مَدى صُمودِ قيمة التضامُنِ الإنسَاني أثناءَ جائِحةِ كُورونَا – عبد الله كوعلي

يعيش العالم بأسره في الأشهر الأخيرة على وقع صدمة كبيرة، وفزع شديد، وخوف عز نظيره، ورُعب قل مثيله، إثر التفشي الواسع لفيروس كورونا “كوفيد19” الذي انطلق من “ووهان” بجمهورية الصين، ليتمدد بعد ذلك في أغلب أرجاء الأرض،وتجاوز عدد المصابين به في العالم إلى حدود أواخر شهر ماي 2020عتبة الخمسة ملايين ونصف المليون من البشر، فيما أودى بحياة مئات الآلاف منهم، ومازال الفيروس المِجهري يواصل الانتشار في أصقاع الأرض وبقاع الدنيا، والفتكَ بحياة بني آدم، شيبهم وشبابهم، ولم تَبدُ -إلى حدود هذه اللحظات- مؤشراتٌ قوية تبشر بقرب انتهائه أو تقهقره. لقد تأثرت حياة الناس بكيفية لمْ يَكن أحدٌ يتصورها قبل هذه الجائحة؛ من ذلك إغلاق الدول حدودَها البرية والجوية والبحرية في وجه الأشخاص، وإغلاق المساجد ودور العبادة، وإخلاء الفضاءات العامة والشوارع، وتوقيف كافة الأنشطة العلمية والدينية والثقافية، وبدأت الاقتصادات الوطنية والاقتصاد الدولي في الانكماش. إنها أجواء استثنائية، لم يشهد العالم مَثيلها ولو في زمن الحربين العالميتين، لقد داهم البشرية عدوٌّ لدود على حين غفلة، لكنه عدو غير مرئي. وفي هذه الظروف الحرجة، والأوضاع الصعبة، تتأكد حاجة الإنسان إلى أخيه، والجار إلى جاره، لإحياء قيم التضامن والتعاون، وتوحيد الجهود للقضاء على هذا الخطر الداهم، والوباء القاتل.

لا شك إذن أن البشرية تمر هذه الأيام في منعطف خطير، وأمام تحد كبير، إثر تفشي فيروس كورونا المستجد، مما سينعكس بكيفية واضحة -على الأرجح- على مستقبلها من حيث ترتيب الأولويات، ونسج التحالفات، وكذا تصور جديد للقيم الإنسانية وتمثلها. ومن تلك القيم التي وضعتها جائحة كورونا على المِحك، وأمام اختبار صعب، قيمة التضامن الإنساني، سواء بين الدول والأمم أو بين الأفراد داخل دولة واحدة.

فماذا تعنى قيمة التضامن، وما أهميتها للإنسان؟

وكيف اختبرت جائحة كورونا قيمة التضامن الإنساني، سواء على المستوى الدولي أو على المستوى الشعبي؟

ومن هذا المنطلق، وفي هذه الظرفية التي يعيشها العالم، بسبب تفشي وباء كورونا، نودُّ دراسة مدى صمود قيم التضامن والتعاون والتكافل في المجتمع الإنساني، إن على المستوى الدولي -أي التضامن بين دول العالم- أو على المستوى الشعبي داخل دولة واحدة، حيث سنتخذ المجتمع المغربي نموذجا في هذا للبحث. وذلك وفق ثلاثة محاور:

المحور الأول: مفهوم التضامن، وأهميته في المجتمع الإنساني.

جاء في لسان العرب: “ضَمِنَ الشيءَ وبه ضَمْناً وضَمَاناً: كَفَل به”[1] فالتضامن هو التكافل. والمقصود بقيمة التضامن ههنا التكافل بين مختلف فئات المجتمع الإنساني وأطيافه، والتعاون فيما بينها لتحقيق ما فيه الخير للجميع. وفي المعجم الوسيط: “(تضامنوا): التزم كل منهم أن يؤدي عن الآخر ما يقصر عن أدائه. (التَّضامُنُ): التزام القويّ أو الغنيّ معاونة الضعيف أو الفقير”[2].

إن التضامن والتعاون بين بني البشر أمر مطلوب للغاية، وضرورة ملحة أيما إلحاح، إذ لا تقوم حياة المرء إلا بتعاونه مع أبناء جنسه، ولا تستقيم معيشته إلا بتضافر جهده بجهود إخوانه. قال عبد الرحمن بن خلدون: “فالوَاحدُ من البشر لا تقاوِم قدرتُه قدرةَ واحدٍ من الحيواناتِ العُجْمِ سيَّما المفترِسة فهو عاجزٌ عن مُدَافعتِها وحدَه بالجملةِ، ولا تَفِي قدرتُه أيضا باستعمال الآلاتِ المُعَدَّة للمُدافعةِ لكثرتِها، وكثرةِ الصَّنائعِ والمواعين المُعدَّة لها، فلا بُد في ذلك كلِّهِ من التّعاونِ عليه بأبناء جِنْسِه، وما لمْ يكن هذا التَّعاوُن فلا يحصل له قوتٌ ولا غِذاءٌ، ولا تتمُّ حياتُه لما ركّبه الله تَعالى عليه من الحاجةِ إلى الغِذاء في حياتِه، ولا يحصُل له أيضا دفاعٌ عن نفسه لفُقدانِ السِّلاح، فيكون فريسةً للحيوانات، ويعاجِلُه الهَلاكُ عن مَدى حياتِه ويبْطل نوعُ البَشَرِ”[3]

إن التعاون بين الناس لا بد منه لاسمرار نسلهم، ولتيسير معيشتهم. ولا يمنع من ذلك اختلاف أديانهم أو ثقافاتهم، فالأصل الموحد يجمعهم، وكوكب الأرض الذي يعيشون فيه يأويهم جميعا، فليس أمامهم إذن إلا أن ينفتح بعضهم على بعض، ويتبادلوا العون والمنفعة فيما بينهم، قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”[4].

المحور الثاني: التضامن الدولي، مرجعيته، ومدى صموده أمام جائحة كورونا.

أولا: المرجعية التي يستند إليها التضامن الدولي.

 لقد مرّت البشرية خلال تواجدها على الأرض عبر أوضاع كثيرة، وتجارب مختلفة، تشمل حالات الرخاء والشدة، والسلام والحروب، والعافية والأمراض، والخصب والمجاعات… وهذه التجارب المتراكمة في تاريخ الإنسانية ألهمت الإنسان ضرورة أن يأخذ بيد أخيه الإنسان، ويستند بعضهم إلى بعض، خاصة في الظروف العسيرة، لمواجهة الأخطار المهدِّدة لوجود الجنس البشري، فيرتقي التضامن الإنساني والتعاون البشري، من مستوى مجتمع الأفراد وهو المستوى الأدنى،إلى أن يبلغ مستوى المجتمع الدولي وهو المستوى الأعلى، فهذه مرجعية إنسانية.

إن هذه المرجعية الإنسانية للتضامن بين الدول، والتعاون بين الأمم تم تأطيرها بالمواثيق الدولية، لتكتسي صبغة شبه إلزامية؛فقد أشار ميثاق الأمم المتحدة في المادة الأولى منه إلى أهم أهداف ومقاصد هذه الهيئة الدولية، ومنها: “تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية”، كما أكدت ذلك المادة 55 من نفس الميثاق حيث جاء فيها: “تعمل الأمم المتحد على: تيسير الحلول للمشاكل الدولية الاقتصادية والاجتماعية والصحية وما يتصل بها، وتعزيز التعاون الدولي في أمور الثقافة والتعليم.”. غير أن قيمة التضامن الدولي ذات المرجعية الإنسانية والقانونية معا، ستمر باختبارات كبرى التي ستكشف مدى قدرتها على الصمود في وجه التحديات؛ وأكبر تحد لهذه القيمة اليوم، هي جائحة تفشي فيروس كوفيد19. فهل ستنحو الدول الكبرى والمنظمات الأممية منحى التضامن والتعاون لمواجهة هذا التحدي، أم ستعلو قيم الأنانية والفردانية؟

ثانيا: مدى صمود قيمة التضامن الدولي أمام جائحة كورونا.

ظهر فيروس كورونا المستجد أول الأمر بولاية “ووهان” وسط جمهورية الصين الشعبية، والتي تضم زهاء 11 مليون نسمة، وذلك أواخر سنة 2019م، واستمرت العدوى في الانتشار في تلك المنطقة بشكل كبير، حسب التقارير الإعلامية الوارد هناك، لتتصدى السلطات الصينية للفيروس وحدها مستعينة بإمكانياتها، في غياب للدعم الدولي من أجل القضاء على الوباء قبل سطوته وتمكنه. أما منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة فلم تعلن للعالم أن وباء كورونا جائحة عالمية إلا في الثلث الثاني من شهر مارس 2020م، حين تفشى الفيروس في مختلف دول العالم. وكانت إيران ثم إيطاليا من أكبر ضحايا هذا الفيروس في بداية الأمر بعد الصين، لتلتحق فيما بعد دول أخرى كثيرة.

إننا إذا تأملنا سيرورة هذه الأحداث، وكيفية تعاطي الدول العظمى والمنظمات الأممية معا يتضح لنا بجلاء أن ما يصطلح عليه بالتضامن الأممي والتعاون الدولي لم يقو على الصمود أمام هذه الجائحة، ولم يبد لنا ما يمكن أن يجعلنا مطمئنين إزاء قيمة التضامن بين الأمم والتعاون فيما بينها لصد الأخطار المحدقة بالإنسانية، بل ظهرت لنا مشاهد الأثرة والفردانية التي تتبناها الأنظمة الرأسمالية المسيطرة على الاقتصاد العالمي والقرار الدولي.

ومن المظاهر التي تبين فشل المجتمع الدولي في إظهار قيمة التضامن ما يلي:

المظهر الأول: بعد ظهور الفيروس في جمهورية الصين، وبدئه في الانتشار، وحصد الأرواح، لم تتخذ منظمة الصحة العالمية وكذا الدول الكبرى موقفا إنسانيا مبكِّرا بدعم الصين لتطويق الوباء قبل أن يصير جائحة عالمية، لكن في المقابل تدّعى الدول الغربية أنها لم تتلق دعوة من الصين، التي لم تخبر العالم بخطورة الفيروس في بداية ظهوره. وسواء نبَّهت الصين العالم فلم يستجب، أم تكتمت عن الوضع حتى خرج عن السيطرة، فكلتا الحالتين تعكسان أنانية الدول الكبرى-بما فيها الصين أيضا- وعدم استعدادها الحقيقي للتضحية والتضامن من أجل مصلحة الإنسان والعالم.

المظهر الثاني:بعد انتشار الوباء في منطقة (وُوهان) الصينية بدأ انتقاله إلى مناطق مختلفة من العالم، حيث تأثر به بشكل أكبر في بداية الأمر بعد الصين كل من إيران وإيطاليا. والشيء اللافت هنا، أنه رغم تفشي الوباء بشكل كبير جدا في إيران مثلا، وموت الآلاف من المصابين به، رفضت الولايات المتحدة الأمريكية رفع العقوبات الاقتصادية التي كبّلت اقتصاد هذا البلد، ولو لظروف إنسانية. فالاختلاف والصراعات في اللحظات العادية أمر وارد ومستساغ، لتعارض المصالح السياسية والاقتصادية والاستراتيجية للدول، لكن في لحظة الأزمات والجوائح يقتضي الأمر تحييد الخلافات ولو مؤقتا، وتقديم المعونة والمساعدة للطرف المنكوب مهما كانت حدة الخلافات. أما بالنسبة لإيطاليا فرغم كونها دولة عضوا في الإتحاد الأوربي إلا أنها تشكو من تخلي هذا التكتل الإقليمي عنها في لحظة العسر، وتركها تواجه مصيرها لوحدها، وكل دولة من دوله مهتمة بشؤونها الخاصة وبحماية اقتصادها دون التفات إلى الجار المكلوم.

المظهر الثالث: بعد إعلان منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا المستجد يُعد وباء عالميا، إثر انتشاره في أغلب دول العالم شرقا وغربا، وألقى حتفه بسببه عشرات الآلف من البشر، بدأت الصراعات السياسية، وتبادل الاتهامات بين دول الغرب من جهة والصين من جهة أخرى حول ملابسات ظهور الفيروس وظروف انتشاره في العالم، لينتهي الأمر إلى وقف الولايات المتحدة دعمها المالي لمنظمة الصحة العالمية، المتهمة بالتقصير في التصدي للوباء. في حين أن المطلوب في هذه الظروف هو توحيد الجهود وتعاون جميع الدول الشرقية والغربية والمنظمات الصحية والإنسانية للحد من الكارثة وتطويق الوباء. لكن هذا لم يحصل، ففشل العالم في إبراز تضامنه المنشود وتعاونه المرغوب.

إن جائحة كورونا أظهرت لنا أن التضامن الدولي هشٌّ إلى أبعد حد، حيث لم يقو على الصمود في اللحظة الحرجة، فقامت مكانه الفردانية والأنانية. والحقيقة أن هذه الهشاشة ليست وليدة اليوم، بل هي واضحة للخبراء منذ أمد بعيد؛ فقَبْل ما  يزيد عن عقدين من الزمن أشار الخبير المغربي الدكتور المهدي المنجرة إلى هذا الأمر ونبه إليه حيث قال رحمه الله: “تخترق التعاون الدولي أزمة حقيقية، تعود إلى الانطلاق الذي سار عليه بعد الحرب العالمية الثانية، وإلى ما اكتسبه خلال العقود الأخيرة منذ تأسيس هيئة الأمم المتحدة سنة 1945، التي تعرف تفككا يوما بعد يوم.

ولعل هذا التراجع يعود بوجه خاص إلى النصف الثاني من السبعينيات، حيث تتضافر عدة أسباب مختلفة ومن بينها: […] غياب المقاصد التي هيمنت عند نهاية الحرب، وعلى الأنساق القيمية التي تدعم ذلك، التي هي عاجزة عن تحديد غايات متوافقة مع تحديات زمننا وعن التحرر عن التمركز البدائي عن الذات.”[5]

المحور الثالث: قيمة التضامن في المجتمع المغربي، جذورها، ومدى ثباتها أثناء جائحة كورونا.

أولا: قيمة التضامن في تاريخ المجتمع المغربي.

بعودتنا إلى التاريخ المغربي القديم والحديث، نجد أن له إسهاما مشرفا، وذكرا محمودا في ميدان التضامن والتلاحم، في لحظات الشدة والرخاء معا. وترجع جذور هذه القيم في المتأصلة في المغاربة إلى مصدرين، وهما الثقافة الأمازيغية والشريعة الإسلامية.

إن الثقافة الأمازيغية الأصيلة في المغرب، والتي تعد مكونا من المكونات الكبرى للهوية المغربية، تزخر بموروث شفهي وسلوكي هائل يثبت أصالة قيمة التضامن والتعاون في المجتمع المغربي، ويمكن أن نمثل في هذا السياق بعادة “التّْوِيزَة” المنتشرة في مختلف بقاع المغرب وتعني: “مساعدة جماعية تطوعية […] تقدم عن طواعية وبدون أي إكراه من طرف أهل الدوار أو القبيلة لفرد أو عائلة لا تستطيع بمفرد طاقتها أن تقوم بذلك العمل، وهي لا تلزم المستفيد أداء أي أجر أو مقابل. والتعبئة الجماعية قصد إنجاز بعض الأشغال ظاهرة عرفتها كثير من المجتمعات، إلا أنه في شمال أفريقيا على العموم والمغرب على الخصوص يتميز بكونه نوعا من أنواع التعاضد الاجتماعي، يطلق عليه “التويزة”.[6]

وقد دعّم الإسلام هذه الخصال، وثبّت هذه القيم  بآي الذكر الحكيم وأحاديث النبي الكريم، كقوله صلى الله عليه وسلم: “تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى.”[7] ولقد مرَّ المغرب على مرِّ التاريخ بجوائح وشدائد شتى، أكسبته أسلوبا في التعامل مع مثل تلك الظروف، وكان سلوك التضامن يطبع كل تلك المحطات رغم قساوتها، وقد ذكر الدكتور محمد أمين البزاز بعض مظاهر التضامن لدى المغاربة، في زمن الجوائح بقوله: “إن الذين يدخرون هم بالطبع الأغنياء، أما الفقراء فلم يكن لهم شيء يدّخرونه، إلا أن هؤلاء كانوا يستفيدون من أعمال البر والإحسان التي احتلت مكانا واسعا في المجتمع المغربي[…] فلم تكن أية مدينة من المدن المغربية تخلو من عائلات خصّصت قسطا من أملاكها للإسعاف الاجتماعي، وهي الأوقاف المعينة للخبز، مثلا، والذي كان يوزّع أسبوعيا ويوميا حسب أهمية الأرياع، ومن الوثائق والرسوم العدلية بتطوان الراجعة إلى القرن18 […] تطالعنا وصية امرأة تُدعى عوالي بنت سيدي قاسم ابريل الأندلسي التطواني التي أوصت بثلث متخلفها ليشترى بمدخوله خبز يوزع على الفقراء والمساكين”[8]

ثانيا: مدى صمود قيمة التضامن في المجتمع المغربي أثناء جائحة كورونا.

منذ ظهور أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا بالمغرب مطلع مارس 2020 بدأت الدولة ومعها المجتمع المدني باتخاذ إجراءات وقائية على كافة الصُّعد، لتجنيب البلاد لكارثة كبرى لا قدر الله. ويمكن رصد قيمة التضامن لدى المغاربة أثناء جائحة كورونا على مستويين، الرسمي والمدني.

1- المستوى الرسمي: حيث عملت الدولة بكافة أجهزتها ومؤسساتها على التعبئة والتأهب لمواجهة الجائحة،والتخفيف من تداعيات الأزمة على الوطن بقدر الإمكان، وكانت من أولى المبادرات إعطاء جلالة الملك محمد السادس نصره الله تعليماته السامية بإنشاء صندوق خاص لتدبير ومواجهة فيروس كورونا، وكان جلالته أول من ساهم فيه ماديا، كما تلقت هذه المؤسسة الوطنية التضامنية مساهمات من مختلف الفئات الاجتماعية،ومن أشخاص اعتباريين وذاتيين، رجال أعمال وموظفين وغيرهم. وتُخصص مداخيل هذه المؤسسة، التي تجاوزت ثلاثين مليار درهم لتأهيل القطاع الصحي، ودعم الفئات الاجتماعية المتضررة من الجائحة.

2-  المستوى المدني: لا يخفى على الجميع إن جائحة كورونا أثرت سلبا على كافة القطاعات الاقتصادية، وتضررت منها فئات اجتماعية كثيرة، خاصة فئة العمال والأسر ذات الدخل المحدود. الأمر الذي يستدعي من المغاربة قاطبة إحياء قيم التضامن والتكافل للتخفيف من معاناة المتضررين، فيكونون بذلك خير خلف لخير سلف. فقد تبرع الكثير من المواطنين بأقساط من أموالهم لشراء حاجيات الأسر المعوزة، وكذلك أيضا فعلت جمعيات المجتمع المدني. كما أرشد فقهاء مغاربة أبرزهم الدكتور مصطفى بنحمزة إلى جواز تقديم دفع زكاة عامين، لسد حاجيات الفقراء في هذا الظرف الصعب.

خاتمــــة:

في ختام هذه المقالة، يمكن الخرج بخلاصات واستنتاجات أذكر ثلاثة منها:

1- ضرورة النظر في القيم التي تحكم النظام العالمي، ذات البعد الرأسمالي المحض، والمبنية على المصالح الخاصة، دون التفات إلى المصلحة العامة المشتركة لكافة الناس.

2- إن العولمة لئن نجحت في إشاعة نمط معين من الثقافة، فإنها فشلت في نشر القيم النبيلة والأخوة الإنسانية في العالم.

3- التضامن والتكافل من القيم المتجذرة في المجتمع المغربي، ويظهر أثرها بوضوح في الظروف الحرجة، وينبغي تثمينها وتعزيزها بكافة الوسائل.

———————

الهوامش:

[1] بن منظور جمال الدين، لسان العرب، دار صادر بيروت، ج13، ص257.

[2] المعجم الوسيط، الطبعة الرابعة2004، مكتبة الشروقبمصر، ص:544.

[3] ابن خلدون عبد الرحمن، المقدمة، تحقيق محمد الدريوش عبد الله، دار يعرب دمشق، الطبعة الأولى2004، الجزء1 ص:138.

[4] الحجرات:13.

[5] المنجرة المهدي، الحرب الحضارية الأولى، مكتبة الشروق بمصر، الطبعة السابعة، ص:237.

[6] معلمة المغرب، من انتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا سنة 1989، ج8، ص2652.

[7] البخاري محمد أبوعبد الله، الجامع الصحيح، دار ابن كثير دمشق-بيروت، الطبعة الأولى2002، حديث رقم:6011.

[8] البزاز محمد الأمين، تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ط1992، ص.354

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى