح تسويقه، وصناعة وسائل وآليات للتعريف به.

وضمن متعلقات هذه القضية، يبقى حجم الدعم المرصود في الدورات السابقة  -وخاصة منها الأخيرة – مؤشرا للنقاش، حيث تنتصب الإحصائيات والأرقام مؤشرا دالا على صدقية هذا الدعم وفعاليته، إذ يذكر الجميع أن  حصيلة الدعم منذ 2017 إلى 2023 لم تتجاوز حدود 500 كتاب!! بمعدل 71 كتابا في السنة.

ولأن شأن الكتاب صار شأنا مجتمعيا، ورقعة الاهتمام به تتسع مع مرور السنين والأعوام، فإن القائمين على دعم مشاريع الكتب التي تنتظر الدعم هذه السنة (2024) يجب أن يبعثوا برسائل مطمئنة للجميع، من شأنها أن تعيد لهذا القطاع ما يستحق من ألق، مستحضرين ما يلي:

  • العمل على اعتبار قطاع الكتاب قطاعا ذا صلة بالاستثمار في مستقبل الوطن وأجياله.
  • الشفافية اللازمة والقطع مع كل الأشكال التي تشعر المهتمين أن هذا القطاع ما زال مرتعا للمحسوبية والزبونية و (بّاك صاحبي)..
  • إدراج مسألة الدعم هذه ضمن عمليات تسهيل التعاطي مع الكتاب، والعمل على مرونة اقتنائه، وتجويد مضمونه وتجميل إخراجه، وخفض ثمنه، وتيسير تسويقه… مما سيحقق حتما إشعاعا وطنيا ودوليا للكتاب المغربي.

إن الكتاب المغربي يستحق من جميع المهتمين على اختلاف مستويات تعاطيهم معه، إلى الانخراط الجاد، والحضور الفاعل، والتعبئة اللازمة من أجل الخروج به من هذا الضيق اللاهب، ذلك أن إقبال فئة القراء المغاربة على الكتب العالمية والعربية ما زال يحتل رتبة متقدمة مقابل إقباله على الكتاب المغربي، مما يستدعي جهدا إضافيا لتيسير اقتنائه، وتجويد مضمونه وإخراجه، وتمكينه من القدرة على المنافسة؛ ولن يتم ذلك إلا بالرقي بعملية دعم مشاريع الكتب، والحرص على تحويل محطته السنوية إلى موعد يستقطب اهتمام كل المتابعين للشأن الثقافي، والفاعلين فيه.

لقد انطلقت مؤخرا تدابير عملية دعم مشاريع الكتاب لسنة 2024 برؤية متجددة، وحملة إعلامية مواكبة، مما ساهم في خلق مساحة واسعة من الانتظارات، نرجو ألا يتم خرقها أو إحباطها. لأن المؤلف المغربي، والكتاب المغربي أيقونتا حقلنا الثقافي، لم يعد في مقدورهما تحمّل المزيد من الخيبات، التي لا يمكن تجنبها إلا بالتفاتة حقيقية لوضعيْهما قبل أن يفقدا الثقة في واقع كل مؤشراته تدعو إلى الإحباط والنفور.

مولاي أحمد صبير الإدريسي

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى