يا يحيى …خذ الكتاب – كلثوم بندية

يا يحيى ! ما أشبه اليوم بذلك اليوم الغابر في الزمن ….

بالأمس نادى زكرياء ربه نداء خفيا، اشتكى إلى ربه وهن العظم وشيب الشعر، اشتكى إلى ربه الوحدة، بل اشتكى إلى ربه هموما تقلقه …اشتكى إلى ربه قضايا عصره وتحديات زمانه ،كان قلقا بشأن إرثه الذي سيخلفه من بعد …إرث آل يعقوب .

كان يحتاج وريثا خاصا، بمواصفات مؤَه‍َّلة ومؤهِّلة للدور المرغوب فيه، كان يحتاج اسما متميزا، اسما باعثا على التفاؤل، باعثا على الأمل، باعثا على الحياة .

فجئت يا يحيى …

كان يحتاج وريثا علاقاته الإجتماعية ناجحة بل أكثر من ناجحة، يحتاج شخصا يحظى بالقبول والثقة والرضا …

فكنت تقيا …ورضيا

أحدثك يا يحيى وأنا أحس أن يومنا يشبه يومك القديم، فبين عشية وضحاها تغيرت الحياة من حولنا ولا زالت تتغير في كل دقيقة وثانية، هجم علينا فيروس مجهري صغير، طاف العالم وأحكم قبضته عليه، أخفى معالم الهزل والراحة والمتع، وأعاد تموقع أمور كنا  نعتبرها مهمة حقا، لكننا في غمرة انشغالنا بتحسين عيشنا وتعداد وسائل راحتنا كنا نؤجل النظر إلى حاجتنا إليها وإلى كونها أهم احتياجاتنا، وما كان يشتغل بها سوى فئة قليلة منا ..

باختصار يا يحيى إن هذا الواقع الجديد فتح أعيننا من جديد على كثير من الحقائق، لقد أعاد الاعتبار لكل صاحب وزرة بيضاء، طبيبا كان أو مدرسا … أعاد تموقع حاجتنا إلى الاشتغال بطلب العلم وبالبحث العلمي كأهم حاجة تلح علينا ..

لقد أعاد الاعتبار لكل ما ينفع الناس ولكل ما يضمن صحتهم وأمانهم ومعاشهم، بل إنه رسم أمامنا خطة طريقنا الذي يجب أن نمشيه في المستقبل …ولم يفته أن يحدد شكل تحديات زماننا وإننا لتحديات عالية ..

وإننا يا ولدي ..يا يحيى مثل زكريا طموحنا عال : نريد أن نكون فوق التحديات ونجتاز العقبات، طموحنا عال وقلقنا على المستقبل أعلى، نخاف على إرث الحضارة، نخاف على إرث نبينا، قلقون من أجل الحياة الطيبة التي نتمنى ونرجو أن نعيشها ..

والحال يا يحيى كما ترى وهن العظم واشتعل الرأس شيبا .

ولقد نادينا ربنا نداء خفيا ونداء ظاهرا وستأتي يا يحيى مرة أخرى وسنسلمك المشعل وستكون الابن الذي يأتي على قدر، ويأتي من خلالك الجيل الذي نرجو ونأمل أن يأخذ الكتاب …ويأخذه بقوة .

وسيتجدد إليك الخطاب  : يا يحيى ،خذ الكتاب .

يا يحيى خذ الكتاب بقوة ..

انطلق في دروب الحياة ، واحمل المشعل ،الوقت وقتك ،والزمان زمانك، انطلق بقوة،  لا تحتاج لأن أقنعك بأن الوقت الذي نحن فيه أنت قائده !

انبعث من ركام التفاهة والهامش الذي أقنعوك أنه يناسبك …

ثق بي إنه لا يناسبك إلا القيادة، فالبس لباسها وأعد لها رداءها .

استلم الرسالة، خذ الكتاب، واستذكر ما فيه ..

يقول كتابك : خذ القلم، والكتاب، ودوِّن واستذكر وانقل للناس معارفك .

استلم أسلحة العلم وأدواته وحارب من أجلك وأجلنا لتحيا ونحيا معك

حارب الجهل والتفاهة والتفرقة والضغائن ….

لا تنس وأنت تحمل كتابك  وتناضل من أجل حمله ونقله أن اسمك *يحيى *، اسمك يميزك ويخط أمامك رسالتك ولا تنس أن  تتصف بكل التميز الذي يؤهلك للقيادة، فالتميز قيمة من قيم النجاح في مهمتك، لا تنس أيضا أن تتميز أيضا بكل القيم البانية للروابط والعلاقات، فإنها تجعل انخراطك في محيطك سهلا ويجعل عرضك لمشروعك في الحياة يسيرا .

يا يحيى لا تلتفت لمن أقنعك بأن إثبات ذاتك يمر من خلال الصراع والمخالفة والتمرد، فالقرآن الكريم يخبرك أن السلام العلائقي في حياتك هبة ربانية تولد بها فحافظ عليها لتعيش وتموت بها كما كان يحيى زمانه، إنها عدتك في سيْرِك بين الأجيال فلا تعيش منبوذا ولا جبارا عصيا :بَرٌّ بمن قبلك ورحمة لمن بعدك .

القرآن يخبرك أن انخراطك باكرا في مشروعك يمنحك قوة، يمنحك المبادرة، يمنحك القيادة :”وآتيناه الحكم صبيا “.

يا يحيى إنك معجزة ربي لزكريا، أب شيخ وأم عقيم،هو كذا زماننا يا ولدي مثل ذلك الزمان، أمة عقيم وحضارة بليت واهترأت، وأنت أيها الجيل الجديد معجزة رب العالمين إلينا لتلد العقيم ويزهر المستقبل ..

فلقد وهن العظم واشتعل الرأس شيبا، والزمن يبسط إليك ذراعيه لتأخذ كتاب العلم، وتأخذ كتاب المعرفة، وتأخذ زمام المبادرة، ألا ترى أنه حتى حين أردت أن أبلغك رسالتي هاته، كان لابد أن تتدخل أنت،لتعلمني كيف أستعمل أدوات زمانك، وأضمنها رسالتي إليك، فتضبط جهاز التسجيل لأتحدث أنا، وتمكنني من التطبيقات المساعدة وتقرأ لي شيفرة التكنولوجيا التي لا أستفيد منها إلا من خلالك، وهذا فقط بعض دليلي على أنه آن الأوان يا يحيى أن تحمل الكتاب …وتحمله بقوة .

من اسمك نستمد الأمل

فيا يحيى قم إلى كتابك، خذ منه رسائلك، واسلك دروب الحياة لنحيا

الرسالة والكلام إلى الجيل الواعد بشبابه وشاباته، استوحيته من قصة يحيى من خلال سورة مريم .

فلا تغضبي يا مريم لأنني لم أحدثك،فيكفيك أنك استلمت رسالتك قبل يحيى،بل كنت حافز زكريا ليلح على ربه في طلب الذرية الطيبة، ليأتي بعد كل هذا إلى الوجود :* يحيى*

دائما أنت يا مريم وعلى مر الزمان *المُلْهِمة* والسباقة ..فلا تنسي

وربما تكون لك مني رسالة قادمة أحدثك بما يستفز فيك هذا السبق وهذا التميز :لقد حققت الندية مع يحيى، بل حققت السبق فيما ميزك الله به .

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى