وقفة في ذكرى بدر مع سر النصر – أمال رغوت

وتمر بنا أيام رمضان المختزلة في ومضات.. وتمر بنا لياليه المختزنة للنفحات والنفس تتوق لإدراك ليلة خير من ألف شهر، وجمعة رمضان الثالثة تصادف ذكرى عزيزة غالية.. ذكرى بدر الكبرى.

تحل ذكرى بدر فتشحذ بدروسها وعبرها الذاكرة الايمانية،تحل ذكرى بدر فيتيقظ الوعي بحضور الغيب في الشهود.. تحل ذكرى يوم الفرقان فيطوف بالوجدان مفتاح من مفاتيح الغيب، إنه الدعاء، وإن لرسولنا الكريم سر مع الدعاء لا سيما عندما يحمى الوطيس،لا سيما عند اشتداد الكروب، وفي لحظات استجلاب النصر على الأعداء…

مناجاة نبينا يوم بدر

هاهو سيدنا  عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحدث قال: (لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا، فآستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة (الجماعة من الناس) من أهل الإسلام لا تُعْبد في الأرض، فمازال يهتف بربه ماداً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ}(الأنفال:9)، فأمده الله بالملائكة)* رواه مسلم.

وروى الطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: *(ما سمعنا مناشداً أنشد حقاً له، أشد مناشدة من محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر، جعل يقول: اللهم إني أنشدك ما وعدتني، اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة لا تُعبد).

أجل إنه حبيبنا صلى الله عليه وسلم  الحاني الرحيم تأخذه الشفقة على أصحابه فكان من دعائه لهم: (اللَّهمَّ إنَّهم حُفاة فاحْمِلهم، اللَّهمَّ إنّهم عُراة فاكْسُهم، اللهمَّ إنَّهم جياع فأشبعهم، ففتح الله له يومَ بدرٍ فانقلبوا حين انقلبوا وما منهم رجلٌ إلَّا وقد رجعَ بجملٍ أو جملينِ واكْتسَوْا وشبِعوا) رواه أبو داود وحسنه الألباني.

وفي ساعة الشدة دعاء وثناء

ولرسولنا يوم أحد سر مع ربه .. فبعد انتهاء غزوة أحد والتي أصيب المسلمون فيها إصابة شديدة، وقف النبي الله صلى الله عليه وسلم يتفقد أصحابه، ويخفّف ما نزل بهم، بما يملأ نفوسهم بالرضا والاستكانة لقضاء الله عز وجل:  

عن عبيد بن رفاعة بن رافع، عن أبيه قال: (لما كان يوم أحد، وانكفأ (رجع) المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استووا حتى أثني على ربي عز وجل، فصاروا خلفه صفوفاً فقال: “اللهم لك الحمد كلُّه، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت، ولا مضل لما هديت، ولا معطى لما منعت، ولا مانع لما أعطيت ولا مُقرِّب لما بعدت، ولا مُبْعِد لما قرَّبت، اللهم ابسط علينا من فضلك ورحمتك وبركتك ورزقك، اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، والأمن يوم الخوف، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينهُ في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم توفنا مسلمين، وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسُلك ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك إله الحق، اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب، إله الحق) رواه البخاري في الأدب المفرد، وأحمد في مسنده، والطبراني في المعجم الكبير ـ وصححه الألباني

ما أحناه من قلب ..وما أنداه من دعاء!!

وتمر الأيام والشهور والحبيب صلى الله عليه وسلم  له مع ربه في الغزوات أسرار. 

“اللهم آهزم الأحزاب”

 كان المسلمون آنئذ في حال شديدة من جوع شديد، وبرد قارص، وعدد قليل، وأعداء كُثر، ولقد وصف الله هذا الموقف بقوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً}(الأحزاب 11:10)، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم على الأحزاب، عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب على المشركين فقال: (اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اللهم اهزم الأحزاب  اللهم اهزمهم وزلزلهم) رواه البخاري.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (قلنا يوم الخندق: يا رسول الله هل من شيء نقوله؟ فقد بلغت القلوب الحناجر! قال: نعم، اللهم استر عوراتنا، وآمِن روعاتنا، قال: فضرب الله وجوه أعدائه بالرِّيح، وهزمَهُم الله بالريح) رواه أحمد وحسنه الألباني.

وها قد استجاب الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين حين دَعوْه في الأحزاب، وهاهو المدد من السماء ينزل، وهاهي الرياح الشديدة في ليلة شاتية باردة ترسل، فهدمت خيام الأعداء، وكفأت قدورهم، وأطفأت نيرانهم، وفعلت فيهم جنود الله الأفاعيل، فآمتلأت قلوبهم رعباً وخوفا، وساد بينهم الهرج، ورجعوا خائبين منهزمين، وانفك الحصار، وعاد الأمن، وثبت رسولنا المتبتل لربه المستغيث بقوته فتجلى السر وتحقق النصر .

هو رسولنا قدوتنا وأسوتنا في الدعاء لآستجلاب النصر

هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته ومواجهة أعدائه شديد الاجتهاد في الدعاء، كثير الابتهال إلى الله عز وجل، وفي ذلك تربية للصحابة رضوان الله عليهم، وتربية لنا من بعدهم، على أن الدعاء في الجهاد سببٌ من أسباب الثبات والنصر، قال الله تعالى {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ} البقرة:250

صلى الله عليك يا حبيبي يارسول الله

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى