من الشمائل والصفات المحمدية: التواضع

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تواضعا؛ لأنه كان يتشرف دائما أن يكون عبدا لله، قال صلى الله عليه وسلم -: (لا تُطروني كما أطرت النصارى ابنَ مريم؛ فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله).

وحين يكون المؤمن في مقام العبودية لله، فلا كبرياء ولا تجبر ولا عُجب أو استعلاء إلا بالإيمان وعبادة الرحمن؛ وإنما هو التواضع وإنكار الذات، والرغبة في نيل الأَجر ورضا الله، والمواقف الدالة على تواضعه – صلى الله عليه وسلم – كثيرة؛ منها:

كان مع المسلمين في غزوة بدر سبعون بعيرا يتعاقبون على ركوبها، وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبو لبابة وعلي بن أبي طالب – رضي الله عنهما – يتعاقبون على بعير واحد، فأراد أبو لبابة وعليٌّ أن يؤثِرا الرسول بالركوب، فقالا: نحن نمشي عنك، فقال: (ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما).

ويا لروعة هذا الموقف حين يتواضَع القائد ويرفض أن يمنح وضعا متميزا مستحقا، فيستوي القائد والجند في تحمل الشدائد، وقد تملَّكهم جميعا الصدق والإخلاص في التطلع إلى رضوان الله وثوابه! وكيف لا يحتمل الجند المشاق وقائدهم يسابقهم في ذلك، ولا يرضى أن يكون دونهم في مواجهتها، وهو – صلى الله عليه وسلم – شيخ في الخامسة والخمسين من عمره؟!

إنه درس لجميع أفراد الجيش؛ بل لجميع أفراد الأمة من معلمها الأول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في كيفية التواضع في مقام العبودية لله، والإخلاص في طلب الثواب والأجر من الله، وفي إنكار الذات، والرغبة عن العلو في الأرض والاستكبار فيها؛ قال – عز وجل -: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾.

ومن المهمِّ هنا الإشارة إلى رحمة المسلمين بالحيوان وعدم تحميله فوق طاقته، فالجند يتعاقَبون على البعير فيركب واحد ويمشي الباقون، ولا يشقون على البعير، وهذا يدل على مراعاة الحيوان والرأفة والرحمة به، وهذا خلق كريم.

ومن مظاهر التواضع أيضا: نزول النبي – صلى الله عليه وسلم – على رأي أصحابه، وأخذه بالشورى، وكان لهذا بركة كبيرة في الوصول إلى أفضل الآراء، فقد كان من عادة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يستشير أصحابه قبل الشروع في أي أمر مهم؛ تنفيذًا لأوامر الله – عز وجل – له بمشاورتهم، وإقرارا لمبدأ الشورى، رغم أنه – صلى الله عليه وسلم – كان أكمل الناس عقلا، وأحسنهم رأيا، إلا أنه لم ينفرد باتخاذ القرار.

قال الله تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾.

ومن مظاهر تواضع الرسول – صلى الله عليه وسلم – أيضا: أنه اشترك بنفسه في حفر الخندق في غزوة الأحزاب؛ قال البراء بن عازب: “رأيتُ النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم الخندق وهو ينقل التراب حتى وارى التراب شَعر صدره وكان رجلاً كثير الشعر”.

ومن مظاهر تواضع الرسول – صلى الله عليه وسلم – أنه في انتصاره العظيم يوم فتح مكة دخل مكة منتصرًا فاتحا، ورغم ذلك لم يتكبر أو يتعاظم، بل دخل متواضعا.

فقد روى عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لما دخَل مكة كان يضع رأسه تواضعًا لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتى إن عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل.

إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم يغره النصر على عظَمه، ولم يصبه ذاك الفتح المبين بكبر – وحاشاه من ذلك – فلم يدخل مكة دخول الفاتحين المتغطرسين، بل كان خاشعا لله شاكرا لأنعمه، حتى إنه كان يضع رأسه ويطأطئها تواضعا لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتى إن شعر لحيته ليكاد يمس واسطة الرحل، وكان يقرأ وهو على راحلته سورة الفتح يرجع في قراءتها؛ بل إنه لما طاف بالكعبة استلم الركن بمِحجنه كراهة أن يُزاحِم الطائفين.

ولم ينزل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في بيته في مكة بل ضرب له قبة في الحجون، ولم يكره أحدا على الخروج من بيته أو ترك مكانه.

الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى