العلوم الطبية والطبيعية تنطق بلغة الضاد منهية سطوة الفرنسية

تزايدت في الآونة الأخيرة ظاهرة مناقشة الأطاريح العلمية والطبية باللغة العربية في الكليات والمعاهد المغربية، وكان اللافت في هذه الظاهرة أن فئات شابة انبرت بكل شجاعة لكسر سطوة الفرنسية وتحطيم مسلمة مفادها أن اللغة الأجنبية هي لغة العلوم، وأن اللغة العربية ليس بمقدورها منافسة (اللغات العلمية).

وتتمدد الظاهرة بشكل مستمر، حيث اختتمت كلية الطب والصيدلة بأكادير سنة 2023 بمناقشة أطروحتين باللغة العربية، الأولى أنجزها الطالب حمزة بوعيدة حول “العلاج الجراحي لسرطان المستقيم بجهة سوس ماسة”، والثانية أنجزتها الطالبة سهام العوادي حول “ابن زهر الطبيب في الأندلس -كتاب التيسير”.

وتصل هذه الظاهرة إلى كلية العلوم ظهر المهراز التابعة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس والتي افتتحت مطلع هذا العام بمناقشة أول أطروحة دكتوراه في فيزياء المواد باللغة العربية، حول “سلوك طاقة الترابط ودراسة السعة الحرارية المولية في المواد الصلبة” أعدادها الطالب الباحث محمد جغلاف.

منعطف تاريخي

ويعد هذا المسار استمرارا لطريق شهد أقوى منعطف فيه سنة 2016 حيث ناقش الدكتور أنس عياض أطروحة نيل الدكتوراه في الطب معنونة بـ”ترجمة درس الطب الشرعي من الفرنسية إلى العربية” بكلية الطب و الصيدلة بالرباط

وتعتبر هذه الأطروحة تطبيقا لقرار وزراء الصحة وعمداء كليات الطب في الدول العربية، وخبراء منظمة الصحة العالمية الذي قرر في تسعينيات القرن الماضي خلال اجتماعات عقدت بالخرطوم والقاهرة ودمشق حتى اعتماد اللغة العربية في تدريس الطب بكافة الدول العربية.

معطيات رقمية

وتفيد دراسة نشرتها الطبيبة إلهام السملالي الحسيني في المجلة الصحية المغربية بعنوان “حصيلة الأطروحات الطبية المغربية باللغة العربية” في شتنبر 2021، أن الجامعات المغربية عرفت مناقشة 243 أطروحة جامعية في الطب باللغة العربية منذ تأسيس أول كلية للطب بالمغرب إلى غاية منتصف 2021.

وتلاحظ السملالي أن وتيرة تقديم الأطروحات الطبية باللغة العربية كانت ضعيفة في الفترة ما بين 1981م و2012م، بنحو 51.2 أطروحة في المتوسط خلال السنة، لتنبه إلى ظهور طفرة أدت إلى تضاعف النسبة في الفترة ما بين 2013م و2021م، بنسبة 73.4 أطروحة سنويا.

ويظهرت بالبحث المكتبي أن الجهات المشرفة على البحث العلمي لا توفر إحصائيات رسمية ودقيقة تبين منحى الأطاريح العلمية والطبية المغربية. وإن وفرت الدراسة السالفة الذكر معطيات رقمية عن عدد الأطاريح المنجزة في كليات الطب باللغة العربية فإنه هذا الأمر يغيب في مجالات علمية أخرى.

المعرفة المجتمعية

وفي هذا هذا الشأن، يقول رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية فؤاد بوعلي “أعتقد أن مناقشة الأطروحات العلمية باللغة العربية ليست وليدة اليوم. فقد كانت منذ الاستقلال محاولات لفرض اللغة العربية ومناقشة الأطاريح في مختلف التخصصات العلمية الدقيقة والصحية وغيرها من التخصصات”.

ويرى عالم اللسانيات في تصريح لموقع “الإصلاح” أن التوجه لمناقشة الطاريح باللغة العربية يثبت أمرا أساسيا ألا وهو أن قضية لغة التدريس غدت قضية محورية في إصلاح التعليم وفي النهوض بالتنمية والمعرفة المجتمعية.

التقدم واللغة الأم

ويعتبر نائب رئيس الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب هذه المناقشات بمثابة إثبات للذين يعيبون أو يتهمون اللغة العربية بالقصور لكونها لا تتوفر على مصطلحات علمية أو صحية أو طبية، مشيرا إلى أن هذه أمور متجاوزة.

ويشير بوعلي إلى التراكم الذي تتحقق للغة العربية بفضل مكتب تنسيق التعريب والأكسو أو غيرهما من المنظمات والمخابر والشعب يثبت أن اللغة العربية قادرة كلغة طبيعية على استيعاب المعارف والعلوم الحديثة، قائلا “لذلك هذه الأطاريح أو المناقشات تثبت هذا الأمر بشكل لا لبس فيه”.

التفكير الإصلاحي

ويقول “النقطة الثانية التي تثبتها هذه الأطاريح هي أن قضية لغة التدريس أو تدريس العلوم باللغات الأجنبية لم ينس الشباب المغاربة ولم ينس المغاربة بشكل عام حبهم للغة العربية وقناعتهم بأنها اللغة الأجدر بأن تكون لغة التدريس ولغة التعلم”.

ويذهب بوعلي إلى أن هذا دليل على أن ما ينجز الآن وما تقوم به مختلف الإدارات من فرض للغة الفرنسية هو خارج السياق المجتمعي والقطاع الطبي بالخصوص، قائلا إن “التفكير الجدي والاستراتيجي والإصلاحي ينبغي أن ينطلق من إصلاح وضع لغة التدريس الذي أصبح كارثيا والذي جعلنا نتذيل ترتيب الدول في العالم وفي تصنيف الجامعات العالمية”.

موقع الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى