عيد الأضحى.. كيف تحولت شعيرة دينية من عبادة وتقرب لله إلى عادة للتباهي والاستغلال؟!

يعتبر عيد الأضحى مدرسة يحتفل فيها المسلمون في المغرب والعالم بعدد من القيم الإسلامية التي من مقاصدها التقرب إلى الله عز وجل بقربان الأضحية، وذكر اسم الله عليها لأنه هو من رزقنا إياها وسخرها وذللها لنا،  وتكبير الله عز وجل إشارة إلى عظمته سبحانه، واستفراده بالخلق والرزق والقدرة.

لكن هذه المقاصد تحولت من البعد التعبدي باعتبار ذبح الأضحية سنة مؤكدة للقادر عليها، إلى عادة يتسابق إليها حتى غير القادر عليها من أجل التباهي والتفاخر، حتى وصل ذلك إلى الأمر إلى طلب قروض ربوية، وتحولت هذه الشعيرة الربانية عند بعض الناس من عبادة مقصدها طاعة الله إلى عادة يصر عليها حتى مع عدم القدرة والوقوع في المعصية.

وأضبح شراء أضحية العيد مظهرا يحكم المجتمعات، إذ يبحث بعض الناس على أجود الأكباش وأغلاها من أجل إظهار المكانة المادية، وكل ذلك لا يليق بمناسبة دينية من هذا المستوى، والأصل فيه هو التعبد بدل العناد في شراء الأضحية، ومن هنا باتت النظرة المجتمعية هي الدافع لمسايرة التقليد، ولم يعد الأمر مرتبطا بسنة إبراهيم.

من الطابع التعبدي إلى الطابع الاجتماعي

ويفسر بوعزة الخراطي رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك  الماظهر السالفة الذكر، أنه مع مرور الزمن أصبح حضور بعض السنن – باعتبار عيد الأضحى هو سنة وليس بفرض – أكثر تطبيقا من الفرض، فأصبحنا نهتم أكثر بما هو سنة له علاقة بالمظاهر الخارجية.

ويذكر الخراطي، أن الإنسان كان سابقا يشتري الأضحية من السوق حسب قدرته الشرائية، وكان الناس الميسورين يوم العيد يتصدقون على المحتاجين وغير القادرين، وهذا هو المطلوب والمرغوب في الدين. لكن نجد اليوم أن من يقتني الأكباش الغالية السعر هم من يدخلون في دائرة الطبقة الهشة؛ أي أن هناك تباهي بين الجيران وبين العائلات، وأصبح العيد بدل أن يطبق كسنة أصبح حاليا من مظاهر الرقي في المجتمع المغربي، وهذا ما يجعل وجود تهافت على أضاحي العيد، لأن الناس هناك من يبيع ما يملكه وهناك من يقترض.

من جانبه، يرى الدكتور عبد السلام بلاجي رئيس الجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي أن الموضوع يشكل مصدر إزعاج له منذ مدة طويلة على الأقل عشرين عاما أو أكثر، ويقول ”  نرى هذه الشعيرة تحولت مع مرور الزمن من طابعها التعبدي إلى طابع اجتماعي صرف إلا في حالات قليلة نادرة هي التي حصلت على الجانب التعبدي، وبذلك بدأ التنافس في الأضاحي وبدأ التكلف رغم عدم القدرة وبدأ في السنوات الأخيرة شراء الأضاحي بقروض ربوية”.

وذهب بلاجي إلى أننا بهذا السلوك، نقيم عادة اجتماعية التي أصلها عبادة بمخالفة شرعية التي هي الربا وهو من الكبائر، علما أن الأضحية ليست واجبة أصلا بل هي سنة مؤكدة على القادر، والقادر ينبغي أن يهدي منها وأن يتصدق منها على غير القادرين، والإهداء يكون لعامة الناس سواء كانوا قادرين أو غير قادرين والتصدق منها يكون لغير القادرين فتكون وسيلة من وسائل التضامن والتكافل الاجتماعي.

مظاهر اجتماعية دخيلة

ويبرز خلال عيد الأضحى عدد من الممارسات الاجتماعية الدخيلة عن الطابع التعبدي لهذه الشعيرة، سواء من خلال انتشار الإشهار الداعي إلى الاقتراض الربوي، أو التسول أو الاشتراك في ثمن بقرة كل ذلك في سبيل تطبيق هذه الشعيرة الإسلامية.

وفي هذا الصدد، أكد بوعزة الخراطي أن الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، تدخلت قبل أربع سنوات لمطالبة الجهات العنية بأن لا يبقى الإشهار في قضية الاقتراض، لأنهم كانو يظهرون أضحية العيد بحجم كبير ويدعون إلى شراءها بفائدة، ومع ذلك مازالت هذه العملية مستمرة ومازال الناس يقترضون لشراء الأضحية، ويظهر الاقتراض أيضا من عند العائلة.

واستحضر الخراطي ا ما شاهده من قبل بعض المتسولين، الذين يضعون ورقة مكتوبة فيها العيد دون أن يتكلموا والذي يمر من الناس يريه هذه الورقة، بمعنى ساعدوني لشراء أضحية العيد، معتبرا هذه الطريقة الجديدة للتسول نصب واحتيال على المواطن.

أما فيما يخص الاشتراك في ثمن الأضحية، وفي هذه السنة التي تعرف ظروفا خاصة فلاحية واقتصادية صعبة من إجهاد مائي وجفاف، يستحضر عبد السلام بلاجي فتوى خاصة مع ارتفاع ثمن الأضحية لبعض من اقترح المشاركة في ثمن البقرة لكل سبعة، أن المذهب المالكي لايجيز ذلك ولا يجوز الاشتراك في ثمن الأضحية، لكنه يجوز الاشتراك في أجرها كأن يشتريها واحد مثلا ويشرك معه في الأجر من لم يستطع شراءها، ولكن لا يجوز بتاتا الاشتراك في ثمن الأضحية وتوزيعها فهذا مجرد استكثار للحم وذبيحة لاتباع الغرائز والخضوع للتقاليد الاجتماعية.

رواج وإنهاك

ومع توالي سنوات الجفاف، وندرة الماء وارتفاع أسعار السلع التي أدت في المقابل بارتفاع ثمن الأضحية، يتم استثمار محطة عيد الأضحى للرواج الاقتصادي، و استغلالها أيضا عبر المغالاة في ثمن والمضاربة وتدخل الوسطاء، مما يجعل القادر على شراء الأضحية مع تقلبات السوق غير قادر على شرائها.

ويعتبر الدكتور عبد السلام بلاجي أنه حينما تحولت شعائر عيد الأضحى إلى عادة، وصلت ذبائح في المغرب إلى حوالي خمسة ملايين ذبيحة، مما يعني استنزاف كبير للقطيع الوطني واستنزاف كبير للفلاحة وتكلف كبير، وهدر كبير للأموال مع غياب الجانب التعبدي أو تهميشه في معظم الحالات، خاصة في السنوات التي يكون فيها الجفاف والإنهاك للقطيع الوطني كما هو هذا العام.

و يرى الخراطي أن تأثير سوق الأضحية يروج الملايير، وهو نشاط إقتصادي مهم ويعطي شحنة اقتصادية مهمة للمدار القروي، ولكن مع توالي سنوات الجفاف التي أدت إلى التقليص من الثروات الحيوانية وقطيع الأغنام تراجع تقريبا بنسبة 25 بالمائة. 

ويضيف الخراطي في حديثه لموقع “الإصلاح”، “أكثر من ذلك هناك سياسة ممنهجة أو مبرمجة من طرف الكسابة وهو أنه طوال السنة ما يذبح في المجازر إلا الإناث، والذكر يتركونه للعيد وبالتالي أصبح العيد صناعة”. وهذا يقتضي من الحكومة حسب الخراطي، أن تتدخل ويكون قطاع يخضع للضرائب لأن هناك أناس لا علاقة لهم مع الفلاحة وليسوا بكسابة منهم من أعطيت لهم حق الاستغلال لاستيراد أغنام من الخارج، و غالبيتهم ليس لهم أي علاقة بمجال تربية وبيع الأغنام لديه فقط رأس المال للبيع والشراء.

ويرى رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أن قلة العرض في السوق أيضا جعلت وجود التهاب في الأسعار، جعلت الحكومة تعفي المستوردين من الرسوم الجمركية ومن الضرائب، وأكثر من هذا أعطتهم هدية وهي 500 درهم عن كل خروف مستورد، وطبعا المستثمر يجد العملية مربحة يبيع بالسعر الذي يعجبه ويناسبه. 

وتأسف الخراطي لأن الحكومة لم تستفد من التجربة السيئة خلال السنة الماضية، حيث أن الأضاحي لم يتم توزيعهم عبر التراب المغربي خصوصا وأن هناك بعض المناطق لم تصلهم الأضحية بكثرتها، والأضاحي في السوق كانت قليلة لأن الوسيط أو ما أسماه بـ”الشناق الجديد” يبيع القليل ويترك الأضحية إلى ما بعد العيد لبيعهم بأسعار كبيرة. 

وكشف المتحدث أن الجامعة المغربية لحقوق المستهلك طالبت أمام وزارة الفلاحة من أجل الرفع من شروط دفتر التحملات من خلال إلزامية بيع الأضحية في فترة العيد وما بعد العيد، أي أن أي أضحية مذبوحة في المجازر أو الأعراس صاحبها، يجب أن يرد للدولة الدعم وحتى قيمة الإعفاء من الجمارك والضريبة، والعملية طبعا لن تكون صعبة لكن يجب أن تبدأ حتى لا يكون هناك هدر للمال العام الذي لا يستفيد منه المستهلك خصوصا وأن هذا الدعم لصالح المستهلك.

لكن للأسف الأسعار باقية في مستواها، وكأنه ليس هناك دعم وليس هناك إعفاء ضريبي، لأن هناك “شناقة” بين “شناقة” كبار من الذين يستوردون الأغنام من الخارج ويوزعونها على “شناقة” الصغار وبدورهم يوزعونها على “شناقة” أصغر منهم، وبمجرد تدخل “الشناق” ترتفع أسعار الفائدة .

حلول ومقترحات

يقترح بوعزة الخراطي إعادة النظر في سيكولوجية المستهلك المغربي، الذي يجب أن توجه إليه حملات تحسيسية فيما يتعلق بالعيد، في المساجد والمدارس والمنابر الإعلامية حتى يعرف المواطن أن ما يقوم به تجاه الأضحية خارج الصواب.

ويؤكد الفاعل في مجال حماية المستهلك، أن العيد هذه السنة يجب أن يقوم به من استطاع كالحج الذي يقوم به من لديه المال وليس من ليس لديه المال، وبالطبع هي ليست فريضة كالحج.

في المقابل ينصح بلاجي المحسنين الذين عن حسن نية يكرسون الاتجاه الخاطئ للأضحية عبر التبرع بمجموعة من الأكباش لتمكين الناس للقيام بالذبح في العيد، وذلك بإعطاء الناس قسطا من المال وتوعيتهم أن ذبح الكبش ليس واجبا عليهم، وأن تدخل العادات والأولاد والجيران  غيب الجانب التعبدي التنسكي الذي هو تقديم هذه الشعيرة لوجه الله عز وجل، والتصدق بجزء منها والإهداء منها وتحقيق معنى التضامن والتضحية والتقرب إلى الله عز وجل.

كما دعا بلاجي رئيس رابطة المغرب العربي للاقتصاد الإسلامي في هذا الصدد الجميع من وسائل إعلام وعلماء ومرشدين ومربين إلى توعية الناس بحقيقة هذه الأضحية، وهذا النسك وأن تقتصر الأضحية على القادرين الذين لهم القدرة على شراء الأضحية، أولا يحقق عدم إنهاك القطيع وثانيا نحقق معنى التعبد وثالثا نحقق معنى التضامن والتكافل بين القادر وغير القادر وهذا يكون فيه عدل للجميع.

موقع الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى