داكي يكتب: الأستاذ عبدالله بها رحل وما غاب

اليوم تمر بنا ذكرى وفاة الرجل الذي ترك فينا أبلغ الأثر نفسيا وفكريا الرجل الذي يجدد حضوره فينا بثراته الغزير .. كثيرة هي العناوين التي يمكن استدعاؤها للتعريف بالاستاذ عبد الله بها ، الذي رحل عن دنيانا ليلة السابع من دجنبر 2014، فهو الداعية والمفكر والحكيم والسياسي، وغير ذلك من التعريفات والتقديمات التي استحقها رحمة الله عليه بجدارة بحكم نتاجه ونشاطه واجتهاده.
لكن المرء إذا ما حاول اختصار كل ذلك في كلمة واحدة دالة، فإنها ستكون بلا تردد: المعقول، فالأستاذ عبدالله بها كان نزيها ومستقيما في كل ما أبداع وأنتج.. نزيها في فكره ونزيها في سلوكه.

منهج إصلاحي

ذكرى وفاته فرصة لاستحضار أفكاره والوقوف على أهم المنعطفات التاريخية التي ساهم فيها وبصمها بنفاذ فكره، ورجاحة بصيرته وحضور شخصيته المتميزة بالفرادة ولين الجانب وفي نفس الوقت هي فرصة لتعميق احتفاءنا به لا كرجل استثنائي في لحظة استثنائية فقط، وإنما باعتباره محاولة جادة استفرغت وسعها في تمثل منهج إصلاحي مؤسس على قواعد اجتهاد نظري عميق في استقصاء معاني الإسلام ومبادئه عند مواجهة أسئلة التغيير والإصلاح.
سيرة الرجل العطرة وروحه الطاهرة ماتزال ترفرف بين محبيه ممن يتقفون أثره في الإصلاح ، ويستنشقون عبير حكمته الهادئة و يرصدون مواقفه المتوازنة.

بها مهندس مسيرة الحركة الإسلامية

عبد الله بها الذي نذر حياته لوجع التساؤل وجمرة التأمل… هو صاحب الأفكار التي كسرت جمود الذهن الاسلامي الحركي الغارق في الجدالات الكلامية والمتاهات الإسمية المجردة….هو مهندس مسيرة الحركة الإسلامية في المغرب، ومهندس التحول الكبير الذي طرأ على آليات إنتاج السلوك الحركي، لدى أبناء الصحوة الإسلامية، خاصة تيارها، الذي كان يؤمن بالعمل السياسي والإصلاحي، من داخل المؤسسات الرسمية.
ذكرى وفاته فرصة للوقوف عند عباراته المقتضبة والدقيقة التي ستبقى خالدة والتي تختزل أكثر من ملايين الكتب والمقالات، وضع فيها بها رحمة الله عليه أسس فهم آخر لحقيقة العمل السياسي، وتوجها بكلام عميق تحول إلى قواعد عمل تنظيمية منهجية وفكرية مثل «الرأي حر والقرار ملزم»، و«الإصلاح في إطار الاستقرار»، و«مطلبنا الإصلاح وليس السلطة»، التي دخلت إلى القاموس السياسي لحزب العدالة والتنمية.
فقدرة الاستاذ بها ليست في وضع تصور نظري فقط، بل في تنزيله إلى أرض الواقع بمقولات بسيطة وعميقة في الوقت نفسه فهو يرى أن التعاون يجب أن يكون أساس العلاقات بين القوى السياسية ومؤسسات الدولة، لم يكن رحمة الله عليه يستخدم مفهوم التوازن، مثلا، ولا التوافق إلا قليلا، كما كان ينبذ التنازع، والتعاون عنده يشترط الثقة بين الأفراد والتنظيمات. ومدخل الثقة هو الاحترام والتقدير. من هذا المنطلق كان تركيزه كبيرا على الثقة مع المؤسسة الملكية، إذ كان يقول: «بدون الثقة، لا يمكن الإصلاح».

نظرية التغيير الاجتماعي

لم يكن الإصلاح عند الراحل بها نظرية في الفكر، بل نظرية في التغيير الاجتماعي والسياسي. يؤمن بأن الإصلاح ضرورة، لكنه يعتبر أن ذلك يقتضي ثلاثة شروط: الوعي، والوقت، وترتيب الأولويات. لكنه كان يرى أنه كلما كان التيار الوسطي (الإصلاحي) هو الغالب في المجتمع، كانت وتيرة الإصلاح أسرع.
كان حريصا على بناء العلاقات مع الجميع، لأنه كان يعتبر أن توسيع التيار المؤمن بالإصلاح، مهما كانت الخلافات السياسية بين مكوناته، هو المدخل الصحيح لتحقيق الهدف. ولهذا السبب كان يعتبر أن التصعيد السياسي أو النقابي من قبل حزب أو نقابة لا يجب الرد عليه بتصعيد مماثل، لأن ذلك يعني الدخول في منطق التنازع، الذي يؤدي إلى التقاطب، وهذا الأخير يؤدي إلى إضعاف الوسط.
كان للفقيد دور حاسم في تدبير عدد من القضايا والملفات الشائكة والمحن، حيث شهد له الجميع بالحنكة والذكاء و الفطنة، والقدرة على التركيب والتحليل واستخلاص الدروس والعبر، بالاعتماد على منطق التجاوز والابتعاد عن نفسية الصراع والتنازع و المناكفة.
والوفاء لهذه الروح الطاهرة يكون بالبرور بإرثه الفكري والدعوي والعمل على تقريب الشباب المعني بأسئلة الإصلاح والتغيير، من ملامح منهجه في الإصلاح ، الذي شيده على ضروب فقه عملي بمسألة الإصلاح، وبمنطق حكيم وواضح يرتكز على الصدق والصبر و المعقول و التدرج.

بقلم ذ. عبد الرحمان داكي

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى