أكاديميون يقاربون موضوع حقوق الإنسان وصراع القيم في الأسرة المغربية

أكد الدكتور عبد العلي حامي الدين أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق أكدال، أن طرح موضوع الخصوصيات في نقاش حقوق الإنسان بما فيه نقاش مدونة الأسرة هو إغناء للكونية، والكونية في النهاية ما هي إلا محصلة تجميع الخصوصيات، ولا يمكن باسم الكونية أن نحطم وننمط العالم في ثقافة واحدة 

وأشار حامي في مداخلة له ضمن ندوة نظمها منتدى الكرامة لحقوق الإنسان السبت الماضي بعنوان “الأسرة: حقوق الإنسان وصراع القيم”، أن جميع الاتفاقيات الدولية تحتفظ بخصوصيات تميز كل واحدة منها على حدة وهكذا تطورت منظومة حقوق الإنسان على الصعيد العالمي. 

وأوضح الرئيس السابق لمنتدى الكرامة لحقوق الإنسان في مداخلة بعنوان “حقوق الأسرة بين الخصوصية والكونية”، أن المقصود بالكونية هو عدم التمييز على أساس الدين أو اللغة أو العرق، وليس المقصود منها تحطيم الخصوصيات الثقافية للشعوب.

واستحضر المتحدث في هذا الإطار اتفاقية فيينا لسنة 1969 التي تسمى بمعاهدة المعاهدات التي تنظم طريقة الانضمام إلى المعاهدات والتوقيع والمصادقة، والتي نصت في أهم بنودها نصت على مبدأ التحفظ إيمانا من الأمم المتحدة أن شعوب العالم هي شعوب مختلفة وثقاقات مختلفة ولها خصوصيات مختلفة، ففتتحت بذلك المجال للدول من أجل أن تتحفظ على بعض البنود التي لا تناسب خصوصياتها.

واستشهد  في هذا السياق بتحفظ المغرب على المادة الثانية من اتفاقية مناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة والتي تعتبر مادة مؤطرة فيما يتعلق بمبدأ المساواة كما تحفظ على المادة 16، ورغم أنه رفع بعض التحفظات إلا أنه وضع ما يسمى بالإعلان التفسيري، وهو أيضا من أهم ما تنص عليه معاهدة فيينا وتعني أن الدولة تلتزم ببعض المعاهدات وببنود المعاهدات على أساس إعطاء تفسير لها وفق خصوصياتها.

وأوضح حامي الدين أن حقوق الإنسان كما نظر إليها الإسلام والقرآن الكريم؛ تلتقي مع الحقوق كما هو متعارف عليها عالميا على مستوى الأصول، لكن يبقى سؤال التناقضات بين النموذج الإسلامي والنموذج الغربي والضغوطات التي تفرض على الدول الإسلامية لاتباع مسلكيات وسياسات معينة في مجال حقوق الإنسان سؤالا حاسما، وهذا لا يقتصر على الدول المسلمة فقط فهناك دول غير مسلمة أيضا ترى أن لديها خصوصيات ينبغي احترامها كنموذج الصين والبرازيل. كما أن ميزة حقوق الإنسان في الإسلام تحتفظ بميزات لا توجد في منظومات حقوق الإنسان في العالم مثل حقوق الجار

من جهته، اعتبر الدكتور خالد الصمدي الخبير التربوي والأستاذ الجامعي، أن نقاش ما بعد صدور المدونة سيكون غاية في الأهمية لأن الورش لن ينتهي بصدور النص القانوني، ولكنه سيفتح المجال لنقاشات أخرى حول عملية التنفيذ والتنزيل السليم لهاته المقتضيات، خصوصا وأن الكثير من الإشكالات الخاصة بمدونة الأسرة تجد ذاتها في المحيط والحاضنة الاجتماعية والاقتصادية لهاته الأسرة، وبالتالي كثير من مظاهر الخلل مصدرها الأساسي هي هاته الحاضنة والمحيط الذي تعيش فيه هذه الأسرة.

ونبه الوزير السابق في مداخلة له بعنوان “سؤال القيم والمرجعية في نقاش مدونة الأسرة”، إلى أنه لا بعد ألا نعزل الأسرة عن محيطها في أي مراجعة للمدونة أو نموذج مغربي وأن نكتفي بالنصوص القانونية فقط ، ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الأسرة المغربية والوطن، كما أن هناك من يهتم بإصلاح مدونة الأسرة في علاقتها بالجوانب التشريعية القانونية ويغفل عن منظومة القيم التي تنبني عليها هاته الأسرة ونحن نبحث عن نموذج يزاوج بين المنظور التشريعي القانوني والجانب القيمي بالأساس 

وذهب الأكاديمي والتربوي المغربي إلى أن جلالة الملك تحدث في خطاباته عن كل مكونات الأسرة وكذلك الدستور، وبالتالي هناك نوع من التكامل تضمن حقوق متعددة دون تجزيء فلم يتحدث عن المرأة وحدها أو الرجل وحده أو الأبناء وحدهم وكذلك هناك حقوق للقرابة والجوار وحقوق للوطن تتضمن واجبات أيضا، عكس بعض النقاشات التي تضخم جانبا على جانب.

ولفت الصمدي إلى أن جلالة الملك حدد الإطار الذي ينبغي أن تكون فيه هذه المراجعة بقوله المشهور “لن أحرم ما أحل الله ولم أحلل ما حرم الله” والذي حد من سقف البعض الذي كان يحاول ما أمكن رفع السقف عاليا في عملية المراجعة.

وتابع المتحدث “قد سمعنا مجموعة من المقترحات التي تمس الثوابت الدينية المباشرة بما فيها النصوص القطعية لذلك اتجه البعض عوض التركيز على موضوع مراجعة مدونة الأسرة إلى مناقشة الثوابت الوطنية والدينية وهذه نقاشات خارجة عن السياق وليس محلها مراجعة مدونة الأسرة والتحديد الملكي المؤطر لمراجعة مدونة الأسرة هي التي جعلت البعض ينزاح عن المطلوب ويحاول أن يطرح من جديد مسألة الثوابت الدينية والوطنية .

واقترح الصمدي في هذا الإطار الاهتمام بعدد من الأوراش بعد خروج مدونة الأسرة إلى حيز التنزيل أولها تحويلها إلى ثقافة عبر إدماجها في برامج التعليم ودور المنظومة التربوية في حماية مؤسسة الأسرة، وإدماج ما يسمى بالتربية الوالدية وجعلها مادة دراسية للتعليم للتأهيل على الحياة ومهارة أساسية توجه لجميع الجامعات، كما اقترح أهمية تنصيب المجلس الأعلى للأسرة والطفولة للقيام بأدورها وأن تضم مختلف الحساسيات والفعاليات لموضوع الأسرة وتوجه السياسات العمومية وتقوم بالقييم والتقويم وتقارير سنوية بوضعية الأسرة.

كما دعا الخبير التربوي إلى ومأسسة مؤسسات الوساطة الأسرية لجعل القضاة يشتغلون بأريحية أكثر في قضايا الأسرة، وتحل مجموعة من الإشكالات، وانخراط الجامعات والبحث العلمي في هذا الورش ومواكبته لموضوع إصلاح الأسرة عبر دراسات وأبحاث تساهم في إعداد سياسات عمومية مندمجة.

وفي مداخلة له بعنوان “مدونة الأسرة وعلمنة الشريعة، اعتبر الكاتب والروائي إدريس الكنبوري، أن ما يحدث من نقاش حول مدونة الأسرة ومحاولة علمنتها هو سيرورة يتم طرحها كل 15 إلى عشرين سنة بشكل روتيني لمحاولة إفراغ مدونة الأسر من القيم ومحاولة تفكيك الأسرة.

واستعرض في ذلك بعض المحطات التاريخية بعد الاستقلال حيث ظلت مدونة الأسرة مستثنية من القوانين التي طالتها التعديلات وفق القوانين الغربية، لكن هذا الاستثناء ظل دائما معرضا للضغوطات وكان المستشرقون والباحثون الغربيون خاصة الفرنسيين منهم دائما ينتقدون قوانين الأسرة وباقي القوانين في المغرب وباقي العالم الإسلامي كونها مازالت محافظة تحن إلى الماضي ومقيدة بالشرع وترسب في أغلال الشريعة الإسلامية، فكان لا بد من تخليصها بالنسبة إليهم من هذه الأغلال

وتابع الكاتب المغربي أن هذا النقد انتقل من مستوى النقد المجتمعي إلى مطالب سياسية مباشرة صارت لها أجندة معينة وفلسفة وإديلوجية محددة نعرفها اليوم تحت اسم الحركة النسوية سواء في المغرب أو في العالم العربي والإسلامي.

وحذر الكنبوري من أن الأسرة اليوم أصبحت مهددة من إفراغها من بعدها الشرعي والهوياتي من خلال تفريغها من القيم ومحاولة تفكيك الأسرة وهناك تطابق بين هذا الخطاب المحلي والخطاب الغربي، والغريب أن خطاب العلمنة لم يتغير، والمطالب هي ذاتها والمبرر الذي يرفعه البعض بأن المجتمع يتغير لا يجد معطياته ولا نلمسه في الواقع اليوم وما يحدث من نقاشات بين الحين والآخر إلا سلسة من محاولات العلمنة التي بدأت مع تصدي الحركة الوطنية لمحاولة العلمنة للاستعمار الفرنسي واليوم تتم تحت ذريعة تنزيل المواثيق الدولية.

في المقابل، أكد الدكتور نبيل الأندلوسي رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان أن البعض انتقل من نقاش إصلاح المدونة والإشكاليات المرافقة لها والإجابة عن الفراغات والتناقضات في الممارسة العملية إلى محاكمة مرجعية الشعب المغربي ذو المرجعية الإسلامية، على الرغم من أن المدونة ارتكزت على مبادئ أساسية تتمثل في أحكام الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الأساسي للتشريع ثم المقتضيات الدستورية وكذلك الخطب والرسائل الملكية والاتفاقيات والمعاهدات الدولية بما لا يتعارض مع النصوص القطعية للشريعة الإسلامية 

وأشار الأندلوسي إلى أن منتدى الكرامة تقدم بمذكرة في الموضوع وفق هذه المبادئ يشرح من خلالها مجموعة من مواقفه حول مجموعة من النقاط التي أثيرت على مستوى النقاش العمومي، وكذلك في أمور ربما لم تشغل حيزا مهما من هذا النقاش بهدف تجويد المدونة بما يخدم مصلحة الأسرة كبنية وخلية أساسية في المجتمع وكذلك لإرساء منظومة تشريعية متكاملة ومنسجمة تتجاوز الإشكالات الحاصلة على مستوى الممارسة.

يذكر أن منتدى الكرامة لحقوق الإنسان نظم ندوة حقوقية عن بعد يوم السبت 4 ماي 2024 في موضوع “الأسرة المغربية: حقوق الإنسان وصراع القيم” بمشاركة أكاديميين ومتخصصين في الموضوع.

موقع الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى