من الشمائل والصفات المحمدية: احترام الآخر

أخبر الله تعالى في كتابه أنه خلق كل الناس من ذكر وأنثى، ثم تفرقوا لشعوب وقبائل وبطون وأفخاذ ليتعرف كل منهم على الآخر؛ ليصلوا الأرحام ؛ فقد قال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”

فالتعارف هو أول طريق للتعامل الإنساني الإيجابي والبناء؛ وبالتعرف على الآخر من حيث شخصيته وطباعه وميوله وما يحب وما يكره يتم التواصل الفعال والمثمر؛ وفي الإسلام تنبني العلاقات على احترام الآخرين، وإنزالهم منازلهم ما لم يوقعوا أنفسهم في مواطن الذلة، ويكتبوا على أنفسهم بأفعالهم الخزي والعار.

والاحترام المتبادل هو سمة العلاقة بين الكبير والصغير، والغني والفقير، والقائد والرعية، وحتى مع الخصوم والأعداء لا تخلو العلاقة من احترام.

ومن المواقف التي تدعم هذا الخُلُق، وتوضح هذا المعنى: مشاورة النبي – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه قبل الغزوة، وهو أكمل الناس رأيا، وأتمهم عقلا وحكمة، “فكثيرا ما كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – يَستشير أصحابه فيما لا وحيَ فيه مِن الكِتاب والسنَّة؛ تعويدًا لهم على التفكير بالمشاكل العامَّة، وحرصًا على تربيتهم على الشعور بالمسؤولية، ورغبةً في تطبيق الأمر الإلهيِّ بالشورى، وتعويد الأمة على ممارستها”.

فحين نزل النبي – صلى الله عليه وسلم – ببدرٍ قال الحباب بن المُنذِر: يا رسول الله، أهذا رأي رأيتَه أم وحي؟ فقال – صلى الله عليه وسلم -: (بل رأيٌ رأيتُه)، قال: فإنِّي أرى أن تَنزل على ماءٍ ونَجعله خلف ظهرِك وتغور المياه كلها، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (قد أشرتَ بالرأي)، ونفَّذ ما أشار به الحُباب.

وقد دلَّل النبي بهذا على تأصل روح الشورى في نفسه الشريفة فيما لم ينزل فيه وحي، وأنه على جلالة قدره، ووفور عقله، وبعد نظره لا يستبد برأيه، ولا يأنف من الرجوع إلى الحق”.

إقرأ أيضا: من الشمائل والصفات المحمدية : العفو والرحمة

وإن المتأمل في أسلوب طرح الحباب لرأيه وطريقته في إبداء المشورة، ثم في نزول النبي – صلى الله عليه وسلم – على رأيه وثنائه عليه – ليلحظُ بسهولة ما تتميز به العلاقة بين النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه من معاني الاحترام والتقدير المتبادَل.

وفي غزوة الأحزاب نزل النبي – صلى الله عليه وسلم – على رأي الصحابي الجليل سلمان الفارسي بحفر خندق في الجهة الشمالية من المدينة، وقد كان الاقتراح موفقا لأبعد حد، وكان سببا مباشرا في رد اعتداء الأحزاب على المدينة؛ حيث كان دخولهم إلى المدينة سيؤدي إلى إراقة الكثير من الدماء.

ومما يدل على احترام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – للنفس البشرية، وتعليمه ذلك لأصحابه: ما رواه قيس بن سعد وسهل بن حُنَيف أنهما كانا بالقادسية فمرت بهما جنازة فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الذمة، فقالا: إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مرَّت به جنازة فقام، فقيل: إنه يهودي، فقال: (أليست نفسًا؟!).

ومن ذلك أيضا أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمر بعد غزوة أُحد بقتلى المشركين فنُقلوا من مصارعهم التي كانوا بها إلى قليب بدر ليُدفَنوا فيها، وقد كانت هذه هي سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مع القتلى.

فقد روى عمر بن يعلى بن مرة عن أبيه قال: “سافرتُ مع النبي – صلى الله عليه وسلم – غير مرة، فما رأيته مرَّ بجيفة إنسان إلا أمر بدفنه، لا يَسأل: أمسلم هو أم كافر؟”.

الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى