بعض مظاهر الرحمة المحمدية

لقد بعث الله تعالى سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا فوسع خلقه العظيم كل أنواع المخلوقات من جماد ونبات وحيوان وبشر وجن، مصداقا لقوله تعالى:”وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”. الأنبياء الآية

وقوله عز من قائل:” وإنك لعلى خلق عظيم”. في عصر يتشدق فيه أدعياء حقوق الإنسان بما حققوه من مكتسبات مزعومة فتجد بعض الغربيين يفاخرون بمنجزاتهم في الرفق بالحيوان وسجل جرائمهم مازال يقطر بدم الأبرياء في البوسنة والهرسك والشيشان وبورما وغيرها.

مظاهر رحمته بالجماد:

عن جابر -رضي الله عنه-, أَنَّ النبي (صلى الله عليه سلم) كان يخطب إلى جذع نخلة فاتُخذ له منبر فلمَّا فارق الجذع, وغدا إلى المنبر الذي صُنع له جزع الجذعُ فحنَّ له كما تحن الناقة وفي لفظ فخار كخُوار الثور وفي لفظ : فصاحت النخلة  صياح الصبي حتى تصدع وانشق, فنزل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فاحتضنه، فجعلت تئن أنينَ الصبي الذي يُسكَّن فسكن، وقال له الرسول (صلى الله عليه سلم): (اختر أَنْ أغرسك في المكان الذي كنت فيه، فتكون كما كنت, وإنْ شئت أَنْ أغرسك في الجنة, فتشرب من أنهارها وعيونها, فيحن نبتك وتثمر فيأكل منك الصالحون, فاختار الآخرة على الدنيا). قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لو لم أحتضنه لحنَّ إلى يوم القيامة) وقال: (لا تلوموه، فإنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم – لا يُفارق شيئاً إلا وجد) أخرجه البخاري.

كما سلم عليه الحجر والشجر وسبح الحصى في كفه وانبجس الماء بين أصابعه كما ورد في الأثر.

مظاهر رحمته بالحيوان:

قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( دخلت امرأة النار في هِرَّة(قطة)، ربطتها، فلا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت هزلا )( مسلم ) .

كما نهى عن اتخاذ الطيور الحية هدفا لتعلم الرماية والقنص واعتبر ذلك تعذيبا يعاقب عليه الشرع. وهذا نهمس به في أذن العادة القبيحة التي يتخذها الإسبان في تعذيب الثيران بمبارزتها وغرس النبال في عضدها وظهرها.

 “فالإسلام من خلال تعاليمه وآدابه وأخلاقياته يحرص على التعامل الرحيم مع الحيوان حتى في حالة الحرب، لا يجوز لمسلم أن يقتل حيواناً أو طيراً، وهذا ليس بالأمر الغريب على دين أرسى القيم الحضارية، وليس بغريب على رسول بعثه الله ليتمم مكارم الأخلاق “.1

كما أن بغيا من بني إسرائيل استحقت مغفرة الله بسبب سقيها لكلب كاد لسانه أن ينفك من مكانه لشدة العطش حيث نزلت بئرا فملأت خفها فناولته الكلب فروت عطشه.

كما أمر نبي الرحمة من رغب في ذبح إحدى المواشي أن يحسن الذبحة وليحد شفرته وليرح ذبيحته كما ورد في حديث صحيح مشهور.

ويروى أن رسول الله ذخل حائطا لأحد الأعراب فإذا بجمل تدمع عيناه فنادى في صاحب الجمل فأخبره أن الجمل شكا لرسول الله بأن صاحبه يجيعه ويعذبه فنهاه عن ذلك ودعاه إلى أن يتقي الله في جمله.

كما أن عليه السلام مر ببقرة مفتونة لا تكاد ترتاح فقال لمن معه من فجع هذه بولديها ردوهما اليها.

كما ورد في الحديث : عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : ( أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لعن من مَثَّل بالحيوان )( البخاري).

وعن جابر – رضي الله عنه – : ( أن النبي – صلى الله عليه وسلم – مر عليه حمار قد وُسِمَ(كوي) في وجهه، فقال : لعن الله الذي وسمه )( مسلم ) .2

شاهد: نبينا هو نبي الرحمة ولو كره الكافرون

مظاهر رحمته بالبشر:

هداية البشرية للإسلام ذروة الرحمة بالبشر:

لا مجال للحديث عن الرحمة بالبشر، دون الوقوف عند الغاية العليا من نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، فغايته هداية الناس، من الضلال إلى الهدى، وإنجائهم من النار إلى الجنة، تلك الرحمة في صورتها الكبرى؛ إعتاق الرقاب من النار، وأن تتلذذ القلوب بحلاوة الإيمان، وتؤمن بوحدانية الله سبحانه وتعالى، ومن ثم تلتزم وتطبق تعاليم الإسلام، التي هي مفتاح سعادة الدارين: الدنيا والآخرة، فلا حديث عن إشاعة التراحم بين الناس – من المنظور الإسلامي -، والبشر لا يزالون في همجية الجاهلية، وعنفوان الشهوة والتسلط الفردي والقبلي، ولا حديث عن الرقي الأخلاقي، والقلوب مغلقة، والعقول مصمتة 3، يقول عليه الصلاة والسلام :”إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ وَهُمْ يَقْتَحِمُونَ فِيهَا” صحيح مسلم.

رحمة بالعباد يضع نفسه على شفير النار الموقدة يبعد كل من اقترب منها خوفا عليهم وإبعادا لهم عن الخطر المحدق بهم.

رحمته بالأطفال:

كان عليه الصلاة والسلام يخفف الصلاة وقد كان عازما على إطالتها، إذا سمع بكاء طفل رحمة به وبأمه التي قلبها عليه.

كان يلاعبهم ويلاطفهم   ويقبلهم ويستغرب من الأعرابي الذي لديه عشرة أطفال وما قبل منهم أحدا قائلا ومستنكرا عليه:” أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة ؟”.

وصلى عليه الصلاة والسلام مرّة وهو حامل أمامة بنت زينب ، فكان إذا سجد وضعها ، وإذا قام حملها.

رحمته بالنساء وذلك بوصيته القائل فيها:”استوصوا بالنساء خيرا” وما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم.

رحمته بالضعفاء عموماً:

وكان صلى الله عليه وسلم يهتمّ بأمر الضعفاء والخدم ، الذين هم مظنّة وقوع الظلم عليهم ، والاستيلاء على حقوقهم ، وكان يقول في شأن الخدم : ( هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم من العمل ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم ) ، ومن مظاهر الرحمة بهم كذلك ، ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاء خادم أحدكم بطعامه فليقعده معه أو ليناوله منه فإنه هو الذي ولي حره ودخانه ) رواه ابن ماجة وأصله في مسلم . 4

ومثل ذلك اليتامى والأرامل ، فقد حثّ الناس على كفالة اليتيم ، وكان يقول : ( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ، وأشار بالسبابة والوسطى ) ، وجعل الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ، وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل ، واعتبر وجود الضعفاء في الأمة ، والعطف عليهم سبباً من أسباب النصر على الأعداء ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( أبغوني الضعفاء ؛ فإنما تنصرون وتُرزقون بضعفائكم.

رحمته بالأعداء حربا وسلما:

أبرز مثل في رحمته وشفقته بالعدو عليه الصلاة والسلام عفوه وصفحه عن كفار قريش الذين تفننوا في إيذائه وإيذاء المومنين بعد فتح مكة حينما أعلن نداءه العالمي السمح :”ما تظنون أني فاعل بكم” قالوا أخ كريم وابن أخ كريم ، قال:”اذهبوا فأنتم الطلقاء”. نداء محمدي لطيف رددته الأرجاء وانتشر في الآفاق وأقامت له الإنسانية عرسا منقطع النظير على مر العصور لن تجود بمثله أية حضارة أبدا ونحن نرقب التاريخ الماضي والحاضر.

لم تكن حروب الرسول صلى الله عليه وسلم حروب تخريب كالحروب المعاصرة التي يحرص فيها المتقاتلون من غير المسلمين على إبادة مظاهر الحياة لدى خصومهم، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون يحرصون أشدّ الحرص على الحفاظ على العُمران في كل مكان، ولو كان بلاد أعدائهم؛ فقد جاء في وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لجيش مؤتة :” ولا تَقْطَعَنَّ شَجَرَةٍ وَلا تَعْقِرَنَّ نَخْلًا ولا تَهْدِمُوا بَيْتًا” 5

 ‏عَنِ ‏‏ابن عباس رضي الله عنهما ‏قَالَ: ‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏إِذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ: “‏اخْرُجُوا بِسْمِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ

بِاللَّهِ لَا ‏تَغْدِرُوا ‏وَلَا‏ ‏تَغُلُّوا‏ ‏وَلَا‏ ‏تُمَثِّلُوا ‏وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا أَصْحَابَ ‏الصَّوَامِعِ”. نفسه.

بهذه التعاليم المحمدية الرحيمة نهمس بها في أذن العالم المتحضر المزعوم الذي يشهد إبادة شعوب مسلمة ولا يحرك ساكنا ولا يستنكر بل يؤيد ذلك بإرسال المساعدات للمكلومين شماتة للمزيد في إيذائهم.

نحتفي بهذه الشمائل المحمدية المتسامحة في الوقت الذي تضج به الساحة الحقوقية بالعديد من جمعيات حقوق الإنسان شرقا وغربا ولا نسمع لها ركزا حينما يتعلق الأمر بحقوق المسلمين وكرامتهم. فصلى الله على سيد ولد آدم ما هبت النسائم ولاحت على الأيك الحمائم دائما أبدا. 

عبد الواحد رزاقي

المراجع:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 https://www.alkhaleej.ae

2 https://www.islamweb.net/ar/article/174029

3 https://www.alukah.net/sharia/0/111942/#ixzz6bd94yOQU

4  https://www.islamweb.net/ar/article/143637

5 https://www.islamstory.com/ar/artical/28037

 

 

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى