أقبل عيد الفطر فاغْدُوا إِلَى جَوَائِزِكُمْ – يوسف الحزيمري
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، … لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ). صحيح البخاري (2/ 673)
سنقف من خلال هذا الحديث القدسي عند أجر الصيام، وفرحة العبد الصائم بفطره آخر النهار، وفرحته بصومه عند لقاء ربه.
أما فيما يخص أجر الصيام، فهو غير محدد ومعلوم للعباد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشرة أمثالها إلا سَبْعمِائَة ضِعْفٍ. قَالَ اللَّهُ عز وجل: إِلَّا الصَّوْمَ. فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي). صحيح مسلم (2/ 807 ت عبد الباقي).
قال ابن رجب الحنبلي:” ﻳﻜﻮﻥ اﺳﺘﺜﻨﺎء اﻟﺼﻮﻡ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎﻝ اﻟﻤﻀﺎﻋﻔﺔ، ﻓﺘﻜﻮﻥ اﻷﻋﻤﺎﻝ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﻀﺎﻋﻒ ﺑﻌﺸﺮ ﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ ﺿﻌﻒ ﺇﻻ اﻟﺼﻴﺎﻡ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﻨﺤﺼﺮ ﺗﻀﻌﻴﻔﻪ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺪﺩ، ﺑﻞ ﻳﻀﺎﻋﻔﻪ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﺃﺿﻌﺎﻓﺎ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺑﻐﻴﺮ ﺣﺼﺮ ﻋﺪﺩ؛ ﻓﺈﻥ اﻟﺼﻴﺎﻡ ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺮ.
ﻭﻟﻬﺬا ﻭﺭﺩ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ – ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ – ﺃﻧﻪ ﺳﻤﻰ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺷﻬﺮ اﻟﺼﺒﺮ ﻭﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﺁﺧﺮ ﻋﻨﻪ – ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ -، ﻗﺎﻝ: “اﻟﺼﻮﻡ ﻧﺼﻒ اﻟﺼﺒﺮ”. تفسير ابن رجب الحنبلي (2/223)
قال أبو حامد الغزالي: “ﻭاﻟﺼﻮﻡ ﻧﺼﻒ اﻟﺼﺒﺮ ﻓﻘﺪ ﺟﺎﻭﺯ ﺛﻮاﺑﻪ ﻗﺎﻧﻮﻥ اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ ﻭاﻟﺤﺴﺎﺏ”. إحياء علوم الدين (231/1).
جاء في حاشية السندي: ﻗﻮﻟﻪ: (ﻛﻞ ﻋﻤﻞ اﺑﻦ ﺁﺩﻡ) ﻭاﻟﻤﺮاﺩ ﺑﻪ اﻟﺤﺴﻨﺎﺕ .. (ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻲ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺟﺰﻱ ﺑﻪ) ﻗﺪ ﺫﻛﺮﻭا ﻟﻪ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﻟﻜﻦ اﻟﻤﻮاﻓﻖ ﻟﻷﺣﺎﺩﻳﺚ ﺃﻧﻪ ﻛﻨﺎﻳﺔ ﻋﻦ ﺗﻌﻈﻴﻢ ﺟﺰاﺋﻪ، ﻭﺃﻧﻪ ﻻ ﺣﺪ ﻟﻪ، ﻭﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺬﻱ ﺗﻔﻴﺪ اﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ ﺑﻤﺎ ﻗﺒﻠﻪ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ، ﻭﻫﻮ اﻟﻤﻮاﻓﻖ ﻟﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ {ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻮﻓﻰ اﻟﺼﺎﺑﺮﻭﻥ ﺃﺟﺮﻫﻢ ﺑﻐﻴﺮ ﺣﺴﺎﺏ} [اﻟﺰﻣﺮ: 10]، ﻭﺫﻟﻚ ﻷﻥ اﺧﺘﺼﺎﺻﻪ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻷﻋﻤﺎﻝ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﺨﺼﻮﺹ ﺑﻌﻈيم ﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻌﻈﻤﺘﻪ، ﻭﻻ ﺣﺪ ﻟﻬﺎ، ﻭﺃﻥ ﺫﻟﻚ اﻟﻌﻈيﻢ ﻫﻮ اﻟﻤﺘﻮﻟﻲ ﻟﺠﺰاﺋﻪ…. ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻋﻤﺎﻝ اﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ اﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺗﻌﺪ ﻟﻪ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﺤﺎﻟﻪ، ﺑﺨﻼﻑ اﻟﺼﺒﺮ، ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ اﻟﺘﻨﺰﻩ ﻋﻦ اﻷﻛﻞ ﻭاﻟﺸﺮﺏ ﻭاﻻﺳﺘﻐﻨﺎء ﻋﻦ ﺫﻟﻚ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ اﻟﺘﺨﻠﻖ ﺑﺄﺧﻼﻕ اﻟﺮﺏ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﺃﻣﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻴﺤﺘﺎﺝ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﺇﻟﻰ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﺑﺄﻥ ﻳﻘﺎﻝ ﻛﻞ ﻋﻤﻞ اﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﺟﺰاﺅﻩ ﻣﺤﺪﻭﺩ ﻷﻧﻪ ﻟﻪ ﺃﻱ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭﻩ، ﺇﻻ اﻟﺼﻮﻡ ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻲ ﻓﺠﺰاﺅﻩ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺼﻮﺭ ﺑﻞ ﺃﻧﺎ اﻟﻤﺘﻮﻟﻲ ﻟﺠﺰاﺋﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭﻱ”. حاشية السندي (501/1)
قال في روح البيان عند آية الصيام: “ﺛﻢ أﺧﺒﺮ ﻋﻦ ﻛﻤﺎﻝ ﻟﻄﻔﻪ ﻣﻊ اﻟﻌﺒﺎﺩ ﺑﺘﻘﻠﻴﻞ الأﻋﺪاﺩ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: {ﺃﻳﺎﻣﺎ ﻣﻌﺪﻭﺩاﺕ} ﻭإﺷﺎﺭﺓ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﻮ أﻥ ﺻﻮﻣﻜﻢ ﻓﻲ أﻳﺎﻡ ﻗﻼﺋﻞ ﻣﻌﺪﻭﺩﺓ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ، ﻭﺛﻤﺮاﺕ ﺻﻮﻣﻜﻢ ﻓﻲ أﻳﺎﻡ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﺪﻭﺩﺓ ﻭﻻ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ”. روح البيان (291/1)
ومن الثواب المدخر للصائمين، وإن كان ثوابه غير متناهي كما سلف، تخصيص باب من أبواب الجنة الثمانية للصائمين، وهو باب الريان، فعن سَهْلٍ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ، فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلن يدخل منه أحد). صحيح البخاري (2/ 671)
ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺣﺎﺗﻢ: “ﻭﺷﻌﺎﺭﻫﻢ [أي المؤمنون] ﻓﻲ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺑﺼﻮﻣﻬﻢ ﻃﻴﺐ ﺧﻠﻮﻑ ﺃﻓﻮاﻫﻬﻢ ﺃﻃﻴﺐ ﻣﻦ ﺭﻳﺢ اﻟﻤﺴﻚ، ﻟﻴﻌﺮﻓﻮا ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺫﻟﻚ اﻟﺠﻤﻊ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻌﻤﻞ”. الوابل الصيب (1/27)
ﻭﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﻛﻠﻮا ﻭاﺷﺮﺑﻮا ﻫﻨﻴﺌﺎ ﺑﻤﺎ ﺃﺳﻠﻔﺘﻢ ﻓﻲ اﻷﻳﺎﻡ اﻟﺨﺎﻟﻴﺔ}[ اﻟﺤﺎﻗﺔ:24]، ﻗﺎﻝ ﻣﺠﺎﻫﺪ ﻭﻏﻴﺮﻩ: “ﻧﺰﻟﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﻮﻡ: ﻣﻦ ﺗﺮﻙ ﻟﻠﻪ ﻃﻌﺎﻣﻪ ﻭﺷﺮاﺑﻪ ﻭﺷﻬﻮاﺗﻪ ﻋﻮﺿﻪ اﻟﻠﻪ ﺧﻴﺮا ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻃﻌﺎﻣﺎ ﻭﺷﺮاﺑﺎ ﻻ ﻳﻨﻔﺬ، ﻭﺃﺯﻭاﺟﺎ ﻻ ﺗﻤﻮﺕ، ﻓﻲ اﻟﺘﻮﺭاﺓ: ﻃﻮﺑﻰ ﻟﻤﻦ ﺟﻮﻉ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻴﻮﻡ اﻟﺸﺒﻊ اﻷﻛﺒﺮ، ﻃﻮﺑﻰ ﻟﻤﻦ ﻇﻤﺄ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﻴﻮﻡ ﻟﻴﻮﻡ اﻟﺮﻱ اﻷﻛﺒﺮ، ﻃﻮﺑﻰ ﻟﻤﻦ ﺗﺮﻙ ﺷﻬﻮﺓ ﺣﺎﺿﺮﺓ ﻟﻤﻮﻋﺪ ﻏﻴﺐ ﻟﻢ ﻳﺮﻩ، ﻃﻮﺑﻰ ﻟﻤﻦ ﺗﺮﻙ ﻃﻌﺎﻣﺎ ﻳﻨﻔﺬ ﻓﻲ ﺩاﺭ ﻟﺪاﺭ {ﺃﻛﻠﻬﺎ ﺩاﺋﻢ ﻭﻇﻠﻬﺎ} [ اﻟﺮﻋﺪ: 35]” لطائف المعارف (1/37).
