إفادات من كتاب “الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية” للدكتور أحمد الريسوني
الحمد لله رب العالمين وبه نستعين، والصلاة والسلام على نبيه الكريم
كتاب الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية، وصنوُه “مقاصد الآيات بين عموم اللفظ وخصوص السبب” للشيخ الدكتور أحمد الريسوني من المؤلفات الصغيرة الحجم، عظيمة الفائدة؛ فهو من السهل الممتنع المؤسِّس؛ الذي يرمي إلى بناء وعي مقاصدي سديد، وأساس منهجي رصين، ونقد ضمني منصف لفهوم ذاع صيتها، وانتشرت مضامينها في كتابات المتقدمين والمتأخرين.
فهومٌ ضيقت واسعا، ونزلت بخطاب الشرع من مرتبة السمو والشمول والخلود والخاتمية إلى درك الضيق، والارتهان الى خصوص الحالات والأعيان، وربط المعاني والدلالات بأفراد الوقائع وجزئيات الأحكام. وهذا مناف للغايات العظمى والمقاصد الجليلة لخطاب الشرع من حيث كونه خالد، مستوعب، متعالٍ عن حدود الزمان والمكان..
ولا يُنهض ببيان هذه المقاصد الشريفة إلا بالركون الى الكليات، واعتبارها محكمات، متجاوزة حدود الزمان والمكان والأشخاص.
وهذا الأساس المنهجي الذي اجتهد أستاذنا في التأصيل له، والتقعيد له؛ ارتقى بآي القرآن وتبَعه من الحديث الشريف؛ مُرتقىً عاليا يليق بمصدريتهما، ومكانتهما باعتبارهما أساس أصول التشريع,.
وأحسب أن هذه الإفادات النفيسة الواردة في كتاب الكليات الأساسية للدكتور الريسوني من أجود الأجوبة على استشكالات، أو قل تدليسات أصحاب “القراءات الجديدة للنص الشرعي“، وأرباب المقولات” الحداثية” لتقويم التراث؛ وأدعياء” الاجتهاد والتجديد” بغرض النسخ الكلي والاستبدال للذي هو خير بالذي هو أدنى.
وفي هذا الكتاب أيضا رد منهجي علمي دقيق على ذوي النزوع التجزيئي في نظرتهم لنصوص الوحي؛ والمفضي إلى نوع من الاجتزاء في تناول هذه النصوص والإفادة منها، المفضي بدوره إلى ضرب النصوص بعضها ببعض؛ وربما ضُرب الكلي الثابت بالاستقراء والتتبع؛ بجزئي أسيء ضبظ سياقاته، وتحقيق مناطاته، وإحكام ملابساته التاريخية، ونُظمه الوقتية؛ مما ينافي حكمة الشريعة ومعقولية أحكامها. وهذا المسلك استثمره الاتجاه الأول، بل وظفه لتقوية مقولاته القائمة على القول ب”راهنية النص الشرعي” و”تاريخيته” وغيرها من الدعاوى التي لا تعدم “حججا” ولا تفقد “أدلة” إثبات! وما أكثر ما بنوا على مباحث”أسباب النزول” والمكي والمدني”و” الناسخ والمنسوخ” موظِّفين لفهوم النظر التجزيئي، ومدعمين لمقولاتهم بما يظفروا به من تناقضات وتعارضات؛ لامناص من درئها واستبعادها إلا بمنهج” الكليات الأساسية”، وهو منهج مقاصدي رصين أمّه الراسخون في العلم؛ كما اتضح ذلك جليا من خلال النقول الدالة والتأملات النيّرة لآي الذكر الحكيم وأحاديث سيد المرسلين في سياق تأصيل الشيخ حفظه الله للكليات الأربع:
1- الكليات العقدية
2- الكليات المقاصدية
3- الكليات الخُلقية
4- الكليات التشريعية
وفي مبحث الكليات بين النسخ والتخصيص، ومبحث التشريع الإسلامي بين الكليات والجزئيات…
ولعل مما يعطي للكتاب قيمته المنهجية، ويشير إلى غايته التأسيسية أن الدكتور الريسوني ألمح في الكلمة الأخيرة، التي لم يسمها خاتمة؛ إلى أن الكتاب إنما هو مقدمة ومدخل إلى دراسة العلوم الإسلامية – ولعله يقصد- بمنهج علمي عملي قائم على التقصيد، وإحكام الكليات التي ينضبط بها التقعيد، ويستقيم بها الاستدلال، ويتسنى بها الاستنباط السديد للأحكام من مآخذها، والتنزيل السليم لها على محالّها.
وأختم هذه الكلمات بالتأكيد على أن الكتاب أجاب- في الكليات الخلقية- عن استشكال راود الدارسين لتراث الشاطبي رحمه الله حين عرّف التحسينيات بأنها “مايليق من محاسن العادات وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق” فوهموا أن الشاطبي نزل بالأخلاق من مرتبة الكليات الضروريات إلى مرتبة التحسنيات المكملات المتممات؛ فبانَ بإفادات الشيخ من خلال”الكليات الخلقية”-ضمنيا- أن كلام الشاطبي إنما ينصرف إلى مجَمّلات الأخلاق ومتمماتها؛ من قبيل الكرم والصفح والتغافل والإيثار ومكارم المعاشرة والمخالطة، ونظائرها؛ لا إلى أصول الأخلاق وأمهاتها و”كلياتها”من قبيل الصدق والوفاء بالعهود والمواثيق والأمانة والاستقامة على الجادة، ونظائرها مما جلّى أمثلته فضيلة الشيخ. والله المستعان.
د. البشير القنديلي