التوحيد والإصلاح التي عشتها – مصطفى الفرجاني
أُسدل ستار الجمع العام السابع للتوحيد والإصلاح، وأسْدل معه ستار ربع قرن من التوحيد والإصلاح وأكثر من أربعة عقود من الحركة الإسلامية في صيغها المتعددة، ومع هذا المؤتمر وبه وفي ظل أجوائه ومضامين الوثائق والأرضيات المقدمة، وخلاصات النقاش والتوصيات وطبيعة القضايا المثار، يتضح بالملموس أن الحركة الإسلامية ليست بالخفة والهواية التي يحاول أن يصورها بها البعض، وأنه يجري عليها ما يجري على باقي القوى والحركات الاجتماعية المماثلة، وأن سقوط شريكها السياسي أو بالأحرى فشلها في التجربة السياسية التي مثلها حزب العدالة والتنمية والذي يعتبر منتوج التوحيد والإصلاح، هو كاف للقول بانتهاء هذه التجربة الإصلاحية وإلى الأبد، والواقع أن عددا من المؤشرات التي رافقت المؤتمر السابع لحركة التوحيد والإصلاح يكشف عن عدد من عناصر قوتها التي لا تمتلكها باقي الحركات الاجتماعية، في مقدمتها:
1 – تحررها من كل مظاهر الجمود، والعمل على ترسيخ منهجيات التجديد والابتكار والإبداع في التفاعل مع القضايا المستجدة، دون القطع مع الثوابت المذهبية والعقدية، وشكلت الحركة عنوانا كبيرا لمواجهة كل أشكال التطرف والغلو ومجادلة رموزه ومناهضة تمظهراته، في مقابل إصرارها على تغليب المقاربة الحوارية في التصدي لظاهرة الغلو والتطرف، مع الحرص على ضرورة التمييز بين الأفكار المتطرفة وروح الإسلام والذي من خصائص الوسطية والاعتدال، وهو المنهج الذي ربت عليه أجيال من الملتحقين بها والمتعاطفين مع خطها.
وطالت قدرتها على التحرر من كل القيود التي ليس لها أصل في الشريعة، عدم فرض خط واحد ووحيد في تدين أعضائها، وعدم ربطه بشكليات معينة، وتجنب فرض اجتهادات فقهية بعينها على منتسبيها، وعدم حصر مصادر تلقي الفتوى والتوجيه على جهة أو أشخاص بعينهم، وهو ما تمثل بشكل واحد في تعدد المراجع والمصادر بمناسبة إعدادها لمنظومتها التربوية، كما أن جل وثائقها قابلة للتعديل والمراجعة، بما في ذلك ميثاقها الذي يشكل ورقتها المذهبية، وكذا باقي رؤاها الفرعية.
2 – نجاحها وتفوقها في إدارة الحوار والخلاف، سواء في داخل صفوفها أو مع من يخالفها الرأي والاجتهاد، حيث تمكنت الحركة من التوليف والتوفيق بين مختلف الإجتهادات التي تعتمل داخلها دون السعي إلى إسكاتها وتهميشها (مع بعض الاستثناءات النادرة)، بل إن بنياتها التنظيمية كانت وعاء مناسبا لتداول كل الأفكار، كما تم إنشاء فضاءات موازية للحوار والنقاش بعيدا عن ضغط الحاجة لاتخاذ القرار، فكانت ندوات السؤال وندوات مجلس شوراها خير عنان وتجل لهذا المسار، ولقد أرست لأجل ذلك قواعد وضوابط تحول دون تكريس وتعميق الخلاف وتدليل سبل التوافق حول رأي من بين الآراء المطروحة، على الرغم مما يصاحب هذه القواعد المنهجية في تدبير الخلاف من تأخر في الحسم وتبني طرح واحد، كما أنها وباقي هيآتها الموازية والمتخصصة شكلت فضاءات لمحاورة ومناقشة المخالفين بل وحتى المعارضين لمنهجها وتوجهها، فقد كانت منصات طلبتها كنموذج مجالا لمحاورة باقي الأطراف المخالفة لتوجهها، ومكن منهجها من إدارة الخلاف وتعايش الأجيال المتعاقبة من المنتسبين إليها مع بعضهم البعض وتأخر بروز ظاهرة صراع الأجيال في ثناياها.
3 – تطوير منطق المشاركة والتعاون بدل المقاطعة والمفاصلة، وهو خيار تبنته حركة التوحيد والإصلاح منذ نشأتها، بل هو جزء من منهج مكوناتها حتى قبل تشكلها في صيغتها الجديدة، هذا المنهج منحها إمكانية الانتقال من هامش المجتمع إلى عمقه، والاشتغال بقضاياه فسكنتها وهمتها همومه ومشاكله ذات الأبعاد المختلفة، القيمية والتربوية والحضارية والإجتماعية..، فسعت لتقديم الجواب تلو الآخر، تمثلت في طروحات واجتهادات فكرية وتصورية ومؤسسات، وهيآت للمجتمع المدني كل منها يشتغل على هم وقضية من قضايا المجتمع، وحملات تواصلية وتحسيسية، وورش ودورات تكوينية، كان القصد منها جميعا الإشتغال في عمق المجتمع تقديما لأجوبة وحلول لمشاكل طارئة على بنياتنا الاجتماعية.
فكانت فكرة الجمعيات الثقافية والاجتماعية والنسائية والطفولية والحزب السياسي والنقابة…، كما أن الحقل الديني في بداية إعادة تشكله خلال العقدين الأخرين بدوره شهد مشاركة مكثفة من أبناء ورموز وقيادات التوحيد والإصلاح، على الرغم من محاولات بعض القائمين على هذا الشأن من اشتراط الانفصال عن الحركة لضمان الاستمرار في بعض مناشط الحقل الديني الرسمي.
ولازالت حركة التوحيد والإصلاح تدعم الحقل الديني الرسمي وتثمن أعماله، على الرغم مما يبدو عليه من بعض مظاهر الانحراف وخدمة منهج معاكس لنهج عموم المغاربة في التدين، أو التضييق على حرية الخطباء في ممارسة مهامهم الوعظية والتوجيهية خدمة لأجندات معارضة للدين والتدين، ولا يمكن أن نغفل بهذا الخصوص حرص الحركة وتوجيه رموزها الدعوية للفصل بين الوعظ والإرشاد والدعاية لقناعاتهم الحزبية والسياسية، ولعل أبرز مؤشرات ذلك تخييرها لبعضهم بين ممارسة العمل السياسي وتولي مهام حزبية، وهو قرار اتخذته بمحض إرادتها منذ تسعينيات القرن الماضي.
وفي ختام هذه الخاطرة، يتبادر إلى الذهن سؤال طرحه بعض من أبناء التوحيد والإصلاح أنفسهم. هل لازالت الحاجة قائمة إلى التوحيد والإصلاح؟ وبأية صيغة وأي تصور؟