أما الفرحتان فهما ﺣﺎﻟﺘﺎﻥ ﻳﺴﺮ ﻓﻴﻬﻤﺎ. (ﺣﻴﻦ ﻳﻔﻄﺮ) ﻳﺘﻨﺎﻭﻝ اﻟﻄﻌﺎﻡ ﻋﻨﺪ اﻟﻐﺮﻭﺏ؛ ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻤﺎ ﻓﻄﺮﻩ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺘﻪ ﻟﻠﻐﺬاء ﻭﺳﺮﻭﺭﻩ ﻋﻨﺪ ﺗﻨﺎﻭﻟﻪ، وحين (ﻳﻠﻘﻰ ﺭﺑﻪ) ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻓﻴﺴﺮ ﻟﻤﺎ ﻳﺠﺪﻩ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﻦ اﻟﻤﺜﻮﺑﺔ ﻭاﻷﺟﺮ ﺟﺰاء ﺻﻴﺎﻣﻪ.
وﻳﺤﺘﻤﻞ في الفرحتان إذا الأولى: “ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﺮﺣﺘﻪ ﻋﻨﺪ اﻹﻓﻄﺎﺭ ﺑﺎﻟﻄﻌﺎﻡ ﺇﺫا ﺑﻠﻎ ﻣﻨﻪ اﻟﺠﻮﻉ، ﻟﺘﺄﺧﺬ ﻣﻨﻪ اﻟﻨﻔﺲ ﺣﺎﺟﺘﻬﺎ، والثانية: ﻳﺤﺘﻤﻞ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺳﺮﻭﺭﻩ ﺑﻤﺎ ﻭﻓﻖ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺗﻤﺎﻡ اﻟﺼﻮﻡ اﻟﻤﻮﻋﻮﺩ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺜﻮاﺏ اﻟﺠﺰﻳﻞ”. شرح السنة للبغوي (6/222)
قال ابن الصلاح في فتاويه: “ﻭﺃﻣﺎ ﻓﺮﺣﺔ اﻟﺼﺎﺋﻢ ﻋﻨﺪ ﺇﻓﻄﺎﺭﻩ ﻓﺠﺎﺋﺰ ﺣﻤﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﺮﻳﻦ ﻓﺮﺣﺔ اﻟﻨﻔﺲ ﺑﻤﺎ ﺗﺘﻨﺎﻭﻝ ﻭﻻ ﻣﺤﺬﻭﺭ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻓﺮﺣﺔ ﺑﺘﻤﺎﻡ اﻟﻌﺒﺎﺩﺓ اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ ﻟﻪ، ﻭاﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ”. فتاوى ابن الصلاح (1/162)
وقال ابن الجوزي: “ﻓﺮﺣﺔ اﻟﺤﺲ ﻋﻨﺪ اﻹﻓﻄﺎﺭ ﺗﻨﺎﻭﻝ اﻟﻄﻌﺎﻡ، ﻭﻓﺮﺣﺔ اﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﻹﺗﻤﺎﻡ اﻟﺼﻴﺎﻡ”. التبصرة لابن الجوزي (2/83).