الحجر الصحي بين خوفين – نورالدين قربال

لقد فرضت جائحة كورونا  المستجد”كوفيد 19″ حجرا صحيا على الجميع كآلية أساسية من أجل تفادي العدوى بهذا الوباء، وكون العملية غير معهودة عند الناس، فقد نتجت عنها معركة نفسية بين خوف عقلاني، وآخر مرضي، وطرحت إشكالات متعلقة  بحكامة تدبير الحجر الصحي، وحسن التعامل مع هذا الاستثناء. وإذا كان الخوف إحساسا طبيعيا، فإنه في هذه الحالة يتموقع بين الأمل والألم.

الخوف المرضي:

هذا النوع من الخوف يقتل الإرادة، ويغتال العزيمة، ويتسبب في الانهيار أمام الداء، ويتغافل عن الإجراءات المتخذة، لأنه يضخم المعطيات، وتتشكل لديه رؤية تتناسل منها قرارات.

إن الخوف المرضي يربي في الإنسان العجز، والهم والحزن، والكسل والجبن والبخل، والقهر.. وفي هذا الإطار فهو في حاجة إلى دعم عضوي جسماني وآخر روحي نفسي، لأنه يعيش خواء روحيا وفراغا زمنيا، باعتباره باحثا على البقاء بأي طريقة كانت، ومن تم يضطرب الهدوء، وينهار في تصوره العمران، والسلم الذاتي المؤسس للسلم الجمعي، ويفقد الرشد وبذلك ينتصر الوباء على النفسية المضطربة بسبب الخوف المرضي، والهجرة السلبية للواقع  نحو اللاأدرية، واضطراب الأدوار، والقلق والتفكك، وغيرها من السلوكيات غير المنطقية.

الخوف العقلاني:

إن نقيض الخوف المرضي هو الخوف العقلاني باعتبار أن الخوف مسألة جبلية. لكن السؤال هو كيف نعقلنه خوفا من السقوط في الخوف المرضي؟

إن الخوف العقلاني يقوي الإرادة، وينمي المسؤولية، ويسهل الالتزام بكل متطلبات الحجر الصحي، لأن صاحبه حول الوباء إلى أمر جبلي يجب التعامل معه بكل عقلانية، ويركب صهوة الصبر والمصابرة والمرابطة، ويملأ الوقت عن طريق التماسك، والتضامن، والوحدة، والتعاون والمساعدة، وشعاره وتستمر الحياة بكل شرعية ومشروعية.

لقد انتصرت لدية اليقينية على الوباء، فهي هجرة ايجابية نحو الواقعية، وفرار من قدر الله إلى قدر الله، لأنه خوف مؤسس للقيم، قيم النظر الايجابي في الورقي والافتراضي والسلوكي والتربوي الفردي والثنائي والجماعي في إطار التوازن بين زمانيين : زمن الخوف الإيجابي والخوف السلبي، إن هذه العقلانية  تقبل التغيير والتكيف، وتمارس بثقة في الله والعلم والتضحية والطمانينة والبرمجة.

الخوف العقلاني والمجال الأسري

من ثمار الخوف العقلاني ونحن في الحجر الصحي النظر في منهج الاستهلاك، والحكامة وحسن التدبير، وإحياء مفاهيم وقيم، وترتيب الأولويات، واكتشاف الذات، وتقويمها، وإحياء الزمن الأسري باعتبار أن الأسرة قيمة مجتمعية، وحضارية محورها التعليم والمعرفة وروحها التربية والتكوين.

ونختم بوصفة أسرية تعتبر خريطة طريق رسم معالمها الخوف العقلاني في زمن الحجر الصحي منها تنظيم أوقات الطعام، واختيار التغذية المساهمة في تقوية المناعة، والنوم الكافي، والتربية البدنية حسب الطاقة، والاجتهاد في التحرر من التدخين والكحول بالنسبة للمبتلين، وتوظيف الآليات التقنية في التواصل وإحياء صلة الرحم، وأخذ لحظات للتأمل والمراجعة، والبحث عن الأعمال التي تجمع أفراد الأسرة، ومخاطبة كل واحد حسب اهتماماته، والتذكير بالاجراءات الاحترازية، وإعطاء القدوة في هذا المجال، واعتماد المنهج التشاركي ، وتطوير وتنمية المواهب. 

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى