الأعمال العظيمة في رمضان

ها هو ذا شهر رمضان العظيم يطل على أمة القرآن يحمل لها برامج متنوعة من الأعمال العظيمة الفاضلة، حري بالمسلم أن يلتزم بها، ويؤديها إيمانا واحتسابا، ويتعاون مع أسرته، وإخوانه، على القيام بها أحسن قيام، وفيما يلي أعظم أعمال رمضان.

1) رمضان شهر الصوم

{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم}[البقرة: 183]

كلما أطل هلال رمضان ” تتهيَّأ لبناء ركن من أركان الإيمان، مستجيبة لنداء الحق تبارك وتعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: من الآية 185]، والصوم عبادة من العبادات التي ندب الحق إليها عباده، وهو ركن من أركان الإسلام الخمسة التي لا يتم إلا بها ولا يكمل إلا معها، والمفطر في رمضان بغير عذرٍ آثم مجرم في حق نفسه، مُفرِّط في جنب الله، مستهتر بشعور الناس”.

وقد خص الله تعالى الصوم بأن أضافه لنفسه سبحانه، وأخفى أجره العظيم عن سائر خلقه، لأن الصوم بعيد من الرياء لخفائه بخلاف العبادات الظاهرة، ففي الحديث المتفق عليه (كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع شهوته وطعامه من أجلي”.

2) رمضان شهر القيام

أفضل العبادات والسنن المؤكدة المصاحبة للصيام هي القيام بين يدي الله عز وجل في صلاة التراويح في أول الليل وآخره، ففي الحديث المتفق عليه (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)، وفي السنن (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة). وأفضل القيام في رمضان قيام ليلة القدر، فهي خير من ألف شهر، ولا يحرم خيرها إلا محروم، نسأل الله العفو والعافية، وفي الحديث (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه، والاعتكاف هو خير ما يعين على القيام وتحصيل ليلة القدر، ولهذا يندب إليه في رمضان، خاصة في عشره الأواخر.

3) رمضان شهر القرآن

{شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} [البقرة :185]، وقد نزل في ليلة القدر{إنا أنزلناه في ليلة القدر}، ولهذا فرمضان شهر قراءة القرآن، ومدارسة القرآن، والقيام بالقرآن في التراويح، و”السنة فيها الإطالة، وليس الغرض سرد العدد فحسب كما يفعله كثير من الناس الآن مع الإسراع المخل، وفاتهم أن النظر في التراويح إنما هو المتعة بكتاب الله وهو السر فيه”. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم “أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة، وإنه قد عارضني به العام مرتين” أي العام الذي توفي فيه، متفق عليه. وأقل السُّنَّة في ذلك ختم القرآن مرة واحدة في شهر الصيام.

4) رمضان  شهر المواساة

في الحديث “رمضان شهر المواساة” رواه ابن خزيمة وغيره، وهذه المواساة تبدأ من الشعور بالحرمان بسبب الصيام طوال النهار، و”من قواعد النفس أن الرحمة تنشأ عن الألم، وهذا بعض السرّ الاجتماعي العظيم في الصوم” على حد تعبير مصطفى صادق الرافعي. وقد أوجب الإسلام المواساة بالمال في صدقة الفطر التي تجب على كل مسلم ولد قبل غروب شمس آخر ليلة من رمضان على رأي أو قبل فجر يوم العيد على رأي آخر، وحث الإسلام على المواساة التطوعية بالمال والصلة وإفطار الصائم ، وفي الحديث عن ابن عباس”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، إن جبريل عليه السلام، كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ، فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أجود بالخير من الريح المرسلة”. متفق عليه. ولهذا فإن رمضان يتحول إلى لوحة إسلامية اجتماعية رائعة من التضامن والمواساة من أجمل ملامحها موائد إفطارات الصائمين التي يرتفق بها ملايين المحتاجين يوميا في مختلف أنحاء العالم.

5) رمضان شهر الصحة

قال الله تعالى عن الصيام (وأن تصوموا خير لكم) [البقرة: 184]، وهذا يعني أن صيام رمضان خير للصحة كما لغيرها.  وقد لخص د. بول براج وابنته باتريكا الدور الصحي بكلمة “المعجزة”،  في كتابهما “معجزة الصيام”، وبينا أن الصيام ميلاد جديد للصائم، وأنه ليس تجويعا، بل شفاء طبيعي منحنا إياه الله. ويجب أن ننتبه إلى”أن الله تعالى ما فرض علينا صوم رمضان إلا إضعافا للشهوة المتولدة من الأكل، فمن بالغ في أكل الشهوات والدسم في رمضان، فقد أبطل حكمة الصوم في حق نفسه، ولم يَسد مجاري الشيطان من بدنه، فركض فيه إبليس بخيله ورجله، فأتلف عليه دينه” (خاتمة الميزان الكبرى للشعراني)

6) رمضان شهر الحرية

وهذا الصوم تحرير للنفس الإنسانية من قيود العادات وأدران الشهوات، وتقوية للإرادة في الخير حتى تنتصر دائمًا على نزعات الشر، وفيه بعد ذلك مآرب أخرى، وإن أسمى ما يحرص عليه الإنسان أن يكون حرًا مريدًا، وبذلك يمتاز عن الحيوان، ومَن تحرر من أهواء نفسه فقد ملك أمره، وعلى هذا القياس كل العبادات الإسلامية وما انطوت عليه من خير للناس. (حسن البنا)

7) رمضان شهر التقوى

شرع الله صيام رمضان لمقصد عظيم هو تحصيل التقوى،{كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}[البقرة:183]، ومن وصل إلى ذلك فقد صام إيمانا واحتسابا، ووعده الله بجائزة عظيمة (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه، ومعنى إيمانا أي لأجل أن الله أمر به وأحبه، لا لمجرد العادة، واحتسابا أي رغبة في ثوابه، طيبة نفسه بذلك، غير مستثقل لصيامه، ولا مستطيل لأيامه .

ولكن من لم يحقق مقصد الصيام، ولم يصم عن المعاصي وخاصة الكبائر فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، وقد جاء في الحديث “من يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” رواه البخاري، وأيضا: “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، رب قائم ليس له من قيامه إلا السهر” رواه أحمد وابن ماجه والنسائي والحاكم.

8) شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار

إذا دخل رمضان حدث تغيير هائل في الكون يأتي بالخير والرحمة، وهذا مما خص الله تعالى به رمضان على سائر الشهور، ففي الحديث المتفق عليه: “إذا دخل شهر رمضان، فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين”. وعند الترمذي وغيره:” إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة “.

وهذا التغير الهائل في الكون يقصد منه أن يعين على تغيير ما بالأنفس، فاللهم إياك نعبد وإياك نستعين.

د. محمد أحمين : عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى