اللغات الرسمية بالمغرب.. وعود بالتمكين وهيمنة التهميش

ما زالت المؤسسات المعنية بالتمكين للغتين الرسميتين للمغرب؛ العربية والأمازيغية حبيسة النصوص رغم مرور سنوات على إقرارها. ودفع هذا الواقع مجموعة من الشخصيات والفعاليات المجتمعية إلى المطالبة بإخراجها إلى حيز الوجود، كما دفعت مجموعة من البرلمانيين لمساءلة الحكومة بشأنها.

يحدث كل هذا التعطيل رغم وضوح الفصل الخامس من الدستور الذي ينص على أنه “تظل العربية اللغة الرسمية للدولة. وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها. تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء”.

كبوة “أكاديمية”
في محاولة لتحريك المياه الراكدة، طالبت البرلمانية عن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية بمجلس النواب ثورية عفيف رئيس الحكومة بتوضيح مآل إنشاء أكاديمية محمد السادس للغة العربية. وطالبت البرلمانية بضرورة بيان الإجراءات والتدابير العاجلة التي ستقوم بها الحكومة من أجل إخراج مؤسسة الأكاديمية المذكورة إلى حيز الوجود.

وشرحت عفيف في سؤال كتابي حيثيات إنشاء المؤسسة وإصدار القانون المتعلق بإنشاء أكاديمية محمد السادس للغة العربية بناء على موجب ظهير شريف صادر في 19 يونيو 2003 باعتبار أن اللغة العربية لغة رسمية دستوريا.

غير أن سؤال البرلمانية ثورية عفيف لم يحظ بجواب رئيس الحكومة، بينما ورد جواب من وزارة الشباب والثقافة والتواصل عن سؤال آخر يتعلق بمآل مؤسسة أخرى مماثلة، هي المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.

وخرج القانون التنظيمي للمجلس الذي ينص عليه الدستور بالقول “يُحدَث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، مهمته، على وجه الخصوص، حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية باعتبارها تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا، ويضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات. ويحدد قانون تنظيمي صلاحياته وتركيبَته وكيفيات سيره”. لكن المجلس نفسه لم يخرج بعد.

تجميد “مجلس”
طالب سؤال البرلماني عن الفريق الحركي بمجلس النواب محمد والزين الوزير ببيان أسباب التأخر في هيكلة المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية بالرغم من صدور قانونه التنظيمي بالجريدة الرسمية باعتباره مؤسسة دستورية منوط بها المساهمة في بلورة السياسة اللغوية والثقافية الوطنية.

إالسؤال نفسه، طلب توضيح حول مآل النصوص التطبيقية المنصوص عليها في القانون التنظيمي المتعلق بمراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، ورؤية الحكومة لملاءمة مختلف القوانين والمخططات الحكومية المخالفة لأحكام الدستور التي لا تنص على رسمية الامازيغية.

وعود حكومية
ورد وزير الشباب والثقافة والتواصل محمد المهدي بنسعيد بكون هذا المجلس قد خرج إلى حيز الوجود بتاريخ 2 أبريل 2020، قائلا “المجلس الآن بصدد استكمال هذه الأجهزة الداخلية في أفق تنصيبه”.

ويشرح المسؤول الحكومي أسباب التأخر في هيكلة المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، قائلا “ينبغي التذكير أن المجلس يضم مجموعة من المؤسسات والهيئات (أكاديمية محمد السادس للغة العربية، المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الهيئة الخاصة بالحسانية واللهجات والتعبيرات الثقافية المغربية الأخرى، الهيئة الخاصة بالتنمية الثقافية وحفظ التراث، الهيئة الخاصة بتنمية استعمال اللغات الأجنبية والترجمة) والتي يُعين بظهير شريف على رأس كل منها مدير”.

ويتضح من الشق الثاني من جواب الوزير أنه ينسخ فعليا الشق الأول منه، على اعتبار أن المعهد الملكي للثقافية الأمازيغية هو المؤسسة الواحدة القائمة ضمن كل الهيئات التي أوردها المسؤول الحكومي. وبالتالي فخروج المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية متوقف على شرط وجود مؤسسات سابقة على تواجده.

مفارقة عجيبة
وهذا ما يخلص إليه رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بالمغرب فؤاد بوعلي حين يقول “إن التدبير السياسي للمسألة اللغوية يجعلنا بعيدين كل البعد عن إمكانية أن ترى هذه المؤسسات اللغوية، خصوصا أكاديمية محمد السادس للغة العربية والمجلس الوطني للغات والثقافة والمغربية النور في القريب العاجل”.

ولذلك فهو لا يرى أن الإشكالية تتعلق بمؤسسات اللغة العربية وإنما بالفوضى التي قال إنها تطبع السياسة اللغوية بالمغرب، لهذا يطرح مفارقة عجيبة بين نصوص تؤكد على الاهتمام والتمكين للغة العربية إضافة إلى اللغة الأمازيغية، وبين العمل الدؤوب على التهميش على الصعيد المؤسساتي والحكومي والإداري.

ويقول بوعلي “لا أعتقد أن اللغة العربية في المغرب عاشت في يوم من الأيام منذ الاستعمار ما تعيشه هذه الأيام في ظل هذا التدبير الحكومي الفوضوي، الذي يحاول أن يفرض اللغة الفرنسية ويجعلها هي اللغة الرسمية للبلد، بل أكثر من ذلك فهي اللغة الرسمية حتى في النقاشات البينية بين وزراء هذه الحكومة”.

ما قاله بوعلي هو نفس ما أثره رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب نور الدين مضيان في سؤال وجهه إلى رئيس الحكومة، قائلا “يعمد بعض المسؤولين المغاربة بمناسبة تناولهم الكلمة، خلال أداء مهام رسمية باسم الدولة، إلى التحدث بلغة أجنبية، سواء داخل أو خارج الوطن، بالرغم من وجود تقنية الترجمة الفورية في هذه المناسبات والمحافل”.

فوضى ومستقبل زاهر
وهو ما رأى فيه البرلماني الاستقلالي “خرقا سافرا للمقتضيات الدستورية التي تقضي صراحة بوجود لغتين رسميتين للدولة فقط، هما اللغتين العربية والأمازيغية، ويقول “بل يتنافى مع مقتضيات الدوريات الحكومية المتتالية الداعية لاستعمال اللغتين الرسميتين في المعاملات الإدارية”. مسائلا رئيس الحكومة، الذي ظهر بنفسه وهو يتحدث باللغة الفرنسية، عن التدابير التي سيتخذها لضمان احترام المسؤولين العموميين لاستعمال اللغتين الرسميتين للدولة فقط أثناء حديثهم في مهام رسمية باسم الدولة أو مؤسساتها.  

ورغم كل ما أبداه بوعلي من مخاوف إلا أنه متفائل حيال المستقبل، إذ يقول “نعتقد أن هذه الحالة لن تستمر طويلا، لأن التغييرات الجيواستراتيجية التي أصبح المغرب جزءا منها تفرض التوجه نحو خيارات لغوية سيادية. والمقصود بالسيادة اللغوية هي التمكين للغات الوطنية مع الانفتاح على اللغات الأكثر تداولا في العالم.

وبالتالي، تبقى مسألة تنصيب المؤسسات المعنية بتنمية وتطوير اللغات الوطنية رهينة بوجود إرادة، والاستجابة لتطلعات المغاربة الذين خلصت دراسة وطنية ميدانية للمركز البرلماني للأبحاث والدراسات التابع لمجلس النواب أنهم يتطلعون بأغلبية ساحقة إلى التمكين للغاتهم الوطنية ويفضلون استعمالها.

موقع الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى