ليلة النصف من شعبان فضيلة إحياء ليلها وصوم نهارها في الميزان الشرعي
روى ابن ماجه في سننه: عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كانت لَيْلَةُ النِّصْفِ من شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا فإن اللَّهَ يَنْزِلُ فيها لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إلى سَمَاءِ الدُّنْيَا فيقول: ألا من مُسْتَغْفِرٍ لي فَأَغْفِرَ له، ألا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ، ألا مبتلى فَأُعَافِيَهُ، ألا كَذَا ألا كَذَا حتى يَطْلُعَ الْفَجْرُ». وينبغي الإشارة أنّ من صام هذا اليوم بنية صوم يوم من شعبان، أو الأيام البيض أو وافق يوم الاثنين أو الخميس فلا شيَء عليه، بل أصاب السنة كما هو معلومٌ عند أهل الشأن؛ فالنية هي الحدّ الفاصل في صيام هذا اليوم، وصدق الصادق المصدوق بقوله: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» ومن الأحاديث الواردة في فضل ليلة النصف من شعبان:
1ـ ما رواه البزار: عن أبي بكر يعني الصديق قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا كانت ليلة النصف من شعبان ينزل الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا فيغفر لعباده إلا ما كان من مشرك أو مشاحن لأخيه».
2ـ عن أبي ثعلبة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يطلع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر للمؤمنين ويمهل الكافرين ويدع أهل الحقد لحقدهم حتى يدعوه»
3 – وروى ابن ماجه في سننه: عن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ في لَيْلَةِ النِّصْفِ من شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خلقه إلا لِمُشْرِكٍ أو مُشَاحِنٍ”.
4 ـ وروى الترمذي: عن عَائِشَةَ قالت: ”فَقَدْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً فَخَرَجْتُ فإذا هو بِالْبَقِيعِ فقال: أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ الله عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ، قلت: يا رَسُولَ اللَّهِ إني ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ، فقال: إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ من شَعْبَانَ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لِأَكْثَرَ من عَدَدِ شَعْرِ غَنَمِ كَلْبٍ”، وفي رواية البيهقيّ: ” أن عائشة قالت: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الليل يصلي فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قـٌبض فلما رأيتُ ذلك قمت حتى حركت إبهامه فتحرك فرجعت، فلما رفع إلي رأسه من السجود وفرغ من صلاته قال: يا عائشة أو يا حميراء: أظننت أن النبيَّ قد خاس بك؟ قلت: لا والله يا رسول الله، ولكنني ظننتُ أنك قبضت لطول سجودك فقال: أتدرين أي ليلة هذه؟ قلت:ا لله ورسوله أعلم، قال هذه ليلة النصف من شعبان، إن الله عز وجل يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين، ويؤخر أهل الحقد كما هم”، وزاد في موضع: فقال: هذه الليلة ليلة النصف من شعبان، ولله فيها عتقاء من النار بعدد شعور غنم كلب، لا ينظر الله فيها إلى مشرك ولا إلى مشاحن ولا إلى قاطع رحم ولا إلى مُسبل ولا إلى عاقّ لوالديه ولا إلى مُدْمِن خمر، قال: ثم وضع عنه ثوبيه فقال لي: يا عائشة تأذنين لي في قيام هذه الليلة؟ فقلت: نعم بأبي وأمي، فقام فسجد ليلا طويلا حتى ظننت أنه قبض، فقمت التمسته ووضعت يدي على باطن قدميه فتحرك ففرحت وسمعته يقول في سجوده: أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك جَلَّ وجهُك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك، فلما أصبح ذكرتهن له فقال يا عائشة: تعلمتِهنَّ؟ فقلت: نعم. فقال: تعلميهنَّ وعلميهنَّ؛ فإن جبريل عليه السلام علمنيهنَّ وأمرني أن أرددهن في السجود».
إقرأ أيضا: فضل الصيام في شهر شعبان |
6- وروى الإمام احمد: عن عبد الله بن عَمْرٍو أن رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «يَطَّلِعُ الله عز وجل إلى خلقة لَيْلَةَ النِّصْفِ من شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إلا لاِثْنَيْنِ: مُشَاحِنٍ وَقَاتِلِ نَفْس”.
ويتبين مما سبق أن الأحاديث في فضل ليلة النصف من شعبان ثابتة ويتبين أن الله لا يغفر في هذه الليلة:
1- لمشرك.
2- أو مشاحن لأخيه
3- أو َقَاتِلِ نَفْسٍ.
4- أو قاطع رحم.
5- أو مسبلٍ.
6- أو عاقٍّ لوالديه.
7- أو مدمنِ خمر
ويغفر للمؤمنين ويمهل الكافرين ويدع أهل الحقد لحقدهـم حتى يدعوه.
الآثار المروية عن الصحابة والتابعين والعلماء في فضل هذه الليلة:
قال ابن عباس رضي الله عنهم: (في النصف من شعبان): (إنَّ الرجلَ ليمشي في الأسواق، وإن اسمه لفي الموتى)
وقال عطاء بن يسار رحمه الله: (تنسخ في النصف من شعبان الآجال، حتى إنَّ الرجلَ ليخرجُ مسافراً وقد نسخ من الأحياء إلى الأمواتِ، ويتزوج وقد نسخ من الأحياء إلى الأموات)،
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهم: (خمس ليال لا يردُّ فيهن الدعاء ليلة الجمعة وأول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان وليلتيِ العيدين)
وقال الشافعي رحمه الله: (بلغنا أنه كان يقال: إن الدعاء يستجاب في ليلة الجمعة، وليلة الأضحى، وليلة الفطر، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان)
وبلغنا أن ابن عمر كان يحيي ليلةَ جمعٍ، وليلةُ جمع هي ليلة العيد لأن في صبحها النحر…ثم قال (أي الشافعيّ): وأنا أستحبُّ كل ما حكيت في هذه الليالي من غير أن يكون فرضا) قال النوويُّ رحمه الله: (واستحبَّ الشافعيُّ والأصحابُ الإحياء المذكور مع أنَّ الحديث ضعيف لما سبق في أول الكتاب أن أحاديث الفضائل يتسامح فيها ويعمل على وفق ضعيفها)،
قال ابن حجر الهيثمي رحمه الله: (وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِهَذِهِ اللَّيْلَةِ فَضْلًا وَأَنَّهُ يَقَعُ فيها مَغْفِرَةٌ مَخْصُوصَةٌ وَاسْتِجَابَةٌ مَخْصُوصَةٌ وَمِنْ ثَمَّ قال الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه إنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فيها وَإِنَّمَا النِّزَاعُ في الصَّلَاةِ الْمَخْصُوصَةِ لَيْلَتهَا وقد عَلِمْت أنها بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ مَذْمُومَةٌ يُمْنَعُ منها فَاعِلُهَا …) ق
ال ابن نُجيم الحنفيّ رحمه الله: (ومن المندوبات إحياءُ ليالي العشر من رمضان وليلتي العيدين وليالي عشر ذي الحجة وليلة النصف من شعبان كما وردت به الأحاديث وذكرها في الترغيب والترهيب مفصلة، والمراد بإحياء الليل قيامه وظاهره الاستيعاب ويجوز أن يراد غالبه، ويكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي في المساجد.
قال المباركفوريّ: اعلم أنه قد ورد في فضيلة ليلة النصف من شعبان عدة أحاديث مجموعها يدل على أن لها أصلاً… فهذه الأحاديث بمجموعها حجة على من زعم أنه لم يثبت في فضيلة ليلة النصف من شعبان شيء والله تعالى أعلم.
ذ. سعيد منقار بنيس