أذكار طرفي النهار موجبات ومقاصد – عبد الرحمن الإدريسي

تقديم

الحمد لله المحمود بكل لسان، المعبود في كل زمان، والذي لا يخفى عن علمه مكان، ولا يشغله شأن عن شأن، والصلاة والسلام على نبينا محمد أفضل من ذكر الله وصلى وصام، وعلى آله وصحبه الكرام، وبعد:

فإن ذكر الله تعالى من أعظم العبادات قدرا وأرفعها منزلة لخصوص تعلقه بذات الله تعالى، من حيث إن الذاكر عاكف على مولاه بقلبه، مُقْبِلٌ عليه بِكُلِّيَّتِهِ، منصرف إليه بسره وعلانيته، ليس يشغله عنه شاغل ولا يصدفه عنه حائل، وكل همه أن يذكره مولاه ويدخله في زمرة الذاكرين ويحشره في عباده المخبتين؛ {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}، «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منه».

أولا: في معنى الذكر

يرد الذكر في اللغة بمعنى استحضار الشيء والانتباه إليه وعدم نسيانه؛ قال ابن فارس رحمه الله في المقاييس: «ذكرت الشيء، خلاف نسيته. ثم حُمِل عليه الذكر باللسان. ويقولون: اجعله منك على ذُكْرٍ، بضم الذال، أي لا تنسه». ومن هنا فذكر الله تعالى عبارة عن توجه القلب إليه بإجالة الفكر في عظيم قدره بما يجعل العبد مستحضرا كمال أوصافه وجمال نعوته وجلال قدره. ويرد الذكر في اللغة أيضا بمعنى علو المنزلة والرفعة في الدرجة يقال رجل ذِكْرٌ وذَكيرٌ أي جيد الذكر شهمٌ.

وفي الاصطلاح الشرعي فإن المفسرين رحمهم الله لدى تعرضهم لبيان آيات الذكر لم يخرجوا في حَدِّ الذكر عن معناه اللغوي، حيث جعلوه حركةَ اللسان بما وقر بالقلب من تعظيمٍ لله تعالى وشديد تعلق به؛ وعرفوه كذلك بلازمه من لزوم الطاعة وترك المعصية؛ قال ابن عطية رحمه الله تعالى في المحرر الوجيز: «قال القاضي أبو محمد: أي اذكروني عند كل أموركم فيحملكم خوفي على الطاعة فأذكركم حينئذ بالثواب، وقال الربيع والسدي: المعنى اذكروني بالدعاء والتسبيح ونحوه». فالذكر إذن هو حضور القلب وشديد تعلقه بباريه بما يجعل اللسان دائم الحركة بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير ونحوها، وحري بمن كان ذلك حاله أن يسارع في طاعة ربه، ومن لزم ذلك كان حقا على الله تعالى أن يرفع ذكره ويُعْظِمَ أجره تفضلا منه سبحانه وتفضلا.

ثانيا: الأساس الفلسفي لوظيفة الذكر

الذكر في الإسلام عمل ووظيفة قلب ملأت شِغافَهُ معاني الجلال والجمال والكمال، ما تلبث عباراته الرقيقة تنبجس أنهرا رقراقة تسري على أطراف اللسان فتفيضَ على البدن طمأنينة وسكينة .وإنما كان الذكر على ذلكم الوجه لأنه متأسس على أصل فلسفي متين مكين، ذلك أن الإنسان في النموذج التصوري الإسلامي روح حلت بِبَدَنٍ فصيرته بإذن الله حيا سميعا بصيرا. وهذه الطبيعة المزدوجة للوجود الإنساني لم تزل محل اختلاف بين أرباب الفكر قديما وحديثا. ثم إن المسلمين هُدوا إليها بما تلقوا عن ربهم من أصول تصور واعتقاد صحيح.

إن البشر قد أصابوا من الكسب المادي والتقني حظا وافرا، ومع ذلك فإن رؤاهم وتصوراتهم الفلسفيةَ حول الإنسان لم تزل ترتكس وتنتكس جزاء وفاقا على كبرهم وعنادهم وإعراضهم عن دعوة الحق، فكان أن انحجبت الرؤيةُ وكَلَّ العقل مضطربا في أمر الإنسان بين غَرْبٍ مُؤَّلِّهٍ للمادة مُحَكِّما لها على سائر أفراد الوجود، حيث عُدَّ الإنسانُ مجردَ كائن مادي مستغرق في تناول لذاته متماد في طلب شهواته من غير تطلع إلى أشواق النفس وأذواق الوجدان، وذلك لعمري هو السفه والضلال المبين.

وفي مقابل هذه النزعة المادية الساذجة  ذهبت فلسفات الشرق القديمة  إلى تبني  نزعة حلولية تزعم وحدة بين الوجود وموجده والمخلوق وخالقه، بما يرهق الإنسان لدى أمره بالاستغراق في التجرد من بشريته ليصير أهلا لحلول الإله والاتحاد معه في الجوهر والصفات، مما لا يَحِلُّ لأحد، ولا يطيقه مخلوق مهما بلغ من الكمال والصفاء.

أما الرؤية الصحيحة فقد جسدتها رسالات الأنبياء وكسبُهم البشري المتصل بالسماء على نحو ما قاله نبينا صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: « وعليك بتلاوة القرآن وذكر الله فإنه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض ». فَلَإِنْ كان البدن مفتقرا إلى أن يقوم بجنس ما خلق منه من طين الأرض، فلا قيام كذلك للروح ولا صلاح لها إلا بالتزود من ذكر الله تعالى، وبهذا الأصل يتمسك المؤمن وقد أعطى كل ذي حق حقه وفق التوازن الذي جبلت عليه النفوس بما يسعد قلبه ويقيم على الحق سعيَه، من غير استغراق في اللذة ولا تَمَحُّلٍ للتجرد من الطبيعة البشرية، فناسب لأجل ذلك أن توصف أمة الإسلام بالوسط في سائر أمرها بقوله تعالى :{وكذلك جعلناكم أمة وسطا}.

        ثالثا: لماذا سن الذكر طرفي النهار؟

لقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالاشتغال بذكره على كل حال، وحَضَّهُمْ على الاعتناء بذلك طرفي النهار؛ فقال سبحانه: {واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا }، وقال أيضا: { فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب}، وقال أيضا:{وسبح بحمد ربك بالعشي والابكار}. وأخبر أن ذلك دأبُ سائر المخلوقات كما في قصة نبي الله داود عليه السلام: {إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والاشراق والطير محشورة كله له أَوَّاب }.

والحض على الذكر بالعشي والإبكار ليس فيه دلالة على اختصاصه بذينك الوقتين دون سواهما، وإنما هو من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى وبالطرفين على الجميع كما في قولهم أُمطرنا السهل والجبل يريدون أن الغيث عَمَّ كل البلاد، وكما في قولهم قَلَّبْتُهُ ظهرا لبطن أي قلبته كله.

وإنما اعتني بالعشي والإبكار لأنهما ظرفان لحصول انقلابين عظيمين في اليوم؛ حيث تتهيأ الأرض في الصباح لاستقبال الضياء بعد انسلاخ الليل وإدباره، وتتهيأ في المساء للدخول في العتمة بعد مضي النهار وانقضائه. وفي ذلك أمارات جليات على التحول والانتقال المُؤْذِنَيْنِ بالفناء والزوال بما يقذف بالقلب الرهبة والخشية، فيسارع العبد إلى  باريه الدائم ليجد عنده السكينة مما اعتراه، ولسان حاله يقول :« أتيت إليك ربي لِتُؤَّمِّنَنِي مما أفزعني من لوعة الفراق، ولست أجد السكينة عند غيرك من الفانيات ». وعلى هذا يفهم قوله سبحانه وتعالى:{ الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.

ثم إن العشي والإبكار وقتان تختم فيهما الأعمال وترفع الصحف إلى الله الديان سبحانه، وحري بالعبد حينئذ أن يبالغ في ذكر ربه على هيئة المشفق مما كسبته يداه، متضرعا إلى الله تعالى ليعفوَ عما كان منه من إسراف وتفريط  ويقبلَ منه ما وُفِّقَ إليه من  بر وإحسان، أخرج الإمام مالك في الموطأ عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة العصر، وصلاة الفجر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: «كيف تركتم عبادي؟» فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون ». أفلا يَحْسُنُ بالعبد أن يكون آخرُ ما ترفعه له ملائكة ربه ذكراً يُجْزى عليه مغفرة وأجرا عظيما كما وعد الرحمان سبحانه في قوله: { والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما}.

ومهما قيل من حِكَمٍ في تخصيص الصباح والمساء بالذكر المخصوص فإن سر ذلك لا يحيط به إلا الذي يعلم السر وأخفى، ذلك أن الذكر نوع عبادة، وما كان التعبد سبيلَه فلا مطمع لأحد في أن يحيط بأسراره على التفصيل، وإنما الواجب التسليم بأنها عبادة جالبة لكل نفع وخير دافعة لكل سوء وشر، فعلى ذلك مدار كل أوامر الشرع ونواهيه، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: « إذا سمعت نداء الله فهو إما يدعوك لخير أو يصرفك عن شر»، وقد ضَمَّنَ الشيخ علي بن عبد الواحد الأنصاري السجلماسي نظمه الموسوم ب”اليواقيت الثمينة” أبياتا في هذا المعنى فقال:    

ولابن عباس كلام أرشدا     لِذا فقد قال كبير الرُّشَــدا

إذا سمعت الله يدعوك فما    إلا إلى خير يُراد فاعلمــا

أو دفع شر فأفاد أنـــــــا      الحكم مشروع لِسِرٍّ عَنَّـــا

ولئن خفي عنا السر في جعل الأذكار المخصوصة في الصباح والمساء، فإن ألفاظها وعباراتها ناطقة بجملة أسرار ومقاصد، حري بالعبد أن يتعرف عليها لينشط في ذكر ربه ويدأبَ عليه حتى يأتيه اليقين.

رابعا: مقاصد أذكار الصباح والمساء وآثارها التربوية

تنطوي أذكار الصباح والمساء على جملة حِكَمٍ ومقاصد تؤخذ من عباراتها وألفاظها تصريحا أو إيماء، وتستنبط أيضا على نحو ما تقرر من مسالك التعليل لدى الأصوليين. وما يهمنا الآن من تلكم المقاصد إنما هو أصولها الكلية التي إليها يُرَدُّ غيرها. وقد أَدَّاني طول النظر في ألفاظ وعبارات تلكم الأذكار مع بعض التأمل في عبارات بعض المربين حولها – ولا سيما كتابات بديع الزمان النورسي- إلى  استخراج واستنباط  ثلاثة مقاصد تتناول الجوانب المعرفية والقيمية الخلقية والجمالية  في تناسق وانسجام موحٍ بكمال النموذج التصوري الإسلامي وهيمنتِه على غيره، وتمامِ قدرته على إصلاح النفس البشرية إن هي تلقته بعقل مستنير وقلب ملتهب.

  • المقصد الأول: الاستناد

        أي اعتماد النفس  البشرية على أصل وجودها وتَوَكُّؤُها على قدرة بارئها، إذ لا قيام لها إلا به سبحانه { أمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله أندادا}، فلئن كان البدن منجذبا بطبيعته إلى الأرض أصل خلقته، فإن النفس لا جرم تنجذب إلى أصلها. والاستناد يتجلى في قوله صلى الله عليه وسلم في الأذكار الآتية: «أصبحنا وأصبح الملك لله…»، وقوله: «اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا…»؛ فشعور العبد بأنه لا قيام لأمره إلا بربه، واعتماده عليه في سائر أمره شيء لا مناص منه حتى تتزن نفسه فلا تضطرب ويصح شعوره فلا يَعْتَلّ ويستقيم كسبه وسعيه فلا يَضِلّان. وربما أتى على النفس حين من الدهر تنسى هذا الانتساب والاستناد فيكون منها ما يكون من الاضطراب والقلق، وتلافيا لذلك شرعت أذكار الاستناد هذه إيقاظا للشعور به. ومتى تيقن  العبد أن سائر أمره بيد ربه انسكبت الطمأنينة بقلبه وسكن فؤاده وصحت عزيمته.

  • المقصد الثاني: الاستمداد

والاستمداد عبارة عن تلقي العبد نعم ربه السابغةَ ظاهرا وباطنا، حيث النفس مفتقرة في سائر أمرها إلى عطاءات الله وإمداداته التي لولاها لهلك الناس من فورهم، فمن ذا أقدر على إجراء الدم في العروق؟ أو من ذا يستطيع أن يجري أنفاسنا من غير انقطاع؟ ألا نبؤوني بربكم عمن نفخ في الأبدان أرواحها فأمسكها حتى تحضر آجالُها؟ إن نعم الله علينا كثيرة تنبو عن العد والحصر{ وإن تعدوا نعمة لا تحصوها إن الانسان لظلوم كفار}. والعبد مأمور بأن يتعبد لربه بالإلحاف في مسألة نعمه، ولذلك شرعت له بالغداة والعشي أذكار تفي بذا الغرض كقوله صلى الله عليه وسلم: « اللهم ما أصبح بي من نعمة...» وقوله: « الله إني أصبحت منك في نعمة وستر وعافية…». وهذه الأذكار وإن كان ظاهرها اعترافا وإقرارا وهما مطلوبان، إلا أن فيها كذلك دعاءً ومسألةً بِإِدامَةِ النِّعم والاستزادة منها، وهذا من أسلوب التعريض الذي لا يخفى على خبير بمجاري الكلام وأساليبه.

  • المقصد الثالث: الاسترشاد

وهو طلب الرشد والهداية إلى سواء السبيل، وإنما أَخَّرْتُ ذكره لعلو مرتبته، فليس ينتفع بعيش من قام بربه وهو في نِعَمِهِ رافِلٌ متقلب، ثم لم يُهْدى إليه سبحانه، إذ الهداية في ميزان الشريعة هي أُمُّ النِّعَم وأسُّ المِنَح. وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدخل في سلك المهتدين وينضم إلى زمر الراشدين بقوله: {اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}، وأخبر سبحانه أن من أطاع الله ورسوله جدير بأن يظفر بصحبة ومعية المنعم عليهم وذلك في قوله تعالى: { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا}، والآية صريحة في أن الهداية والرشاد هما أعظم نعم الله على العباد، حيث الطاعة لازمة الهداية وعلامة حصولها.

ولِمَسيسِ حاجة العبد إلى الاهتداء على صراط الله المستقيم، فقد سُنت لنا أذكار تعين على ذلك ووُقِّتت بالغدو والأصال حتى يثبت العبد على الهدى والرشاد في سائر وقته حتى يلقى ربه راضيا مرضيا. ومن تلكم الأذكار قوله صلى الله عليه وسلم: « اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائتك وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك»، جُمعت الهداية في هذا الأثر من أطرافها واختُصرت في كلمات قليلات، فمن طوى قلبه على الإقرار بالألوهية التامة لباريه سبحانه فذلك هو العبد حقا وصدقا، ومن اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إماما هاديا فهو معدود من المهديين الراشدين. ثم تتأكد معاني الذكر السابق بقوله صلى الله عليه وسلم: « أصبحنا على فطرة الإسلام وعلى كلمة الإخلاص وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم  وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان المشركين»، فطرة الانقياد لرب البرية وتمام خضوع له على مقتضى كلمة الإخلاص السَّنِيَّةِ، مع اتِّباعٍ كامل لخاتم الرسل على سَنَنِ الخليل ذي الحنيفية، إِنَّ هذا لهو تمام الهدى.  وماذا بعد الهدى إلا الضلال؟

  • وسبح بحمد ربك واستغفره

سُنَّتْ أذكار العشي والإبكار ورُتِّبَتْ على نحو يُعَرِّفُ العبد ويذكره بربه، لتستوثق صلته به تعالى. وإنه لحري بمن استمر عليها وتمادى في تملي معانيها أن تنبعث بقلبه أشواق حَرَّى إلى جمال الوصال بذي الجلال والجمال والكمال. وإذا استغرق العبد في ذلك ربما طَمِعَتْ نفسه في أن ينكشف دونها الحجاب، فَيُمَتِّعَ بصره وقلبه بتمام الرؤية مثلما وقع للكليم عليه والسلام حين { قال رب أرني أنظر إليك }، وحيث إن ربنا { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} ولا يحاط به علما، وحيث إن الشوق قد يجنح بالقلب إلى التخيل في كمال وجمال الذات مما لا يطيقه أحد من العالمين، فقد شُرِعَ التسبيح نفيا لكل تشبيه وحسما لكل تخيل على ما قرره سادتنا المتكلمون في قولهم « فكل ما يخطر ببالك فالله خلاف ذلك»، أخذا من قوله تعالى: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}. وحيث إن التسبيح تنزيه وحيث إن التنزيه نفي فإنه يوشك إن أوغل الناس فيه أن تفرغ قلوبهم من معاني الوجود والثبوت، من أجل ذلك شُرِعَ التحميد وقُرِنَ بالتسبيح  حتى يمتلئ الفراغ فيعتدلَ التصور ويستقيم الشعور، إذ الحمد أكثر تعلقه بصفات الأفعال وهي مبثوثة على صفحات الخلائق كأشد ما يكون التجلي علامات لأولي الأبصار والبصائر.

وهكذا كان التسبيح بحمد الله تعالى بحرَ أنوار ما خاضه عارف قط إلا هامت نفسه والتاعت أشواقه فلا يهدأ رَوْعُهُ إلا حين ترسو مراكبه على ساحل الوصال حيث يدنو المحب من حبيبه ويدخل المحبون على باريهم بدياره، فَيُحِلَّ لهم النظر إلى وجهه الكريم { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة }.

وإذ إن العبد مُقَصِّرٌ وإن اجتهد مُفَرِّطٌ مهما عَبَدَ، فإن ربنا الودود فتح لنا باب التّوْبِ وأمرنا بالاستغفار من الذنب عسى أن تتطهر من أدرانها النفوس، فتطيبَ وتحظى برضى الملك القدوس، ف « اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت».

وكان الفراغ منه يوم السبت 24 رجب 1443الموافق ل26 فبراير 2022. الرشيدية حاضرة الجنوب الشرقي أمنها الله تعالى.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى