العقد الثالث للقضاء على الفقر – عبد الرحيم مفكير

اليوم الدولي للقضاء على الفقر:

يعود الاحتفال باليوم الدولي للقضاء على الفقر إلى تاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر من عام 1987، حينما اجتمع ما يزيد على مائة ألف شخص تكريماً لضحايا الفقر المدقع والعنف والجوع، وذلك في ساحة تروكاديرو بباريس، التي وقع فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948. وقد أعلنوا أن الفقر يعد انتهاكا لحقوق الإنسان وأكدوا الحاجة إلى التضافر بغية ضمان احترام تلك الحقوق. وقد نُوقشت تلك الآراء على النصب التذكاري الذي رُفع عنه الستار ذلك اليوم. ومنذئذ، يتجمع كل عام في السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر أفراد من شتى المشارب والمعتقدات والأصول الاجتماعية لتجديد التزامهم إزاء الفقراء والإعراب عن تضامنهم معهم.

وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار 47/196(link is external)، الذي اعتمدته بتاريخ 22 كانون الثاني/يناير 1992، السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر، يوماً دولياً للقضاء على الفقر.

وإن اليونسكو على يقين بأن محاربة الفقر على نحو مستدام تتطلب تعزيز قدرات الأفراد من خلال التعليم والعلم ودعم الاقتصاد الإبداعي، باعتبارها عوامل مولدة لفرص العمل ومعززة للشعور بالفخر والكرامة. وتسخر اليونسكو خبراتها في سبيل تحقيق أهداف التنمية المستدامة الواردة في خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030، وفي مقدمتها الهدف 1 المعني “بالقضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان.”

‏فإن إنهاء الفقر لا يقتصر على مساعدة الفقراء بل يتعدّاه إلى تهيئة فرصة العيش الكريم لكل امرأة ولكل رجل. وبالقضاء على الفقر سيتغيَّر وجه البشرية جمعاء.

حقائق حول الفقر في العالم:

يعيش أكثر من ثلاثة مليارات شخص؛ أي ما يقارب من نصف سكّان الأرض على أقل من 2.50 دولار في اليوم، وأكثر من مليار وثلاثمائة ألف شخص يعيشون في فقر مدقع؛ حيث يبلغ مقدار دخلهم اليومي أقل من 1.25 دولار. كما يعيش حوالي مليار طفل في العالم في فقر، ويموت اثنان وعشرون ألف شخص يومياً من الفقر. ويعتبر حوالي 805 مليون شخص ليس لديهم ما يكفي من الطعام. يفتقر أكثر من 750 مليون شخص إلى المياه الصالحة للشرب. تعريف الفقر يشير مفهوم الفقر إلى عدم قدرة الشخص على تلبية احتياجاته الأساسية، بحيث تعتبر تلك الحاجات الأساسية ضرورية من أجل البقاء على قيد الحياة، ويكون الشخص في حالة الفقر عندما لا يمتلك ما يكفيه من المال، وليس عنده ممتلكات شخصية. (“International Day for the Eradication of Poverty 17 October”, www.un.org, Retrieved 14-3-2019.Edited.↑ “11 FACTS ABOUT GLOBAL POVERTY”, www.dosomething.org, Retrieved 14-3-2019.Edited.↑ “Poverty”, www.britannica.com, Retrieved 14-3-2019.Edited. )

و في الوقت الذي شرع فيه المجتمع الدولي في العقد الثالث للقضاء على الفقر، أفادت التقديرات أن عدد الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 1.9 دولار يوميا بلغ 783 مليون شخص في عام 2013، بينما كان عددهم 1867 بليون شخص في عام 1990. وقد شهدت البلدان النامية نموا اقتصاديا ملحوظا منذ عام 2000، حيث زادت سرعة نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لديها عن تلك المسجلة في البلدان المتقدمة النمو. وساهم هذا النمو الاقتصادي في الحد من الفقر وتحسين مستويات المعيشة. وسُجلت إنجازات كذلك في مجالات من قبيل إيجاد فرص العمل، وتحقيق المساواة بين الجنسين، والتعليم والرعاية الصحية، وتدابير الحماية الاجتماعية، والزراعة والتنمية الريفية، والتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره.

كوفيد – 19 والفقر العالمي:

تشير تقديرات التأثير الاقتصادي قصير المدى المحتمل لفيروس كورونا على الفقر النقدي العالمي من خلال الانكماش في دخل الأسرة أو الاستهلاك الفردي إلى أن كوفيد – 19 يشكل تحديًا حقيقيًا لهدف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة المتمثل في القضاء على الفقر بحلول عام 2030، حيث أن من المحتمل أن يزيد معدل الفقر العالمي للمرة الأولى منذ عام 1990. واعتمادًا على خط الفقر المعتمد، يمكن أن تمثل هذه الزيادة انتكاسة لما أُحرز من تقدم  في أرجاء العالم في ما يتصل بالحد من الفقر والقضاء عليه. وفي بعض المناطق، يمكن أن تؤدي الآثار السلبية إلى وصول مستويات الفقر إلى مستويات مماثلة لما سُجّل قبل 30 عامًا. وفي ظل الاحتمالات الأقل تفاؤلا في ما يتصل بإمكان وقوع انكماش في الدخل أو الاستهلاك بنسبة 20 في المائة، فإن عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر  ربما يزيد بمقدار 420 إلى 580 مليونًا، مقارنةً بآخر الأرقام الرسمية المسجلة لعام 2018.

وضع حدٍ للفقر بحلول عام 2030:

يمكن القيام بذلك. “بناء مستقبلٍ مستدام: العمل معاً للقضاء على الفقر والتمييز”

لا يزال الفقر المدقع يشكل آفةً تؤثر على حياة مئات ملايين الأسر والمجتمعات في جميع أرجاء المعمورة. وتشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى عدم قدرة 780 مليون عامل وعاملة على كسب ما يكفي للارتقاء بأنفسهم وأسرهم إلى ما فوق خط الفقر الذي يبلغ دولارين يومياً. وهذا الرقم يعادل ثلث عدد العمال في الدول النامية.

كما يعيش ربع عمال البلدان النامية على 2-4 دولارات يومياً. وهذه المجموعة التي تقبع قرب خط الفقر معرضةٌ باستمرار لخطر الانزلاق نحو براثن الفقر إذا لم تتمكن من العمل جراء اعتلال الصحة على سبيل المثال.وسينضم بين عامي 2015 و2030 نحو 570 مليون شاب وشابة إلى قوة العمل في العالم، خاصةً في أفريقيا وجنوب آسيا.

ويُعتبر العمل اللائق سر نجاح القضاء على الفقر بأسوأ أشكاله تطرفاً فضلاً عن تغيير حياة الملايين. كما يُعتبر خلق ما يكفي من فرص العمل اللائقة تحقيقاً لهذا الهدف تحدياً هائلاً. علاوةً على ذلك يعاني كثيرٌ من الفقراء من أشكالٍ أخرى من التمييز على أساس الجنس أو العرق أو غيرها. ويعرقل استمرار هذا التمييز الجهود الرامية إلى القضاء على الفقر المدقع.

ويعكس اليوم الدولي للقضاء على الفقر لهذا العام الذي يأتي تحت عنوان “بناء مستقبلٍ مستدام: العمل معاً للقضاء على الفقر والتمييز” رؤية جدول أعمال التنمية المستدامة لعام 2030 الذي أقره قادة العالم في شهر أيلول في مؤتمر قمة الأمم المتحدة والذي جاء فيه : “نعتزم العمل من الآن وحتى عام 2030 للقضاء على الفقر والجوع في كل مكان، ومكافحة أشكال عدم المساواة داخل البلدان وفي ما بينها، وبناء مجتمعاتٍ مسالمة وعادلة وشاملة للجميع، وحماية حقوق الإنسان والعمل على تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات، وكفالة الحماية الدائمة للأرض ومواردها الطبيعية. ونعقد العزم أيضاً على تهيئة الظروف المناسبة للنمو الاقتصادي المستدام والمطرد الذي يشمل الجميع وللازدهار العميم وتوافر فرص العمل اللائق للجميع مع مراعاة مختلف مستويات التنمية والقدرات الوطنية”. (الفقرة 3).

وتستدعي تلك التعهدات للقضاء على الفقر المدقع اتخاذ الدول والمجتمع الدولي إجراءاتٍ حازمة.

وينبغي أن يغدو إنهاء التمييز بكافة أشكاله في مكان العمل وخارجه جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيات بناء المجتمعات الشاملة وفق شروطٍ تلبي معايير العدالة الاجتماعية. ويعيق التمييز ملايين الناس من إيجاد موطئ قدمٍ لهم في وظائف آمنة وذات أجرٍ ملائم. ولا يُعتبر هذا ظلماً فحسب، بل وانتهاكاً لحقوق الإنسان أيضاً ومضيعةً لمواهب وجهودٍ بشرية تشتد الحاجة إليها. ويُعتبر احترام حقوق الإنسان، ومنها المبادئ والحقوق الأساسية في العمل، ركيزةً أساسية لتحقيق تنميةٍ مستدامة تقضي على الفقر.

لذلك، ينبغي وبعزمٍ لا يلين الالتزام بتعهدات جدول أعمال عام 2030 التي قُطعت حمايةً لحقوق الإنسان وتعزيزاً للمساواة بين الجنسين.

ومنظمة العمل الدولية على أهبة الاستعداد للاضطلاع بمسؤولياتها مع أسرة الأمم المتحدة بغية “تعزيز النمو الاقتصادي المطرد والشامل للجميع والمستدام، والعمالة الكاملة المنتجة، وتوفير العمل اللائق للجميع” وفق ما نص عليه الهدف الثامن من جدول أعمال عام 2030. ونحن نضع منهجيتنا للعمل اللائق بما يلائم تحديات هذا الهدف وغيره من أهداف التنمية المستدامة. وتشمل منهجية العمل اللائق، إلى جانب فرص العمل والحقوق، الحماية الاجتماعية، والحماية عندما يغدو الناس غير قادرين على العمل وكسب دخل كافٍ للبقاء بعيداً عن براثن الفقر، فضلاً عن إيجاد أرضيةٍ تقي من ظهور الفقر.

وقد جعلت منظمة العمل الدولية “إنهاء الفقر” إحدى مبادراتنا السبع الاحتفالية التي تحتفي بالذكرى المئوية لتأسيسها في عام 2019. ويشكل عملنا من خلال هذه المبادرة الجهود التي تبذلها منظمة العمل الدولية دعماً لتنفيذ جدول أعمال عام 2030.

وفيما نتطلع قُدماً، دعونا نضع في اعتبارنا أنه يمكننا معاً وضع حدٍّ للفقر المدقع بحلول عام 2030 ولكن ليس من خلال أنماط العمل المعتادة. ولا بد بالتأكيد وبسرعةٍ من عكس الاتجاه الحالي لتباطؤ النمو، بيد أن الأدلة تشير إلى أن النمو وحده لا يكفي. والارتقاء إلى مستوى الالتزامات يعني إعطاء قيمةٍ متساوية للسياسات والإجراءات التي تعالِج أيضاً تحديات البطالة، والبطالة المقنعة، والضعف الحاد، وعدم وصول الأصوات، وإنكار الحقوق.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى