إفريقيا والإرهاب والدور المطلوب – نورالدين قربال

منذ أحداث الدار البيضاء ماي 2003 الإرهابية، والدولة المغربية تطور فعلها الاستراتيجي لمقاومة الإرهاب، وقد أبلت البلاء الحسن في هذا الباب، وأصبحت مدرسة يقتدى بها قاريا وعالميا، والسر في ذلك أن هذا العمل ارتبط باستراتيجية علمية وعملية ومهنية وتشريعية وتشاركية  بحكمة وتعقل وبناء استباقي. إذن كيف يمكن أن يتقاسم المغرب مع إخوانه الأفارقة  هذه الإستراتيجية؟

إن أهم رسالة في هذا الباب احترام  الحريات والحقوق الأساسية والمحاكمات العادلة حتى يعلم الجميع أن الإرهاب كيفما كان لونه أو تشكيله، فهو إجرام في حق الإنسانية، ومن تم لابد من القيام بالواجب حتى يكون الناس على بينة. وهذا الاختيار يجب أن يكون حاضرا عند الجميع وتتبادل فيه الآراء والتجارب لأن الإرهاب نقيض الإنسانية ولذلك يجب على الكل استحضار حركته، والتصدي لها كما أنه لا يتوقف على المكيدة والخديعة.

ومن أجل التضييق على هذه الآفة الكونية وبدرجة أكبر في قارتنا الإفريقية لا بد من اعتماد أسلوبي الترغيب والترهيب، فالأول يركز على البعد التنموي بأقطابه السياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية.. والثاني حماية البعد الأمني عن طريق بسط معالم  تطبيق القانون، واعتماد الردع والإلزام الذي تفرضه القاعدة القانونية والتوعية والتحسيس، والتشاركية والالتقائية والاندماجية والتلاحم بين الأفقي والعمودي لأن محاربة الإرهاب شأن خاص وعام.

إن أي تنمية سياسية في حاجة إلى هوية ثقافية التي تعطي لعلاقة جنوب جنوب حسا تضامنيا يمهد البناء المادي، ويصبح المواطن فاعلا استراتيجيا لأن الثقافة محرك أساسي للفعل المدني التشاركي، ولأن العمل المشترك هو الذي تساهم فيه الأطراف التالية: السلطات العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص.

إن أزمتنا اليوم  أزمة قيم ومبادئ مما يحول لبسط الاندماج، والتضامن الإفريقي والإقليمي، وافتقار مفاتيح التواصل الحقيقي المبني على الشعور بالمسؤولية الجماعية، والتقاسم الموضوعي بين كل  الأطراف المعنية، مما يتولد على ذلك الاستقرار والسلم، والتنمية المندمجة والمتناغمة.

إن إفريقيا في حاجة إلى تبادل التجارب العملية، في إطار استراتيجيات إقليمية وقارية، وتقوية دولة القانون لمواجهة  الإرهاب، وتفعيل التنشيط السياحي والتنمية الفلاحية، والصيد البحري، والصحة، ونقل التكنولوجيا وتثمين التراث الثقافي مع الاستفادة من التجربة الدينية للمغرب وذلك بتطوير الشأن الديني  بناء على توجيهات أمير المومنين محمد السادس حفظه الله، ولابد من تقويم وتسويق تجربة مركز محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات والذي أسس سنة 2015 والذي كون حوالي 4000 إمام ومرشد ومرشدة، مع استيعاب أكثر من 1000 أجنبي راغب في التكوين أغلبهم من إفريقيا، وبناء عليه تأسست مؤسسة محمد السادس لعلماء إفريقيا، كل هذا يساهم في بسط الدين الإسلامي السمح، والتنسيق المحكم بين أجهزة المجالس العلمية.

إن التنسيق المؤسساتي بين الدول الإفريقية مبني على علاقات مؤشر عليها من قبل الأمم المتحدة، والاتحادات الإفريقية  وغيرها  نحو المنتدى الدولي لمكافحة الإرهاب حتى يكون العمل مؤصلا بالشرعية والمشروعية.

إن علاقة المغرب بإخوانه الأفارقة مبنية على عمل متواصل، وبرامج وأنشطة مشتركة أي بناء إستراتيجية تجمع بين العلم والعمل، والحكامة الأمنية وربط المسؤولية بالمحاسبة..

لهذه الاعتبارات كلها لابد من القناعة بأن التنمية مرتبطة بالاستقرار والأمن بناء على قاعدة الإصلاح في ظل الاستقرار، وبذلك لابد أن يكون هذا الاعتقاد راسخا ومشتركا بين الجميع. إذن مزيدا من تكوين أطر كفأة للعمل سويا على أجرأة هذا الاعتقاد.

إن غياب الديمقراطية والحكامة المالية  وربط المسؤولية بالمحاسبة كل هذا ساهم في تكريس ظواهر بإفريقيا عنيفة لا تشرف الوجود الإفريقي، لذلك لابد من تكثيف الجهود بين شرفاء القارة بمعية الأمم المتحدة من أجل الضرب على أيدي الإرهابيين والمخربين، وتنويع المقاربات  في اتجاه التعاون والتضامن.

يجب أن نغير المقولة الشهيرة “إفريقيا  غنية وشعوبها فقيرة”، لقد بدأنا نلاحظ تحركات داخل إفريقيا تثلج الصدر، وتحيي الأمل،  ومازال البعض يعيش على الإرث القديم، ومن الواجب تحرير العقول  حتى يتحرر مناخ الأعمال، والديمقراطية والحرية والحقوق والتضامن والتعاون…وسيأتي زمان تجد دولا خطت خطوات راقية وأخرى لا تزال تئن تحت وطأة الفقر والطغيان والإرهاب ونحن لا نريد أن يكون هناك تباين شاسع بين البلدان الإفريقية.

إن مواجهة الإرهاب تتطلب مقاربة متنوعة، قطبها الأول البحث عن أسبابه والشروع في إيجاد الحلول الملائمة، وتطوير البنية الأمنية اعتمادا على التطور العلمي.

خلاصة القول إن المغرب مؤهل لتبادل التجارب مع الدول الإفريقية للتقليص من ظاهرة العنف والإرهاب بإفريقية، وهذا التعاون الدائم هو إضافات نوعية للقارة، وهو التزام شرف بين هذه الدول، هذا الالتزام الذي يتخذ بعدا دوليا وقاريا وإقليميا…وسيظل سؤال الأمن والاستقرار مطروحا على جميع المستويات العمودية والأفقية.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى