دور الجانب الإيماني في مواجهة الزمن الصعب لجائحة “كورونا” – الحبيب عكي

كثيرة هي الظلال الكالحة لجائحة “كورونا” على حياتنا الصحية والاجتماعية ..السياسية والاقتصادية..، وقد ذهب الناس اتجاهها كما ذهبت الشعوب والدول مذاهب شتى، بين مستقر ولو نسبيا ومضطرب إلى مضطرب بشكل اختلطت لديه كل الحسابات وتشابكت لديه كل الترتيبات، فلا الصحة التي يحرص على حمايتها بقيت لها مناعتها وسلامتها كما هو المأمول، ولا الحياة الاقتصادية التي يتجنب إفلاسها وانهيارها صمدت أو قاومت كما ينبغي، على الأقل لدى أصناف كثيرة من الشركات الكبرى أو حتى المقاولات الصغرى التي تعقدت أوضاعها، وكذلك الأمر لدى فئات عريضة من الشرائح الاجتماعية التي تدهورت أحوالها رغم بعض الإسعافات العسيرة والمساعدات الضئيلة والمتقطعة والتي كانت أقل بكثير من حاجياتها.

ليس الأمر سهلا، وليس هناك وصفة سحرية لعلاج بؤس الوضع وإيقاف ترديه، ولكن رأيت القوم يستدعون بالأساس كل الحلول المادية والبشرية والأرضية الصرفة، بعيدا عن حلول السماء والإيمان والربانية الصادقة أو على الأصح ليس بالقدر اللازم والكافي كما تستلزمه الأمور، مما جعل الناس في حالة نفسية هشة عرضة لفيروس الخواء الروحي الفتاك قبل أن يجهز أو لا يجهز عليهم فيروس “كورونا” وهم في أضعف مناعة جسدية وروحية. ترى ما هو دور الجانب الإيماني في تقوية المناعة البشرية وإعدادها المتين لمواجهة التحديات والابتلاءات وقد طال امتدادها وتوسعت رقعتها؟ كيف يمكن للجانب الإيماني الصحيح أن يحمي المرضى المحتملين ويساعد على شفاء الضحايا المبتلين. ما هي الحقن والأمصال والدواء الشافي لمن في البلاء يسأل عن البروتوكول الكافي؟

1- لابد من الإيمان بأن الكوارث والجوائح بلاء من الله تعالى وجند من جنوده التي لا يعلمها إلا هو، يسلطها على من يشاء من عباده لحكمة يعلمها، عذابا أو رحمة أو غير ذلك، لا يفيد معها إلا الصبر والمقاومة ومدافعة الأقدار بالأقدار، قال تعالى:”وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ” البقرة / 155.

2- الإيمان بأن رفع البلاء كما يكون بالأسباب المادية يكون بالأسباب الغيبية الإيمانية، قال تعالى:” وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ…وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ” الأعراف 94/96 .التقوى والتضرع والتوبة والاستغفار، قال تعالى:” وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ”الأنفال/33،”.

3- وفي حالة الطاعون قال رسول الله:”إذَا سمِعْتُمْ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإذَا وقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ فِيهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا متفقٌ عليهِ.” متفق عليه عن أسامة بن زيد. وفي حالة الوباء عموما نجد في التراث الإسلامي عن عمرو بن العاص قال:” أيها الناس، إن الوباء كالنار المشتعلة وأنتم وقودها فتفرقوا وتجبّلوا حتى لا تجد النار ما يشعلها فتنطفئ وحدها “.

سأل أحدهم صاحبه في هيجان “كورونا”:” من فضلك، كيف يمكن أن نواجه هذه الجائحة، وأنت – ما شاء الله – ذو خبرة وتجربة وفضل، وما زلت أراك نشيطا متحركا في الدورات والحملات والصفحات..، عكسنا نحن الذين بلغ منا الخوف والإحباط والخمول مبلغه”؟؟. أجابه صاحبه بكل بساطة: “كن مطمئنا، فالخوف يقتل صاحبه قبل المرض أحيانا، ثم اعقلها وتوكل، فلن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا”، يعني، لا منجي لنا مما قد يكون أو لا يكون، غير ديدن واحد هو الإيمان والرضا:

  1.  الإيمان بأن الأمر كله لله سبحانه وتعالى، من قبل ومن بعد.
  2.  الإيمان بقضاء الله وقدره ، خيره وشره الذي لا يحدثه ولا يراه إلا هو سبحانه وتعالى.
  3.  الإيمان بلطف الله في أقداره :”عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير.. إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له..وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له..وما أصابه لم يكن ليخطئه.. وما أخطأه لم يكن ليصيبه.. رفعت الأقلام وجفت الصحف”.
  4. الإيمان بأن الأعمار بيد الله، وليس المرض حتمية الموت كما ليست الصحة حتمية البقاء.وأن الله لم يمضي مع أحد عقدا على أنه لن يصيبه بأي أذى، أو أخذ عليه عهدا أنه سيؤخره إلى أن يستوفي أغراضه وشبعه من الدنيا؟؟
  5. الإيمان بأن المنطق العلمي قاهر وحاسم، ولن يفلح قوم جهلوه أو تجاهلوه، ومن هنا وجب الأخذ بكل هذه الإجراءات الوقائية التي حسم فيها العلم من ضرورة النظافة والتعقيم، ووضع الكمامة، والتباعد الجسدي، وعدم الخروج إلا لضرورة..؟؟.
  6. الإيمان باللحمة الجماعية لتهوين المصائب أو ما يسمى بالتضامن الاجتماعي ومساعدة الناس المتضررين والمحتاجين و تفعيل دور الإيمان في ذلك:”يد الله مع الجماعة” أو”مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالحمى والسهر”.
  7. التفاؤل والأمل، فلن يغادر الخوف والكآبة من يحسن استضافتهما وإكرامهما إلى درجة – كما يقال – إذا فارقاه هرول هو إليهما، التفاؤل حتى في حالة الإصابة، سئل مصاب خمسيني قد نجا ما أنجاك؟، فقال ما كنت أخاف من الموت وهذا من فضل الله علي والذي لا يملكه الكثيرون، ثم لماذا أخاف وأنا مستعد للموت ورجائي في الله،والمرض يطهر المؤمن، ومعدل التعافي كبير، وهناك جهد وطني جد معتبر رغم كل شيء؟؟.
  8. الإيمان بالإيجابية الدافعة إلى العمل الممكن في كل الظروف، والتركيز على الحلول بدل المشاكل ففي الحديث: ” إذا قامت الساعةُ وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها”رواه أحمد. ولعل أولى الفسائل في هذه اللحظات العصيبة هي ضرورة العناية اللازمة بالمصابين وبمعايير تكسر شوكة الجائحة وتحصرها بين الشفاء والاستشهاد، ولا تتجاوزها إلى ما يتفشى عندنا – كما يقال – من مظاهر التسول (القفف) والبهدلة في المستشفيات (الصعوبات) والتمرد في الشارع والفوضى (الاحتجاجات) والمخالفات والتوقيفات والمحاكمات.. وإن خف ذلك الآن.
  9. الإيمان بإمكانية التطوير الذاتي والإبداع الفردي والجماعي خلال الأزمة، وهكذا رأينا العمل عن بعد، والدورات التكوينية الافتراضية، ورأينا من أبدع كتابا ومن أبدع حملة تحسيسية واقعية أو تضامنية افتراضية، ومن أبدع كذا.. ومن أبدع كذا..، ومن ظل مشلولا مأسورا بين مجرد متاهات الأخبار وكآبة الانتظار؟؟.
  10. الإيمان بأن الله تعالى قد أنزل لكل داء دواء، ومن تم وجب على الباحثين والأطباء والعلماء والخبراء في الدولة السعي الحثيث لإيجاده وتيسيره، والتعاون الدولي على ذلك.. وها هم يبشرون العالم باللقاحات المنتظرة وعسى أن يكون فيها خير البشرية وخلاصها جمعاء.

ولأن الإيمان بكل هذه الطاقة الإيجابية.. والمحركة.. والمطمئنة.. والمبدعة.. وهي أشياء ضرورية في حياتنا عامة وضغوطات زمانا وابتلاءات أزمتنا خاصة، فوجب الدفاع عنه دفاع الباحث عن البروتوكول الكافي والدواء الشافي، و يمكن  وذلك عبر ثلاثة أركان أساسية هي:

1- البرنامج الفردي من تنظيم صلوات وأداء أوراد والقيام برياضات وغير ذلك مما لا يقوم به أحد عنك غيرك.

2- البرنامج الجماعي ولو عن بعد كما رأينا في المجالس التربوية والدورات التكوينية وغيرها من المهارات، ومعلوم دور الجماعة الطيبة في تسوية المزاج العكر والتعاون على البر والتقوى وتقوية المناعة.

3 –  الدفاع عن معين الأمن الروحي للمواطن والذي هو المسجد بيت الله، فقد طال غلقه حتى وإن فتح غيره من المقاهي والأسواق والمدارس والقاعات.. هل كان من اللازم إغلاقه بهذا الشكل وبهذا الطول وبهذا التعميم؟ ألم يكن ممكنا كما أبقينا فيه على الآذان أن نبقي فيه كذلك – كما يقال – على خطبة الجمعة وعلى الورد القرآني “الحزبي اليومي” وعلى دروس الوعظ والتحفيظ ولو بالتباعد، فالمسجد بيت الله وما كان ينبغي أن يكون أقل حيوية من مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات، خاصة وقت الضغوطات والأزمات.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى