“المعهد الملكي” ينتقد اختلالات السياسات العمومية بالقطاع الفلاحي

أصدر المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية تقريرا مؤلفا من 24 صفحة بعنوان “مستقبل الزراعة بالمغرب في سياق الإجهاد المائي البنيوي”، انتقد فيه عدد من الاختلالات فيما يخص السياسات العمومية في مجال القطاع الفلاحي، والتحديات الحالية والمستقبلية، ووضع المقترحات من أجلس مستقبل أفضل للفلاحة المغربية.

وأفاد التقرير أن القطاع الفلاحي الذي يستهلك ما يقرب من 85٪ من موارد المياه المتجددة في البلاد، مهدد حاليا بندرة المياه التي أعقبت حالة الإجهاد المائي في غضون عقدين فقط. وذلك بالإضافة إلى المخاوف القوية بشأن تأمين إمدادات المياه الصالحة للشرب للسكان.

وقد أصبحت استدامة الفلاحة والحفاظ على الأمن الغذائي من الانشغالات الرئيسية للمغرب. ويعود هذا الوضع إلى تغير في المناخ، الذي لم يحظ بالاهتمام اللازم، وإلى السياسات العامة المتبعة في هذا المجال.

وأشار التقرير إلى أن السياسات الزراعية -التي يمكن اعتبارها طبقية- فضلت الفلاحة المعدة للتصدير على حساب الفلاحة المعيشية المخصصة حصريا لتلبية الاحتياجات الغذائية للسكان. وهذا التمييز واضح في مجال الاستثمار العمومي والإعانات المتعددة. وكانت النتيجة مذهلة: فالمغرب يستورد منتجات كان يتمتع فيها في السابق بالاكتفاء الذاتي، إن لم يكن لديه فائض. ولا تكاد الصادرات الفلاحية تغطي نصف الواردات. مع “مكافأة “إضافية تتمثل في نقص المياه المثير للقلق.

ويدعو الخبراء إلى تغيير السياسات العمومية من خلال اختيار التنمية الفلاحية المندمجة، المرتبطة بالتنمية الترابية التي يجب أن تكون هي المرجع، و إن مزايا مثل هذا التغيير في المسار والتوجه متعددة: ضمان سيادتنا الغذائية التي يتم تقويضها في مواجهة التغيرات الجيواستراتيجية، وتحسين مستوى معيشة الفلاحين الذين لديهم معرفة تعود لقرون ولكنهم يفتقرون إلى الموارد والتأطير، وأخيرا، تطهير وضعية الأراضي بمعنى تأمين الملكية وقدرتها على الاستدامة.

وخلصت اشغال هذا”التفكير المستقبلي” إلى وضع مجموعة من المقترحات الواقعية والقابلة للتحقيق بشرط توافر الإرادة السياسية. وتدور التوصيات حول ثلاثة محاور ذات أولوية: تحسين الحكامة في القطاع الفلاحي، وضمان السيادة الغذائية، وتعزيز استدامة وصمود الفلاحة المغربية.

وأكد المعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية أن “اختيارات وخيارات السياسات العامة في القطاع الفلاحي ساهمت، بشكل فعال، في الاستنزاف التدريجي للموارد المائية التقليدية في المغرب”.

وأوضح المعهد، في تقريره،- أنه “منذ إطلاق سياسة السدود في الستينيات بهدف الوصول إلى مليون هكتار من المساحات المروية ركزت سياسة المياه على زيادة العرض. إذ تم تخصيص الجزء الأكبر من الجهود المبذولة لبناء السدود لتلبية احتياجات البلاد المتنوعة عبر توفير مياه الشرب، وإنتاج الطاقة، والحماية من الفيضانات، ولكن قبل كل شيء ري المناطق التي تم تطويرها بأنظمة هيدروليكية كبيرة”.

وأضاف أن “عدم الاهتمام بالتحكم في طلب المياه في الزراعة، على وجه الخصوص، أدى إلى استمرار ضخ المياه الجوفية منذ فترة الجفاف في أوائل الثمانينيات؛ وهو الاتجاه الذي شجعته إعانات صندوق التنمية الفلاحية الذي أنشئ عام 1985، ولكنها شهدت تدهورا حادا مع ظهور مخطط المغرب الأخضر سنة 2008. بسخاء وبدون تمييز دعم الري بالتنقيط الخاص في إطار البرنامج الوطني لتوفير مياه الري”.

وحسب نفس المصدر فإن القطاع الفرعي للري في المغرب يجد نفسه الآن في وضعية غير مسبوقة، وجود الري الخاص الذي تميل مساحته إلى أن تصبح مساوية، بل وربما تتجاوز مساحات المناطق الكبيرة والصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على الأنظمة الهيدروليكية التقليدية. فبدلا من تنفيذ كما كان مخططا في البداية من تحقيق اقتصاد في استهلاك المياه في المشاريع الكبيرة للري، فإن البرنامج الوطني للاقتصاد في مياه الري قد خدم بالأحرى تطوير الري الخاص في المناطق المطيرة.

وأفاد المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، أن هذا البرنامج أدى إلى توسع العديد من وحدات التكثيف في الأماكن التي لا ينبغي أن توجد فيها ولا يتم تشجيعها، حيث يميل المنتجون إلى التوجه أكثر نحو زراعات ذات قيمة مضافة عالية موجهة للتصدير، بدلا من تلك التي كانت تمارس سابقا والتي تلبي أساسا الطلب الداخلي على المنتجات الغذائية الأساسية.

وأشار إلى أن هذا التوسع السريع والواسع في الري الخاص؛ يحمل معه مخاطر كبيرة للمغرب: يتم تنفيذه دون أي رقابة من أي هيئة تنظيمية. وتجد طبقات المياه الجوفية التي يستخدمها الري الخاص نفسها الآن في حالة استغلال مفرط للغاية.

وأبرز أن السياسات العامة فشلت في الحفاظ علي سلامة الأسس الإنتاجية للفلاحة المغربية، من حيث الكم والنوع ما هي الموارد الطبيعية (المياه، التربة، المراعي، الغابات، التنوع البيولوجي). الذي يعرض كلا من الأداء الإنتاجي لهذا القطاع و مرونتها واستدامتها لاختبارت قاسية.

وأكد التقرير ذاته أن “السياسات الزراعية في المغرب ظلت لفترة طويلة متأثرة بتصور ضيق ومبتور للقطاع الزراعي والعالم الريفي، ولتفاعلهما العضوي وعلاقتهما بالوسط الحضري”، مشيرا إلى أن  هذه النواقص أتت نتيجة قلة وعي بأهمية هذه الأبعاد وندرة المتخصصين في هذه المجالات في مواقع صنع القرار.

وذكر التقرير أنه “كان من الممكن تصحيح العجز والنواقص المذكورة لو كانت أنظمة المعلومات موثوقة وشفافة، ولو كانت السياسات العامة المطبقة خاضعة لتقييمات صارمة ومستقلة، ولو كانت توصيات التقييمات المنفذة بالفعل تتبعها نتائج فعلية، ولو تم الاستفادة من الدروس المستخلصة منها”.

يذكر أن المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية إلى المساهمة في تنوير صنع القرار الاستراتيجي. ذلك أن مهامه تتجلى في إجراء دراسات و تحاليل استراتيجية حول القضايا التي تحال عليه من طرف صاحب الجلالة. كما يسهر المعهد على القيام بمهمة اليقظة على الصعيدين الوطني و الدولي في مجالات تعتبر استراتيجية بالنسبة للبلاد، بالإضافة إلى فحص سير العلاقات الخارجية للمغرب في أبعادها المتعددة، مع إيلاء أهمية كبيرة للقضايا الشاملة.

تقارير إعلامية

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى