الفن عند الفارابي ـ عبد الرحيم مفكير

عرف الفارابي عند الكثيرين بالمشائي الفيلسوف، وأحد شراح أرسطو مترجم الفكر اليوناني وأحد ناقليه للعربية ، وإن تميز بشخصية فلسفية مستقلة ، تؤمن بانتهاج البرهان المنطقيّ في سبيل الوصول إلى المعرفة اليقينية، وتوظف الفلسفات الواردة على نحو يوافق منطقها العقلي وقليلون من يدرك الأبعاد الجمالية من خلال مفاهيم اللعب ، النفع ، الكمال ، السعادة .فالفارابي لم يكن  فيلسوفاً فحسب، بل كان مفكراً وناقداً وموسيقياً وشاعراً. وإن المطّلع على مؤلفاته يجدها غنية بآراء نقدية وفنية تشي برؤيته الفنية المتكاملة، وتجعل الباحث متحفزاً لدراستها.

إطلالة على الفارابي:

هو أبو نصر محمد بن أوزلغ بن طرخان الفارابي. ولد في مدينة فاراب سنو 870 م وإليها انتسب. لا يعرف شيء هام عن طفولته وشبابه غير أنه في حدود الأربعين من سنيه وفي عهد الخليفة المقتدر، وفد إلى بغداد للاتصال بأئمة الحكمة والتزيد من العلم. فانصرف إلى المطارحات اللغوية مع ابن السراج، وإلى دراسة المنطق على أبي بشر متى بن يونس. وبعد أن أقام على ذلك برهة، ارتحل إلى مدينة حران وفيها يوحنا بن حيلان الحكيم فأخذ عنه طرفا من المنطق أيضا، ثم قفل راجعا إلى بغداد مدينة السلام ، وفي مدينة السلام أكب على مطالعة الفلسفة واستخراج معانيها، فتناول بالدرس والشرح والتعليق جميع ما وصل إليه من كتب أرسطو. وقد وجد كتاب النفس للمعلم الأول وعليه بخط

     أبي نصر: إني قرأت هذا الكتاب مئة مرة. كما نقل عنه قوله: قرأت السماع الطبيعي لأرسطو طاليس الحكيم أربعين مرة وأرى أني محتاج إلى معاودة قراءته. ويروى عنه أنه سئل: من أعلم بهذا الشأن أنت أم أرسطة فأجاب: لو أدركته لكنت أكبر تلامذته.

الفارابي الموسوعي :

إن أهم ما يتميز به الفارابي ثقافته الواسعة ونزعته إلى الزهد والتصوف.أما ثقافته فتظهر في هذه الطائفة الكبرى من الكتب والرسائل التي ذكرت له وتدور موضوعاتها على مختلف العلوم المعروفة آنذاك، من الطبيعيات وما يتفرع عنها، إلى الإلهيات وعلوم الدين والاجتماع، إلى الموسيقى وقد روي عنه الأساطير في هذا الباب، وأنه اخترع الآلة الموسيقية المعروفة بالقانون ووضع كتابا في الموسيقى اسمه: كتاب الموسيقى الكبير. ويذكر ابن خلكان أن الفارابي كان يتقن سبعين لسانا، وعلى الرغم من المبالغة في هذا الرقم فإنه دليل على اتساع على هذه المعرفة.
وأما نزعته الصوفية فبارزة في كل أطوار حياته بشكل زهيد بالدنيا وانصراف شديد عن متعتها في المال والزوج والولد. وهذا النوع من القناعة والانغلاق على الذات هو الذي دعاه إلى عدم تدوين شيء مما يتصل بحياته وبأسرته، وإلى الاكتفاء عند سيف الدولة وهو الأمير الذي يهب ألف دينار على بيت جميل من الشعر، بأربعة دراهم في اليوم ينفقها فيما يحتاجه منضرورى العيش.
وضع الفارابي طائفة جليلة من الكتب والرسائل ضاع أكثرها وما وصلنا إلا القليل. ولم يقدر لهذه الكتب أن تنشر في الشرق والغرب انتشار كتب ابن سينا وابن رشد، فظلت مجهولة إلا من خاصة المعتنين بعلوم الفلسفة. حتى إذا كان القرنالتاسع عشر قام المستشرق ديترشي بجمع ما أمكنه من مخطوطاتها فدرسها وقدم لها وترجم بعضها إلى الألمانية ونشرها في سنتي 1890 و 1895 في مدينة ليدن بهولندا. بعض هذه الكتب شروح وبعضها تصانيف:من شروحه لأرسطو: البرهان، العبارة، القياس، الخطابة، الجدل، المقولات وسائر كتب المنطق، السماء والعالم، السماع الطبيعي، الآثار العلوية، الأخلاق. بالإضافة إلى شرح كتاب المجسطي لبطليموس، وكتاب إيساغوجي أو المدخل إلى علم المنطق لفرفوريوس الصوري، وسواهما. ومن تصانيفه: إحصاء العلوم، كتاب في الجمع بين رأيي الحكيمين أفلاطون وأرسطو طاليس، مقالة في معاني العقل، آراء أهل المدينة الفاضلة، كتاب السياسات المدنية، تحصيل السعادة، التعليقات، عيون المسائل، مسائل فلسفية وأجوبة عنها. ومجموعة واسعة من الرسائل والردود ( رسالة في ماهية النفس، الرد على الرازي، الرد على الراوندي).

الفارابي والموسيقى:
أما في الموسيقى فله المؤلفات التالية: كتاب الموسيقى الكبير، وكتاب في إحصاء الإيقاع، وكلام في النقلة، مضافا إلى الإيقاع، وكلام في الموسيقى، وكتاب إحصاء العلوم الذي يتضمن جزءا خاصا بعلم الموسيقى. والواضح أن الكتاب الأول أي كتاب الموسيقى الكبير هو أهم كتبه الموسيقية وهو الذي بقي موجودا في الوقت الحاضر وأمكن تحقيقه وطبعه وترجمته إلى اللغات الأوروبية.

ولقد اهتم الباحثون في أوروبا والبلاد العربية بهذا الكتاب لأسباب منها أنه الكتاب الوحيد للفارابي الموجود حاليا في علمالموسيقى، ولأنه من أهم كتب الموسيقى في تراثنا العربي، ولأنه يضم معلومات قيمة تتناول جوانب الموسيقى العربية اهتم الفارابي بها ودونها في كتابه هذا.
إن دراسة مؤلفات الفارابي لا سيما كتاب الموسيقى الكبير تعطينا صورة متكاملة عن البعد الفكري عند هذا النابغة ومفهومه للموسيقى.
يشير الفارابي إلى أن كلمة موسيقى في استعمالات اللغة العادية تدل على الألحان، واللحن هو ” كل مجموعة من النغم رتبت ترتيبا محددا منفردة أن مقترنة بالكلام”، ولكن الموسيقى من حيث هي صناعة أو فن شامل تشتمل على الألحان والمبادئ التي بها تلتئم وبها تصير أكمل وأجود. وليست صناعة الموسيقى إذا صناعة ألحان فحسب، وإنما تشتمل أيضا على الأسس النظرية التي تبنى عليها جودة الألحان وكمالها.
ويلجأ الفارابي في التفريع الذي يغلب على إحصاء العلوم إلى قسمة صناعة الموسيقى إلى صناعتين: الموسيقى النظرية والموسيقى العملية، فالموسيقى النظرية “هي هيئة تنطق عالمه بالألحان ولواحقها عن تصورات صادقة سابقة خاصة في النفس”. أما الموسيقى العملية “فهي كما توحي التسمية إحداث الألحان بأدائها أو صياغتها. والصناعة التي يقال إنها تشتمل على الألحان، منها ما اشتمالها عليها أن توجد الألحان التي تمت صياغتها محسوسة للسامعين، ومنها ما اشتمالها عليها أن تصوغها وتركبها وإن لم تقدر على أن توجدها محسوسة، وهذان جميعا يسميان صناعة الموسيقى العملية
ثم يوضح الفارابي العلاقة التي تجمع بين فني الموسيقى النظري والعملي، فهي علاقة وثيقة مزدوجة قوامها التحليل والتركيب، وهي تماثل الصلة التي تربط بين العلم الطبيعي وعلم النجوم، فصاحب العلم النظري يتبين ما هو طبيعي لسمع الإنسان من خلال الألحان التي يسمعها، فإذا طولب ببرهنة قضاياها أحال على المشتغلين بالموسيقى صياغة وأداء.. ولا ينقص ذلك من عمله”.
ثم يستطرد الفارابي إلى إعطاء نظريته في المقارنة بين موسيقى الإنسان وموسيقى الطبيعة فقال: “استحدث الإنسان الموسيقى تحقيقا وإيفاء لفطرته. إنها الفطرة المركزة في جبلّة الإنسان والتي تنتظم، فيما تنتظم، الفطرة الحيوانية التي من خصائصها التصويت تعبيرا عن أحوالها اللذيذة والمؤلمة. وتنتظم هذه الفطرة أيضا نزوع الإنسان إلى الراحة إذا تعب. ومن شأن الموسيقى أن تنسي الإنسان تعبه لأنها تلغي إحساسه بالزمان، ذلك الزمان الذي ترتبط به الحركة والتعب يأتي منها. ولأن فطرة الإنسان تدعوه للتعبير عن أحواله وأن ينشد راحته، وكانت هذه الترنيمات والتلحينات والتنغيمات تنشأ قليلا وفي زمان بعد زمان وفي قوم بعد قوم حتى تزايدت، فنشوء الموسيقى من نداء الفطرة، لكن الإنسان أخذ بعد ذلك يتحرى ما يماثل ترنماته في أجسام أخرى طبيعية وصناعية، وما من شأنه أن يجعلها أكثر بهاء وفخامة. فاهتدى إلى الآلات الموسيقية كالعود وغيره وأخذ الناس في تطوير هذه الآلات حتى تكون أكثر طواعية من إنجاز الغاية منها”
أما تأثير الموسيقى بالنفس فيقسم ذلك الفارابي إلى ثلاثة أنواع: “فهناك صنف من الموسيقى يكسب النفس لذة وراحة فحسب ويسميها الألحان المُلِذة، وهناك نوع ثان من الموسيقى يدعوه الفارابي بالألحان المخيلة لأنه يحدث في نفس الإنسان تخيلات وتصورات، مثل ما تفعل التذاويق والتماثيل المحسوسة بالبصر، أما النوع الثالث من الموسيقى فيستأثر باهتمامالفارابي ومناقشته في عدة مواضع، إنه الألحان الإنفعالية، فهي قد تزيل الإنفعال أو تنقصه لأن الإنفعال من شأنه أن يزول إذا بلغ أقصى غاياته”.
وهناك معايير للجمال في الموسيقى عند الفارابي والمبدأ الذي يسيطر على بحثه، هو أن الذوق الفني يتغير مع تعاقب الأجيال، ومن ثم فهو لا يتمتع بخاصية الثبات التي تجعله يخضع للبحث العقلي: “فليس سبيل الطبيعة من الألحان سبيل الشرائع والسنن التي ربما حمل الناس عليها أو أكثرهم في بعض الأزمان فيبتع بعضهم فيها بعضا فيستحسن على سبيل ما تستحسن المألوف من الأمور. غير أن ما هذه سبيله من مستحسن أو مستقبح لا يراعي كيفما اتفقت.

التجربة الجمالية عند الفارابي:

يعتبر الإحساس بالجمال، والميل إليه مسألة فطرية متجذرة في أعماق النفس البشرية، فالنفس الإنسانية السوية تميل إلى الجمال، وتشتاق إليه، وتنفر من القبح وتنأى عنه . إن الطبيعة الإنسانية تنجذب إلى كل ما هو جميل ، قال عليه السلام ” إن الله جميل يحب الجمال” والإحساس بالجمال والوله به ، واقتناء الأشياء الجميلة قد يقوم بها الإنسان تلقائيا بفعل ذالك الميل الفطري المتجذر في أعماق النفس.

وعرف البعض الجمالية “إن الجمالية، بمعناها الدقيق، تكمن في المعرفة المنشودة لمجرّد اللذة التي تتيحها لنا حدوث المعرفة [بانصبابها] على جميع الأشياء القابلة للانكشاف، وعلى جميع الذوات القادرة على المعرفة، وعلى التلذذ بهذه المعرفة. [فالجمالية بالتالي لا تستهدف الفن فحسب بل تتعداه.. إلى جميع كيفيات الجمال]».

وعطفاً على هذه النظرة الفسيحة، ومن إحدى هذه الكيفيات الجمالية تروم هذه المقالة، في عمومها، الإبانة عن الكيفية التي من خلالها استشعر أبو نصر الفارابي البعد الجمالي، وتمظهرت من خلالها تجربته الجمالية.

غير أن التجربة الجمالية التي  عند أبي نصر الفارابي ليست تجربة كان قد أودعها في إحدى مؤلفاته الفلسفية، بل هي تجربة  كامنة بين ثنايا كتبه ، وتتطلب جهد لاستخراجها .

إن أهم ما يميّز الفلسفة الفارابية نظرته الغائية للإنسان، التي جاءت وفق نزعة رومانسية صوفية، مزج فيها بين الفلسفة اليونانية والروح الشرقية الإسلامية، تمثّلت في سعي الإنسان الدؤوب إلى تحصيل السعادة القصوى في الدنيا والآخرة، واللذة القصوى التي تتولد عند إدراكه للكمال المطلق الذي هو أصل الجلال والجمال.

وإذا كان الجلال عند الفارابي يحصل من استشعارنا للذات والصفات والأفعال الإلهية، فإن الجمال هو السمة المشتركة بين كافة الموجودات، كل حسب درجات ومراتب وجوده. وكما أن الكمال في الجلال كائن فكذلك يكون الكمال في الجمال، «وإن كل موجود إنما كوّن ليبلغ أقصى الكمال الذي له أن يبلغه بحسب رتبته في الوجود الذي تخصه»؛ والكمال هو أصل للجلال والجمال، وذلك لأن كمال الشيء هو الذي يجعله جليلاً أو جميلاً وافتقاده يجعله قبيحاً؛ «فالجمال والبهاء والزينة -يقول الفارابي- في كل موجود هو أن يوجد وجوده الأفضل، ويحصل له كماله الأخير. وإذا كان الأول وجوده أفضل الوجود فجماله فائت لجمال كل ذي جمال».

يرى الفارابي أن للإنسان قوى منها القوة الناطقة التي تتلقى الصور من العقل الفعّال وبها تُدرك المعقولات وبها تميّز بين الجميل والقبيح، وهو في هذا الفهم نجده يجمع بين ما ذهب إليه أرسطو في نظريته في العقل وما ذهب إليه أفلاطون في نظرية المثل، إذ يذهب إلى أن اسم العقل الذي ذكره أرسطو في كتاب النفس يقال على أربعة أنحاء: عقل بالقوة وعقل بالفعل وعقل مستفاد وعقل فعّال، والمعرفة أول ما تبدأ مع العقل بالقوة، ذاته معدّة أو مستعدّة لأن تنتزع ماهيات الأشياء كلها وصورها دون موادها فتجعلها كلها صورة لها، أي تصير فيه بالفعل، ويصير العقل بالقوة عقلاً بالفعل، ومن هذه الإدراكات المجردة، يتكوّن العقل المستفاد الذي بوسعه إدراك المعقولات المجردة والصور المفارقة، ومتى بلغ العقل الإنساني هذه الدرجة لم يبقَ بينه وبين العقل الفعّال، الذي هو آخر العقول المفارقة السماوية [والمعروف عند الفارابي بواهب الصور] شيء آخر.. وهو من يُصيّر النفس الإنسانية في جوهرها عقلاً بالفعل أو يمكنها من تجريد الصور من موادها وإدراكها بالفعل.

والجمال عند الفارابي أوسع من الجلال من حيث المدلول، فإذا كان الجلال مرتبط بالذات والصفات والأفعال الإلهية، فإن الجمال مشترك بين جميع الموجودات وكل على حسب مراتب وجوده من نظرية الفيض أو الوجود؛ فمن ذلك أن الجمال في الموجود المعيّن أن يحصل له كماله الأخير، فكذلك فإن كمال الجمال المعنوي/ الروحي لا يحصل إلَّا في حصول كمال المعرفة النظرية المفضية إلى كمل اللذة والسعادة القصوى، ولهذا نجد الفارابي، وتوافقاً مع التصور الإسلامي للفن والجمال، يجعل من الألوهية مصدراً للجمال وبكيفية توافق إلى حدٍّ ما، ما ذهب إليه من بعدُ الفيلسوف الألماني هيجل، الذي رأى أن الجمال هو مظهر الله على الأرض، وهو إذ يفعل إنما وجدناه يحرر الفن من نظرية المحاكاة اليونانية للطبيعة، الأرسطية خاصة، التي جعلته شكلاً من أشكال المحاكاة للواقع.

وتبعاً لما سبق يرى الفارابي أن للفن دوراً هامًّا عليه أن يلعبه في الأمم وأهل المدن أو في المجتمع المدني والسياسة المدنية، ومن ثم فليس الفن، في نظره، لمجرد المتعة وإن كان لا يخلو منها، ولا لمجرد اللهو الأفلاطوني، إنما له مهمتان أساسيتان إحداهما أخلاقية وأخرى معرفية تعليمية، الغاية القصوى منهما السعادة القصوى؛ يقول أبو نصر الفارابي: «الأشياء الإنسانية التي إذا حصلت في الأمم وفي أهل المدن، حصلت لهم بها السعادة الدنيا في الحياة الأولى، والسعادة القصوى في الحياة الأخرى؛ أربعة: الفضائل النظرية والفضائل الفكرية والفضائل الخلقية والصناعات العملية»، وهي فضائل لم تكن لتحصل لدى الأمم وأهل المدن من دون أن تكتسي حلّة فنية جمالية تُرَغّب في المطلوب وتحقّق أهداف العملية التعليمية وتدفع بها إلى مصبها الأخير.

وتتجلى مظاهر التجربة الجمالية الفارابية في العملية التعليمية هي أن الفضائل النظرية هذه، ومنها المدنية، تتم بالقول فقط، وهو ما لا ينهض إلا من طريق التخييل والتمثيل. ويتم التعليم فيها للخاصة على أن «يؤخذوا بالتعلّم من صباهم على الترتيب الذي ذكره أفلاطون. [وإلى جانب هذا] ينبغي أن يعلّموا الأشياء النظرية بالطرق الإقناعية (وأن) كثيراً من النظرية يفهمونها بطريق التخييل؛ وهي التي لا سبيل إلى أن يعقلها الإنسان إلّا بعد أن يعقل معلومات كثيرة جدًّا؛ وهي المبادئ القصوى والمبادئ التي ليست هي جسمانية».

ومن هنا كان أيضاً اهتمام الفارابي بالبعد الفني – الجمالي في الأشياء المصنوعة؛ إذ الشيء المصنوع لا يقع في نفس طالبه إلّا بقدر جماله الذي هو غاية إتقانه، والذي من دونه لا يتلاءم وطبيعة النفس البشرية. فكما أن الفارابي جعل الأجمل هو الأنفع فكذلك جعل الأجمل هو الملائم؛ لأن اللذة الجمالية -كما يقول- لا تخلو من أن يحدثها إدراك الملائم، والذي هو، كما أشرنا، لا يعدو أن يكون ما تدركه النفس من ترتيب وإتقان في الصنعة يتلاءم مع ما جبلت عليه النفس البشرية من تشوّق نحو الكمال/ الجمال.

مودة».

وعطفاً عما سبق، نخلص إلى أن الفن/ الجمال لا يخلو من أن يكون، في نظر أبي نصر الفارابي، عملية تعليمية – تأديبية جادة تهدف إلى تحقيق القيّم الخيّرة في الأشياء الجميلة معنوية كانت أو حسية، ووفقاً لسلّم مراتب المدارك برهانية كانت أو إقناعية (جدلية) أو خطابية (نثرية/ شعرية) أو صناعية؛ والغرض من ذلك كله جعل الأمم وأهل المدن تنهض لطلبها حتى تستكمل كمالها وتحقق سعادتها القصوى إن في الدنيا وإن في الآخرة، وهذا أهم ما تميّزت به تجربته الجمالية.

اعتمدنا على : د محمد هشام النعسان و د مناد الطالب

أعده للنشر عبد الرحيم مفكير

عضو جمعية  مغرب الفن

 

 

 

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى