الدعاة العالمون العاملون – عبد الرحيم مفكير
يحتل العلم مكانة عظيمة في الإسلام، وقد جعله الله عز وجل فرضا تارة، ورغب فيه قال سبحانه وتعالى ” يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوااعلم درجات والله بما تعملون خبير” وقال عز من قائل” رب زدني علما” قيل في تفسيرها: يرفع الله المؤمن العالم على المؤمن غير العالم، ورفعة الدرجات تدل على الفضل، إذالمراد به كثرة الثواب، وبها ترتفع الدرجات ورفعتها تشمل المعنوية في الدنيا بعلوالمنزلة وحسن الصيت، والحسية في الآخرة بعلو المنزلة في الجنة.
إن الدعاة يعلمون علم اليقين وجوب التوافق بين القول والعمل، فهم ورثة الأنبياء ورثوا العلم، ويفرض عليهم تبليغه للأجيال أمانة عظيمة تحملوها، وتحتاج إلى زاد بمواصفات عالية. فهم يأخذون عن الأنبياء وخاتمهم عليه السلام، ويبلغون أفضل الكلام، وأحسن كلام الله عزوجل، وكلام نبيه عليه السلام. وبهذا كانوا شامة بين الناس يتركون بصماتهم أينمارحلوا وارتحلوا، يلبون طلباتهم ويبينون لهم دينهم الذي ارتضاه الله لهم هم أعلم بحقيقة الوجود والخالق وعظمته ” إنما يخشى الله من عباده العلماء” وقوله سبحانه ” وما يعقلها إلا العالمون”، وقد ذم الله سبحانه أقواما عطلوا عقولهم عن التفكيرواتبعوا آبائهم بغير تبصر أو بصيرة ” وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير.”
والله سبحانه وتعالى لا يساوي بين العالم وغيره ” هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون” فالله سبحانه شرف العلماء ورفع من شأنهم قال عليه السلام ” من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين”، وإنما العلم بالتعلم قال سبحانه “فاعلم أنه لاإله إلا الله” فالعلم شرط في صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به، فهو متقدم عليهما لأنه مصحح للنية المصححة للعمل. فالعلم لا ينفع إلا بالعمل، ولب العلم فريضةعلى كل داعية بل كل مسلم ومسلمة، وليس في الأمر خيار .
والدعاة العالمون العاملون مطالبون بتعلم العلم وتبليغه إلى الناس، فالدال على الخير كفاعله وهذا ترغيب الرسول عليه السلام ” الدنيا ملعون ما فيها إلا ذكر الله تعالى ومن والاه أو عالما أومتعلما” وفي العلم خير الدنيا والآخرة ” لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من الدنيا وما فيها” وقد أوصى عليه السلام عباده بقوله ” تعلموا العلم فإن تعليمه للخشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح والحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلم صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبل أهل الجنة، وهو الأنس في الوحشة والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء والسلاح على الأعداء والزين عند الأخلاء يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تقتص لآثارهم ويقتدى بأفعالهم وينتهى إلى رأيهم ترغب الملائكة في خلتهم وبأجنحتها تمسحهم يستغفر لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وسباع البر وأنعامه لأن العلم حياة القلوب من الجهل ومصابيح الأبصار من الظلم يبلغ العبد بالعلم منازل الأخياروالدرجات العلى في الدنيا والآخرة، التفكر فيه يعدل الصيام، ومدارسته تعدل القيام، به توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال من الحرام، هو إمام العمل والعمل تابعه، ويلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء” أخرجه ابن عبد البر في جامع العلم وفضله، وإن رفع العلم من أشراط الساعة قال عليه السلام ” إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل، ويشرب الخمر ويظهر الزنا”.
وعلى الداعية العمل أن يأخذ بمسببات العلم كما حددها العلماء منها القراءة والإدمان على الحرف لأن طلب العلم فريضة ” أغذ عالما أو متعلما أو مستمعا أو محبا ولا تكن الخامسة فتهلك”، “ما من رجل يسلك طريقا يلتمس فيه علما إلا سهل الله له طريقا إلى الجنة “، ” إن الملائكة لتضع أجنحتها لطال العلم رضابما يطلب”، ” من خرج في طلب العلم هو في سبيل الله حتى يرجع”، ” فضل العالم علىالعابد سبعون درجة”،”يشفع يوم القيامة ثلاثة : الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء”، ” يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء”، ” مجلس فقه خير من عبادة ستين سنة”، ” فقيه أفضل من ألف عابد” …. وغيره من الأحاديث التي أوردها القرطبي في جامع بيانالعلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله.
وثانيها: السير في الأرض والسياحة، وثالثها: عدم الاستحياء، ورابعها: اختيار الأوقات والأماكن لتعلم العلم، وعلى الداعية أن لا يتباهى بعلمه، وليعتبره عبادة ” لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، أو تماروا به السفهاء ، ولا لتجترئوا به المجالسين فمن فعل ذلك فالنار النار” أخرجه ابن ماجه وابن حبان.
وعلى الداعية العلم العامل أن يتعرف على الأصول والمبادئ الأولى لكل علم كعلوم القرآن والحديث وأصول الفقه والفقه وغيرها من العلوم الشرعية وأن يضبط الخلاف الفقهي، ويعرف فقه الأولويات وفقه الواقع الذي يتحرك فيه، ويكون ملما ببعض العلوم الحديثة لا سيما علمي الاجتماع والنفس والإعجاز ليتواصل مع الجميع، وليتسم خطابه باللين والرأفة والموعظة الحسنة والحكمة، وان يوافق قوله فعله ولا يدعو لشيء ولا يأتي أو ينهى عن منكر ويأتيه فالدعاة ينظر لهم الناس كما ينظرالنسر إلى اللحم.