عز الدين توفيق: هوية الدولة المغربية مدخل من مداخل الإصلاح
قال الدكتور محمد عز الدين توفيق إنه لكي نفهم هوية الدولة المغربية لابد أن نرجع إلى التاريخ، حينما بعث الله آخر رسالة إلى أهل الأرض وهي رسالة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، ولم يكن للإسلام دولة لأن الناس ابتعدوا عن تعاليم الأنبياء السابقين، ولم تعد لرسالاتهم دول تقوم عليها وتحميها وتدافع عنها، فشرع في دعوته يُبلغ دين الله تعالى، وفي نفس الوقت كان يبحث عليه عن قبيلة تنصره وتحتضن دعوته وتعينه على تبليغ الرسالة، وصار للإسلام مدينة يأوي إليها كل من أسلم، ثم دولة في الأرض في المدينة المباركة.
وأضاف عضو المكتب التنفيدي لحركة التوحيد والإصلاح في محاضرة بعنوان “هوية الدولة المغربية” في إطار منتدى الحوار العلمي والفكري، نظمها الفرع الإقليمي لحركة التوحيد والإصلاح بمكناس يوم 17 دجنبر 2024، أن المغرب عرف الإسلام في القرن الأول ولم يتأخر دخول المغاربة فيه بعدما وصلهم بهمة الفاتحين، وحرصهم على إيصال الإسلام للعالم.
وأشار الدكتور عز الدين توفيق إلى قيم الدولة في المغرب على الإسلام منذ الأدارسة والمرابطين ثم الموحدون والمرينيين والسعديين والعلويين، وسارت على تقليد أن كل سلطان يبايَع وفق بيعة شرعية فيها تعاقد بينه وبين الرعية، ويحال على ما هو مذكور في كتب الفقه عن حقوق الرعية على السلطان وحقوق السلطان على الرعية، وتجري الإحالة على المهام المنصوص عليها من إقامة الدين وحماية الثغور إلى آخره.
وأشار المحاضر إلى ما ابتُلي به المغرب من الاحتلال الفرنسي على غرار بلدان العالم الإسلامي كلها، فوجد الاستعمار في المغرب دولة لها عمر طويل، ووجد تقاليد من بينها أن الأسرة التي تحكمه هي أسرة شريفة، أسرة علوية وتجري مبايعة السلطان بعد شغور هذا المنصب، مضيفا أن الفرنسيين سعوا إلى تغيير هذه الصفات التي توجد في هذا البلد عبر ترسانة من القوانين بعد ستة شهور من احتلاله، وخاصة في مجالات القضاء والتعليم والصحافة والصناعة والبنوك وغيرها.
وكشف عز الدين التوفيق إلى أن الاستعمار كان ذا طبيعة حضارية ولم يكن استعمارا عسكريا ، ولأنه يعلم أنه سيرحل ترك البلد مرتبطا به تابعا له، فتعرضت اللغة العربية والإسلام والوحدة الترابية لمؤامرات، إلا أنه من فضل الله تعالى ورحمته، بقيت هذه الصيغة التي يحكم بها البلد ولم تضِع ولم يحل محلها نموذج آخر من نماذج الحكم التي أقامها المستعمر في بلدان عربية وإسلامية أخرى.
وأضاف المتحدث، أنه بعد خروج الاستعمار من المغرب طرحت أفكار إصلاحية ترى أن الإطار السياسي للحكم ينبغي المحافظة عليه، والانطلاق منه لترتيب ما بعثره المستعمر فكانت بعد الاستقلال مسيرة فيها إصلاحات طالت الدستور، ثم البيعة التي هي تقليد تاريخي اختصرت في صفحة واحدة، مشيرا أن كل ما بايع المغاربة السلطان عليه فهو في الدستور، والذي يبدأ التقديم فيه بأن “المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية” وأيضا هي “دولة ديمقراطية يسودها الدستور والقانون” وهي “دولة حديثة مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة”.
وأوضح الدكتور عز الدين توفيق، أن البعض يرى كثير من المخالفات للإسلام في المجتمع ويتسائل كيف نقول أن المغرب دولة إسلامية، معتبرا أن هذا التباس يقع فيه كثير من الناس، والسبب هو أنهم يتصورون بأنه حتى تكون الدولة إسلامية يجب أن يكون الإسلام مطبقا في مناحي الحياة 100% أو 90% وهذا غير صحيح، والواقع أن الإطار الذي تعتمده الدولة هو الإسلام أمر مهم نستند إليه، ومثبت في الدستور بعد أن تسلمنا تركة سيئة من المستعمر، وبالتالي عندما ندعو إلى استرجاع ما ضاع منا وما فقد من ديننا في حياتنا فلا يجرأ أحد أن يعترض على ذلك.
وذكر المحاضر أن بعض العلماء قالوا إن التنصيص على إسلامية الدولة في الدستور، هو مثل الشهادة بالنسبة للفرد، أي أن هذه الدولة تعلن وتقول عن نفسها بأنها دولة إسلامية وترضى بالإسلام دينا، وحين يصبح لأبنائها فهما سليما للدين يعلمون أن الإسلام لا يتعارض مع النهضة، ولا يتعارض مع التقدم ولا مع حقوق الإنسان، وسيؤمنون بأنهم ليسوا بحاجة إلى استقدام نظام آخر مكانه يواكب العصر ويحقق الطموحات.
ونوه المحاضر إلى أن أمة الريادة والقيادة والعالمية ستتألق عندما تجمع بين التمسك بالإسلام والانخراط في العصر، خاصة وأن لديها مكاسب كثيرة في هذا الاتجاه، وتبددت كثير من الظنون وكثير من الشبهات عن الإسلام في نفوس أبنائه، مشيرا إلى أنها مهمة حضارية ينخرط فيها السلطان والعلماء، والسياسيون والفنانون، والصحفيون، والأدباء الذين يريدون أن يروا صورة مشرقة تغري الناس بالإسلام وتحببهم في العيش داخل دولتهم.
وأكد القيادي في حركة التوحيد والإصلاح على أهمية التعاون وإشاعة المفهوم الصحيح عن الإسلام حتى يفيء إليه أبناء المسلمين، وحتى الذين تأثروا بالثقافة الغربية فالإنسان قابل للتعديل، منوها إلى ضرورة طرح موضوع “هوية الدولة المغربية” باعتباره مدخلا من مداخل الإصلاح، مؤكدا في الوقت نفسه أن أمير المؤمنين هو من يعبر عن هوية الدولة وهي هوية أهل الإسلام، كما أنها أصبحت مُدسترة.
وأشار المتحدث إلى أن أغلب الناس لا يفهمون كلمة العلمانية إلا المعنى المتداول الذي هو فصل الدين عن الدولة، وأنه لا شأن للدولة بالاقتصاد والسياسة وبنظام الحكم ولا شأن لها بالفن وبالإعلام وبالأدب، ولكن العلمانية كما نظر لها أصحابها وكما طُبقت في الغرب حيث جاءت الأنظمة السياسية في الغرب منسجمة مع طبيعة الديانة المسيحية التي كانت في تلك البلاد.
واعتبر عز الدين توفيق أن على وزير الأوقاف أن يرد المتشابه إلى المحكم في جوابه، منوها إلى أن القول بأن المغاربة علمانيون أشد من أن نقول الدولة المغربية علمانية، لأن ذلك يتضمن تلقائيا أن الدولة علمانية وهذا نادر في العالم أن تجد الناس جميعا قد توافقوا أن يكونوا علمانيين، ونادرا ما تجد دولة إسلامية وأهلها علمانيين.
وزاد، الذي عندنا والحمد لله أغلبية كاسحة كبيرة يريدون أن يكونوا مسلمين في أنفسهم وفي أسرهم وفي دولتهم، مضيفا أنه إذا كان المقصود هو أن بلدنا فيه حرية كبيرة تصل أحيانا أنها تتسامح مع كثير من المخالفات الشرعية، فنستطيع أن نقول بأن هذ رفق بالناس حتى يعلموا دينهم، مشيرا إلى أن التدافع بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، وبين المعروف والمنكر سيكون وسيبقى، ولكن الفرق سيكون كبير بين أن تكون في دولة ترتضي الإسلام دينا وتعتبره أساس هويتها، وبين أن تكون مثل الجاليات الإسلامية التي تعيش في بلدان أخرى لها أنظمة مختلفة تماما، وتتسور لحقوقها ومصالحها من طرق أخرى.