لياقة – خديجة رابعة

لا زلنا نعيش تحت وطأة انتشار فيروس كورونا مع كل تبعاته السلبية على الصحة الجسدية والنفسية: قلة حركة، زيادة في الوزن، تقلبات مزاجية، شعور بالملل والقلق والخوف.

لمواجهة هذه الآفات، تجمع الدراسات على أهمية الرياضة. فهي مهمة في حصول المرء على لياقة بدنية وامتلاكه جسما قويا قادرا على القيام بأعماله بكفاءة دون عناء ولا تعب.

فالرياضة تقوي المناعة وتنشط الخلايا وتجعلها في حالة تيقظ، تمنح الإنسان القدرة على الانضباط و التحكم بضغوطات الحياة، كما تهبه قسطا وفيرا من الاتزان الداخلي…

لذلك يوصي الأطباء في هذه الأجواء الاستثنائية بممارستها ولو لبضع دقائق يوميا في المنزل، فرديا أو بمشاركة أفراد الأسرة صغارا و كبارا، ذلك من شأنه أن يضفي جوا من الأنس والسعادة، وسيسهم بكل تأكيد في لياقة أخرى لا تقل أهمية عن اللياقة البدنية، إنها اللياقة النفسية.

واللياقة النفسية هي الحالة المزاجية التي تساعد على إدارة الأزمات بحكمة ومعالجتها برزانة.

في العصر الذي نعيشه كثرت المشاكل، وتعقدت الحياة، وتعددت الخلافات، فازدادت الحاجة إلى لياقة نفسية تؤهلنا لإدارتها بنجاح.

ولعل من أهم مؤشرات اللياقة النفسية : الوعي الذاتي. وهو الإدراك العميق للذات والمحيط: إدراك المرء سر سعادته، وسبب تعاسته، إدراكه لنقاط قوته وضعفه، تقييمه الموضوعي للفرص المتاحة أمامه ولمختلف التحديات.

ومما يسهم في تعزيز اللياقة النفسية:

جلسات التفكر والذكر تسبيحا واستغفارا، تهليلا وتحميدا، وقراءة بتدبر لما تيسر من كتاب الله، وورد من صلاة الليل، كل ذلك من شأنه تقوية النفس وتمنيعها ضد الخوف والقلق.

وقفات للنظر في المرآة لمراجعة الأخطاء وتصحيح المسار.

ممارسة الاهتمامات المفرحة: رسم، خرجة إلى شاطئ البحر…

البوح والإفصاح عن المنغصات لصديق مقرب من شأنه أن يخفف الحزن ويقلل من الغضب، كما يمكن للمرء أن يبوح عبر الكتابة، سيسهم ذلك في تخفيف حمله بالتأكيد.

تعويد النفس على التقاسم وتربيتها على العطاء المادي والمعنوي.

في ديننا الابتسامة صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وكل معروف صدقة، وكل إحجام عن الشر صدقة.

ولياقة ثالثة نحتاجها بشدة أيضا، إنها اللياقة الفكرية، هذه الأخيرة تكون باكتساب:

منهج تفكير علمي يناقش ويفحص، ينقد ويمحص الأفكار المطروحة.

منهج تفكير حساس تجاه المؤثرات النفسية التي تجعلنا نحيد في بعض المرات عن المنطق، ونصدق ما نرغب أن يكون صحيحا، ونميل لما يوافق مصالحنا الشخصية.

منهج يؤمن بالحوار مع المخالف، حوار لا يشترط فيه الوصول إلى رأي موحد بقدر ما يرنو إلى إضاءة كل طرف للطرف الآخر ما لا يراه، مما يؤدي إلى تضييق فجوة الخلاف.

ولا يمكن البتة للفكر أن يكون لائقا وإبداعيا إلا بإدمان القراءة، هذه الأخيرة تعد العامل الأساس في تشكيل مدارك الإنسان، و تنمية اتجاهاته الذهنية و تزويده بالخبرات الحياتية و تجديد وعيه. يقول د.مصطفى العقاد في مقاله ” لماذا هويت القراءة” : ” أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني، والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة واحدة في مدى عمر الإنسان الواحد، لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق وإن كانت لا تطيلها بمقادير الحساب.”

وختاما، إن التمرين الدائم لعضلاتنا الجسدية والنفسية والفكرية حري أن يرتقي بلياقتنا الذاتية، وأن يقوي مناعتنا وقدرتنا على إدارة حياتنا بنجاعة في هذا الزمن الصعب.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى