أحسنوا الظن بربكم ـ توجيه بمناسبة اكتمال شهر رمضان المعظم ـ 

يطيب لنا وقد أوشك شهر شوال أن يهل علينا بهلاله ليسدل الستار على شهر رمضان المعظم أن نتوجه إليكم بأطيب التهاني بمناسبة حلول عيد الفطر السعيد، سائلين المولى عز وجل أن يجدد أمثاله علينا وعليكم ونحن ننعمُ بوافر الصحة والعافية ونفتحُ آفاقا جديدة للدعوة والإصلاح بمعية وشراكة المخلصين من أبناء هذا الوطن.

الإخوة الكرام، الأخوات الكريمات، في ختام شهر رمضان نتوجه إلى الله تعالى بالحمد على ما وفقنا إليه جميعا من أعمال صالحة، وندعوكم وأنفسنا بهذه المناسبة إلى إحسان الظن بالله تعالى. فقد قال سبحانه في الحديث القدسي: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ”[1]، وقال أيضا: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي[2]ومعنى الحديث: ” أجازيه بحسب ظنه بي، فإن رجا رحمتي وظن أني أعفو عنه وأغفر له فله ذلك، لأنه لا يرجوه إلا مؤمن علم أن له ربا يجازي. وإن يئس من رحمتي وظن أني أعاقبه وأعذبه فعليه ذلك لأنه لا ييأس إلا كافر”[3].

لذلك ينبغي أن نتداعى إلى حسن الظن به سبحانه، وهو ظن واقع في محله يقينا، والله تعالى أهل لحسن الظن، ولن يخيب الله تعالى ظننا به.

أيها الإخوة الكرام، لقد دعوتم الله تعالى وسألتموه ما شئتم من عطائه وفضله، فظنوا بربكم خيرا، وأملوا الإجابة، ألم يقل نبيكم صلى الله عليه وسلم: ” إن الله حيي كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين”[4]، فلن تكونوا بدعاء ربكم أشقياء أبدا إن شاء الله.

ظنوا بربكم خيرا، وأملوا أن كَلِمَكُمْ الطيب قد صعد إليه، وأن عملكم الصالح قد رفعه سبحانه، وأنه سبحانه ذكركم كما ذكرتموه، وأنكم ستُرَتٍّلون القرآن في الجنة كما رتلتموه في الدنيا وأنتم ترتقون معارج الجنة إلى درجاتها العليا.

ظنوا بربكم خيرا، وأملوا أن صدقاتكم قد وضعتموها في كف الرحمن، وأنه تعالى سيربيها لكم كما يربي أحدكم فَلُوَّه وفصيله حتى تكون مثل الجبل[5].    

ظنوا بربكم خيرا، وأملوا أنكم كما فرحتم بفطركم ستفرحون كذلك عند لقاء ربكم، وكما تركتم طعامكم وشرابكم لله، سيطعمكم الله تعالى من طعام الجنة وسيسقيكم من نهر الكوثر بيدي رسوله صلى الله عليه وسلم، وسيدعوكم للدخول إلى الجنة من بابها المسمى الريان.

ظنوا بربكم خيرا، وأملوا أن يكون الله تعالى قد جعلكم من عتقاء النار، وأنكم ستكونون من أهل جائزته تنالونها يوم العيد إن شاء الله.

أيها الإخوة الكرام، أيتها الأخوات الكريمات، إن كل متابع للأعمال والمبادرات المتميزة التي أشرفتم عليها في مناطقكم، ينقلب بارتياح كبير وأنفاس طيبة، و يشعر أن روح المنافسة والمسارعة إلى الخيرات تلهب حماسكم، وأن أسباب التخطيط والبرمجة الهادفة وتوفير الموارد المالية والبشرية تقف وراء نجاح أعمالكم. وإذ نسأل الله تعالى لكم القبول والجزاء الحسن، نشكر باسمكم الشعب المغربي المسلم المسالم، الذي احتضن أعمالكم وأقبل عليها؛ كما نشكر السلطات المغربية التي يسرت إنجاز هذه الأعمال والقيام بها في الساحات والفضاءات العمومية.

إن كل هذه النعم توقع على عاتقنا مسؤوليات جسيمة، تتمثل في الحفاظ على أمن وسلامة هذا البلد، والحفاظ على قابلية الشعب المغربي ومؤسساته لاحتضان الأعمال الدعوية. وإن من مقتضيات هذه المسؤولية ترشيد الخطاب الدعوي والميل به نحو الرفق واللين أكثر، والابتعاد عن الفظاظة والغلظة في الأقوال والمواقف. قال تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].

كما أن من مقتضيات هذه المسؤولية كذلك تعزيز النظرة الإيجابية للمجتمع المغربي ومؤسساته الإدارية، فالمجتمع المغربي مجتمع مسلم متدين يحب الخير ويستجيبلمن يحرضه عليه، ولولا ذلك لما استجاب لأنشطتنا، بل ربما كان أول المانعين لها. كما أن المؤسسات الإدارية هي مؤسسات وطنية يشرف عليها مسلمون كذلك، يرجون الخير من ربهم، ويأملون الصلاح لأنفسهم وذويهم، وهذا ما يوفر لنا الفرص المواتية لنبحث عن شركاء نرسخ معهم قيم الإصلاح ونتعاون معهم على الخير.

وفي الختام ندعوكم أيها الإخوة الكرام إلى حسن استثمار تلك المجهودات الدعوية تربوياوتنظيميا، وذلك بتعريف المستجيبين لأعمالنا بحركتنا وهويتها ومقاصدها ومنطلقاتها، ودعوتهم إلى الالتحاق بمجالسنا وأنشطتنا التربوية عسى أن يكونوا عونا لنا على حمل هذه الأمانة العظيمة، نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم البصيرة النافذة وأن يسدد سبحانه أعمالنا جميعا ويوفقنا إلى ما هو أحسن منها وأكثر نفعا آمين والحمد لله رب العالمين.

     مصطفى قرطاح

  • [1] ـ مسند أحمد مسند حديث واثلة بن الأسقع من الشاميين، قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.
  • [2] ـ صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى ويحذركم الله نفسه [آل عمران: 28].
  • [3] ـ شرح وتعليق د. مصطفى ديب البغا على الحديث.
  • [4]ـ سنن الترمذي، كتاب الدعوات باب منه، قال ترمذي: حديث حسن ، وقال الألباني: صحيح.
  • [5] ـ قال أهل اللغة الفَلُو”ُ المُهْرُ (أي ولد الفرس) سمي بذلك لأنه فلي عن أمه أي فصل وعزل، والفصيل ولد الناقة إذا فصل من إرضاع أمه.

               

-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-

لمزيد من المواضيع، نضع بين أيديكم ملفا متكاملا  عن عيد الفطر 

زيارتكم لموقع الإصلاح https://alislah.ma شرف للإصلاح 

                                                         

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى