انعقاد أول مؤتمر ليهود مناهضين للصهيونية في النمسا بشعار “لا للإبادة باسم اليهودية”

في خطوة وصفت ببداية إعادة عجلة الصهيونية إلى الوراء، شهدت العاصمة النمساوية فيينا تنظيم أول مؤتمر عالمي لليهود المناهضين للصهيونية على مدار ثلاثة أيام امتدت من يوم الجمعة 13 يونيو 2025 حتى 15 يونيو منه.
وبرزت ملامح الرغبة في الرجوع إلى نقطة بداية الصهيونية في اختيار مدينة فيينا مكانًا للمؤتمر، وهو ما يحمل دلالة رمزية، كونها شهدت بدايات الصهيونية السياسية على يد تيودور هرتزل قبل أكثر من قرن، ويُراد الآن إعادة النقاش من نفس النقطة ولكن برؤية نقدية جديدة.
واتخذ المنظمون اليهود شعار “لا للإبادة باسم اليهودية” منطلقا لمناقشة عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، بمشاركة شخصيات أكاديمية وحقوقية يهودية بارزة من عدة دول، ومن تنظيم مبادرة يهود فيينا ضد الصهيونية بالتعاون مع حركة يهود من أجل العدالة للفلسطنيين.
وهدف المؤتمر إلى تحقيق عدة أهداف على رأسها فصل الخلط الواقع بين الهوية اليهودية وبين المشروع الصهيوني، مع التأكيد على ضرورة إقامة دولة ديمقراطية واحدة في فلسطين التاريخية يتعايش فيها المسلمون واليهود والمسيحيون جنبا إلى جنب كما كان عليه الحال قبل استعمارها.
وكان من أبرز المتحدثين في المؤتمر كل من المؤرخ الإسرائيلي المعروف إيلان بابّيه، والمحامية الأممية فرانشيسكا ألبانيزي، والناجي من الهولوكوست ستيفن كابوس، والنائبة الأوروبية ريما حسن، بالإضافة إلى شخصيات يهودية من الولايات المتحدة، النمسا، ألمانيا، وجنوب أفريقيا.
أثار المؤتمر انتقادات حادة من بعض المنظمات اليهودية الرسمية في النمسا، وعلى رأسها الجالية اليهودية في فيينا (IKG Wien)، التي عبّرت عن قلقها مما وصفته بـ”الخلط الخطير بين التضامن مع الفلسطينيين وإنكار الذاكرة التاريخية لليهود”. فيما دافعت الجهة المنظمة عن المؤتمر، مؤكدة أن بعض هذه الاتهامات تهدف إلى إسكات الصوت اليهودي المعارض للاحتلال.
وأجمع المشاركون على أن “إسرائيل لا تمثل جميع اليهود”، مشددين على أن انتقاد سياساتها لا يُعد شكلاً من معاداة السامية، بل هو موقف مبدئي ضد الاحتلال والتمييز والتطهير العرقي.
وفي تصريح لـ ”وكالة قدس برس”، أوضح المؤرخ الإسرائيلي البارز إيلان بابيه أن المؤتمر ضم يهودًا من مختلف دول العالم “يؤمنون بأن المشكلة تكمن في الأيديولوجيا الصهيونية التي تقوم عليها دولة الاحتلال الإسرائيلي، وأنهم يدعمون إقامة دولة فلسطينية تضم جميع السكان، يهودًا ومسلمين ومسيحيين، ويرفضون أن تنطق إسرائيل باسمهم كيهود”.
وأشار بابيه إلى أن رسالة المؤتمر موجهة بالدرجة الأولى إلى الغرب، ومفادها أن “انتقاد سياسات إسرائيل لا يمكن اعتباره معاداة للسامية، خاصة في ظل وجود عدد كبير من اليهود الرافضين لسياسات القمع والتطهير العرقي والإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل في قطاع غزة”.
من جهتها، وصفت الناشطة الأمريكية اليهودية كايتي هالبر، في حديث مع “وكالة قدس برس”، انعقاد المؤتمر بأنه “لحظة تاريخية”، مؤكدة أن “اليهود المعارضين للصهيونية يرفعون صوتهم ضد الاحتلال والجرائم الإسرائيلية، انطلاقًا من إيمانهم بقيم العدل وحقوق الإنسان”.
وأضافت: “نحن كيهود نتحمّل مسؤولية إظهار الحقيقة للعالم، بأن الكيان الإسرائيلي لا يمثلنا ولا يتحدث باسمنا، وأننا نرفض الإبادة الجماعية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني”.
وأشارت هالبر إلى “المفارقة” التي تكمن في أن “الكيان الإسرائيلي ومناصريه يزعمون أنهم يتحدثون باسم اليهود، بينما الحقيقة هي العكس تمامًا. فهم يتهموننا بأننا نكره أنفسنا أو أننا معادون للسامية، لكنهم في الواقع يكرّسون معاداة السامية من خلال الادعاء بأن جميع اليهود يؤيدون كيانًا قائمًا على الاحتلال”.