الهدى المنهاجي في سورة الحجرات (21) – عبد الحق لمهى

“في أن التعارف الروحي هو غاية الخلق الرباني للبشرية فالدين من حيث هو نصوص حقائق مطلقة وقواعد ثابتة. لكنه من حيث هو عمل إنساني، وشعور وجداني، تجربةٌ بشريةٌ، تشرق وتخبو، وتتكدر وتصفو، وتزيد وتنقص والتجربة الإيمانية ـ وإن اتحدت في الأصول والثوابت ـ فهي تتميز في الأحوال والتجليَّات، وتتعدد في المكاسب والمواهب، وتختلف في ذلك كله باختلاف أصحابها، واختلاف مؤهلاتهم وقابليتاهم. ومن هنا كان للتعارف في الله فوائد عظيمة؛ حيث يتم تداول الحكم الإيمانية، والإشراقات النورانية المتلقاة في طريق الحق؛ من أجل توطيد الألفة في الله، والأنس بجماله جل في علاه، وتكثير سواد السائرين إليه تعالى، وتثبيت أقدامهم في طريق الحق، خاصة في زمن اختلط فيه الحق بالباطل.

فالتعارف الاجتماعي ليس غاية في نفسه، بل هو وسيلة للتعارف الروحاني الذي هو الغاية الحقيقية من جعل الناس شعوبا وقبائل كما دلت عليه تتِمَّة السياق:” إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ” وليس ببعيد عن هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح” الأرواحُ جُنودٌ مُجَنَّدَةٌ، فما تعارف منها اِئْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَر منها اخْتَلَفَ” [1]

فابحث عمن تَجَنَّدَ منها في صفِّ الله، وانخرط في طريق السير إلى نيل رضاه، وتعرف إلى مجالسهم ومساربهم، تقطفْ من ثمار الحكمة، ومن أنوار المعرفة به سبحانه ما ترتقي به نحو مراتب التقوى ومنازل الكرامة عنده، جَلَّ ذِكْره وَثَنَاؤُهُ.” [2]

 

***

[1] ـ رواه البخاري عن عائشة، ورواه أحمد ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة، كما رواه الطبراني ابن مسعود .

[2] ـ ـ مجالس القرآن مدارسات في رسالات الهدى المنهاجي للقرآن الكريم من التلقي إلى البلاغ، الجزء الأول، فريد الانصاري، ص 391ـ 392، دار السلام، ط 4، 2015م.

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى