أهمية العمل في الإسلام
يحظى العمل في الإسلام بمنزلة خاصة واحترام عظيم، ويكفي في إظهار قيمته ما قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها، فليفعل”.
ويعتبر الإسلام أن العمل الصالح هو جهد مبرور في سبيل الله، كما جاء في حديث كعب بن عجرة قال:”مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل، فرأى أصحاب رسول الله من جَلده ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله ؛ لو كان هذا في سبيل الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن كان خرج يسعى على ولده صغارا ؛ فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين ؛ فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج على نفسه يُعفها ؛فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة ؛ فهو في سبيل الشيطان”.
والإسلامَ دين العملِ والعطاء والريادَة في شئون الحياة الدنيا، والمؤمن قائم يسعى ويعمل ليدركَ خير الآخرة والأُولى تحقيقا لأمر الله تعالى القائل: ” وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ “.
والمؤمن خليفةُ الله في أرضه يقلب شقَاشقَها لتضحكَ له بعطائها ويمْخر عباب مائها ويشق سماءها ويرتاد فضاءها بما يحويه المشهد العام للحِراك البشري من جهود جبارة تحتاج إلى جيوش تعمل وتكدح ليلا ونهارا في محاريب العملِ الدءوبِ بأعداد لا تنتهي من طلابِ حسن الاستخلاف عن الله تعالى في أرضه.
وإِثر العبادةِ يأتي وقت العملِ وهو في ذاته عبادة يؤجر عليها العبد مع النية الطيبة، قال الله تعالى: ” فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ “، والنهار هو المجال الزمني لجل الأعمال الحياتية التي يتقاسم الناس مناشطها، قال الله تعالى: ” وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا “.
لذا فإن العمل الصالح مهما كان ضئيلا فإنه عند الله بمكان عظيم، وفي الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس”، وفي رواية أبي داود أن الرجل “لم يعمل خيرا قط”، فإن العمل النافع لا يضيع عند الله، ومن جانب آخر نجد النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أمته أن عمل الإنسان بيده مما يشرفه ، فهو أزكى الكسب وشأن الأنبياء: “ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده”.
ويقرر الإسلام أن العمل الصالح تمتد آثاره، ثم تأتي ثماره من كل جهة، ويبين ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم : “ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا ، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة، بل إن حديث الشيخين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الثلاثة الذين حُبسوا في الغار، ليقرر أن أحد أسباب دفع البلاء واستجابة الدعاء، هو الإخلاص لله والأمانة في أداءِ حق العامل لما تصنعه الأمانة في النفوس من التوازن، واليقين بأن جهد العامل لا يضيع مع مرور الوقت.
ومن فقد مضمار العمل فقد قيمةَ وجوده، ومن ثم يْدخل في نفق التسول ومد يدِ الفقر ولسانِ طلب العطف من الناس، وصلى الله وسلم على نبينا الكريم الذي كان يكره للعبد سؤال الناس ما دام قادرا على العمل ويجعل المسألة بلا عملٍ ضرباً من الندم، فعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما يزال الرجل يسأَل الناس، حتى يأتي يومَ القيامة ليس في وجهِهِ مزعة لحم..)، إن اليد السفلى قد كثرت في أوطاننا ويجب تحفيزها على الدوام لتكون عليا بالعطاء والعرق والعمل، فعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال، وهو على المنبرِ، وذكرَ الصدقةَ والتَّعَفُّفَ والمسأَلَةَ: اليدُ العُلْيَا خيرٌ من اليدِ السفلى، فاليدُ العليا هي المُنْفِقَةُ، والسفلى هي السائِلَةُ).
إن هدف العمل في الإسلام ليس كسب المال فقط، ففضلا عن معانيه التعبدية، فإن من غاياته تحقيق الأمن الاجتماعي بين الناس، وهذا يؤدي إلى التوازن النفسي على مستوى الفرد والجماعة، وكم من مجتمعات بلغت الغاية في الكسب المادي، ولكن أفرادها ظلت حياتهم مملوءة بالقلق والخوف والوحدة والشعور الحاد بالغربة القاتلة، لذا نجد علاقات طردية بين العمل الصالح – والذي من وراءه بسط الرزق- والتوازن الاجتماعي، وهذا المفهوم يتضح من خلال الحديث الصحيح: “من سره أن يبسط له فيرزقه أو يُنسأ له في أثره فليصل رحمه”.
س.ز / الإصلاح