أطباء غزة.. روايات قاسية من التعذيب والإذلال في سجون الاحتلال

قدّم سبعة أطباء بينهم بعض من كبار أطباء غزة، شهادات مروعة عن التعذيب والضرب والتجويع والإذلال، الذي تعرضوا له طوال شهور الاعتقال خلال حرب الإبادة التي شنها الاحتلال في 7 أكتوبر 2023.

وقال جميع من تمت مقابلتهم في تحقيق لـ”صحيفة الغارديان” البريطانية و”شبكة أريج”، إنهم اعتُقلوا لأنهم أطباء؛ وإن معظمهم أُخذ من داخل المستشفيات. أما الآخرون فقد اقتادهم الجيش الإسرائيلي من سيارات الإسعاف أو نقاط التفتيش بعد التعرف عليهم كعاملين في مجال الرعاية الصحية.

ويتعلق الأمر بالدكتور عصام أبو عجوة، والدكتور محمد أبو سلمية، والدكتور محمود أبو شحادة، والدكتور بسام مقداد، والدكتور غسان أبو ستة، الدكتور خالد السر، بالإضافة إلى الدكتور حسام أبو صفية، والدكتور أحمد مهنّا اللذين لازالا قيد الاعتقال.

واعتقل جميع الأطباء حسب التقرير، بموجب “قانون احتجاز المقاتلين غير الشرعيين” الإسرائيلي، والذي يمنح الجيش صلاحيات واسعة لاعتقال أي شخص من غزة يشتبه في تشكيله تهديدا أمنيا.

ومع دخول وقف إطلاق النار بين “إسرائيل” وحركة حماس حيز التنفيذ  شهر يناير 2025، كان قد قُتل 1057 شخصا من الأطقم الطبية المختلفة، وتعرضت العديد من المستشفيات للقصف وتحولت إلى أنقاض؛ وهي هجمات خلصت لجنة تابعة للأمم المتحدة إلى أنها قد ترقى لمستوى جرائم الحرب.

كما اعتُقل المئات من الأطقم الطبية الذين نجوا من الغارات الجوية والهجمات البرية، ونُقلوا بشكل غير قانوني عبر الحدود، واختفوا داخل المعتقلات والسجون “الإسرائيلية”، بمن فيهم عشرات الأطباء.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، اعتقلت إسرائيل 297 طبيبا وممرضا ومسعفا وغيرهم من العاملين في مجال الرعاية الصحية من غزة خلال الحرب.

وبحسب بيانات منظمة “هيلث كير وركرز وتش” الطبية غير الحكومية، فإن العدد أعلى قليلا، فقد وثقت اعتقال 339 من العاملين في المجال الصحي في غزة من قبل الجيش الإسرائيلي، فيما لا يزال ما لا يقل عن 160 منهم داخل السجون الإسرائيلية.

تحدث جميع الأطباء الذين قابلتهم “الغارديان” و”أريج” عن النمط نفسه في تحديد الهوية والاعتقال والاقتياد إلى السجون الإسرائيلية. وذكروا جميعا أنهم نُقلوا عدة مرات بين السجون ومراكز الاعتقال التابعة لمصلحة السجون الإسرائيلية، وأنهم تعرضوا لعنف شديد أثناء اقتيادهم من وإلى السجون.

وكشف جميع الأطباء أنهم تعرضوا لمعاملة غير إنسانية داخل السجون؛ من الضرب باستمرار والبقاء في أوضاع مرهقة لساعات. كان يُسكب عليهم الماء ثم يُعرّضون لمكيفات الهواء شديدة البرودة، بالإضافة إلى تشغيل موسيقى صاخبة حتى لا يناموا.

كما أخبر الأطباء في شهاداتهم بأنهم حُرموا من الطعام ومياه الشرب، وأُجبر بعضهم على تناول معجون الأسنان بسبب نقص الطعام، بالإضافة إلى منعهم من الاغتسال أو تغيير ملابسهم، لفترة قد تمتد لأشهر أحياناً.

وتم التحقق من تعرض العاملين في مجال الرعاية الصحية للتعذيب والعنف والإيذاء النفسي من قبل الأمم المتحدة، كما وثّقت ذلك منظمات حقوقية مثل منظمة هيلث كير وركرز ووتش، وهيومن رايتس ووتش، وأطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل.

وفي تقرير صادر عن منظمة هيلث كير وركرز ووتش في أكتوبر 2024، أكدت شهادات العاملين في مجال الرعاية الصحية أنهم تعرضوا أثناء اعتقالهم “للصعق بالكهرباء والتعليق من أذرعهم بالأسقف، وركلهم في مناطق حساسة والاعتداء عليهم جنسياً”.

وبهذا الخصوص، أفاد المكتب الأممي في بيان للغارديان وشبكة أريج، “يجب على إسرائيل إطلاق سراح جميع المحتجزين تعسفياً، بمن فيهم أفراد الطواقم الطبية، ووضع حد لجميع الممارسات التي ترقى إلى مستوى الاختفاء القسري والتعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة”، وأضاف أنه “يجب محاسبة المسؤولين عن جميع الجرائم بموجب القانون الدولي”.

ووفقا للقانون الدولي، يجب حماية العاملين في القطاع الصحي من الهجمات خلال النزاعات المسلحة، والسماح لهم بمواصلة تقديم الرعاية الطبية لكل من يحتاجها. لكن بدلا من ذلك، وخلال الحرب التي استمرت 15 شهرا في غزة، تم استهداف الكوادر الطبية بشكل ممنهج، إلى جانب تدمير المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية بغزة.

من جهتها، بررت إسرائيل هجماتها على نظام الرعاية الصحية في غزة بالادعاء بأن حماس تستخدم المستشفيات كمراكز قيادة عسكرية. وبموجب القانون الدولي، يمكن أن تفقد مرافق الرعاية الصحية مكانتها المحمية وتصبح أهدافا عسكرية إذا استُخدمت في أعمال “تضر بالعدو”.

مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، قال إنه في حال تم التحقق من هذه الادعاءات الإسرائيلية، فإن ذلك سيثير مخاوف جدية من أن الجماعات الفلسطينية المسلحة تعمد إلى استغلال وجود المدنيين لحماية نفسها من الهجمات، ما يرقى إلى جريمة حرب، وأضاف أنه “لم تتوفر حتى الآن معلومات كافية لإثبات هذه الادعاءات، التي ظلت غامضة وفضفاضة، وفي بعض الحالات تبدو متناقضة مع المعلومات المتاحة علناً”.

من جهة أخرى، تم طرح جميع شهادات الأطباء المتعلقة باعتقالهم على الجيش الإسرائيلي، لكنّه لم يرد على أي منها بشكل منفصل، واكتفى بتقديم بيان عام قال فيه إنه يعمل على “استعادة الأمن لمواطني إسرائيل، وإعادة الرهائن إلى ديارهم، وتحقيق أهداف الحرب مع الالتزام بالقانون الدولي”.

وقال الجيش الإسرائيلي إنه خلال الحرب تم اعتقال أشخاص يشتبه في تورطهم في “أنشطة إرهابية”، وإنه تم نقلهم إلى إسرائيل للتحقيق معهم، في حين يتم إطلاق سراح من لم يثبت تورطهم.

وأضاف أنه يمتثل للقانون الإسرائيلي والدولي لحماية حقوق المعتقلين، وأن المعتقلين يحصلون على “ملابس مناسبة، ومرتبات وبطانيات، وطعام وشراب منتظم”، ولديهم الوصول إلى الرعاية الطبية اللازمة. وأضاف أن تقييد اليدين يتم وفقاً للسياسة الإسرائيلية المُتبعة دون تحديدها. وأقر الجيش الإسرائيلي بحدوث وفيات داخل السجون، لكنّه أشار إلى إجراء تحقيقات في كل حالة.

ولا يزال الدكتور حسام أبو صفية معتقلا لدى قوات الاحتلال “الإسرائيلي”، تعرض خلاله للتعذيب والضرب، والحرمان من العلاج حسب ما أفاد به المحامي في زيارةته بعد 47 يوما من اعتقاله، وصرح المحامي للغارديان وأريج أنه تُرك في العراء لمدة ست ساعات في البرد القارس قبل نقله إلى سجن سدي تيمان. كما تعرض للصعق الكهربائي، والضرب، والإهانات المستمرة، واحتُجز في العزل الانفرادي في سجن عوفر.

على إثر ذلك، واجهت السلطات الإسرائيلية إدانات دولية بسبب اعتقال أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان بمخيم جباليا للاجئين في غزة، والذي شوهد آخر مرة في لقطات لطائرة إسرائيلية من دون طيار، وهو يسير بمعطفه الأبيض بين أنقاض المستشفى باتجاه الدبابات الإسرائيلية. ومنذ ذلك الحين، قالت السلطات الإسرائيلية إنها اعتقلته للاشتباه في انتمائه إلى حركة “حماس”.

كما لا يزال الدكتور أحمد مهنا، مدير مستشفى العودة في شمال غزة، رهن الاعتقال الإسرائيلي منذ أكثر من عام، من دون أن توجه له أي تهمة، وفق ما ذكر محاميه.

وبعد قرابة 500 يوم من اعتقاله، لا يزال مصير مهنا جهولا بعدما اقتاده الجيش الصهيوني لجهة لم يعلم عنها حتى الساعة أو مكان اعتقاله رغم مطالب أهله بتسليم معلومات عن وجوده، في ظل صمت دولي وغياب مسؤولية كاملة من الجهات المعنية ومنها منظمة  الصحة العالمية ومنظمة أطباء بلا حدود وحقوق الإنسان في تقديم كشف أو عريضة منذ الإعتقال حتى اليوم.

مواقع إخبارية

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى