الشيخ زحل: أحد رواد الحركة الإسلامية بالمغرب ومؤسس مجلة الفرقان
ولد العلامة محمد بن أحمد زحل سنة 1943م – 1363هـ في بلدة تيلوى دوار إكوزلن، فرقة أيت بها، قبيلة نكنافة حاحة الشمالية الغربية فرع من قبائل حاحة الكبرى التي تمتد بمفهومها الحديث فيما بين الصويرة ومدينة أڭادير على الساحل الغربي للمحيط الأطلسي.
وبسبب نموه البطيئ و بنيته الشديدة الهزال لم يشرع والده في تعليمه مبادئ القراءة و الكتابة إلا في سنة 1950م حيث تعلم مبادئ القراءة و الكتابة على يد والده رحمه الله و بدأ بحفظ كتاب الله بدءا من قصار السور من آخر المصحف كما جرت العادة و العرف و ما إن وصل إلى سور تبارك الملك حتى أصيب بشلل تام منعه من الدراسة و حال بينه و بين القيام على رجله، وبقي أسير الشلل ثلاث سنوات إلى آخر سنة 1953م وهي السنة التي نفي فيها السلطان محمد الخامس و أسرته خارج الوطن،
استأنف حفظ كتاب الله تحت رعاية والده رحمه الله فأتقنه وأحكمه لفظا ورسما في سنتين ونصف بحيث لم يأت النصف الأخير من سنة 1956م وهي فجر الاستقلال حيث بعثه إلى المدرسة الجزولية لتعلم مبادئ العربية والفقه ومفاتيح العلوم الأخرى تحت رعاية الشيخ أحمد بن عبد الرحمان السليماني الحسني ولما وحفظ على يديه كثيرا من المتون في العربية و الفقه كالاجرومية ونظمي الزواوي والجمل ولامية الأفعال وألفية ابن مالك وتحفة ابن عاصم ومتن المرشد المعين ومتن الرسالة لابن أبي زيد القيرواني وبعض المتون الأدبية، كما حضر أيضا شرح كثير من هذه المتون صحبة زملائه الطلاب و تلقى عنه رحمه الله ومكث عنده سنة وبضعة أشهر.
ثم طلب من والده رحمهما الله أن يأذن له بالالتحاق بالمدرسة الهاشمية بتنمار، وكان اسم الشيخ الذي يديرها و يدرس فيها هو العلامة البشير بن عبد الرحمان السوسي البرحيلي المنبهي الملقب بتوفيق وهو والد الدكتور محمد عز الدين توفيق الأستاذ الداعية المعروف، و قد استفاد من علمه و أدبه وخلقه وسمته ونفعنه الله بذلك.
ثم التحق بعد سنة أخرى بالمعهد الإسلامي بتارودانت الذي بناه المحسن الكبير «الحاج عبد السوسي» و تديره جمعية علماء سوس، و كان من الأساتذة الذين تلقيى عنهم في هذا المعهد في مختلف العلوم والفنون جماعة منهم محمد السرغيني والطيب الباعمراني وعبد المالك أزنير وعبد الرحمان الرسموكي وأحمد الوجاني البودراري وأحمد العدوي وغيرهم، ثم غادر تارودانت بعد سنتين متجها إلى مدينة مراكش حيث التحق بكلية ابن يوسف ذات الصيت الذائع والتاريخ العريق وأخذ فيها عن شيوخ نظاميين كانوا يتولون التدريس في الكلية وآخرين غير نظاميين كانت لهم دروس خاصة في المساجد. فمن الأولين الشيوخ: الحسين راغب، وأحمد أملاح، وحسن جبران، وعمر فوزي والمختار السباعي، و محمد التازي ومحمد الحيحي المعروف ببزي وغيرهم، و من الآخرين غير النظاميين، العلامة الرحالي فاروق رئيس المجلس العلمي بمراكش، و عبد السلام جبران، و القاضي عبد السلام السرغيني و غيرهم.
ثم تخرج من كلية ابن يوسف في منتصف سنة 1963م. واتجه إلى مدينة الدار البيضاء العاصمة الإقتصادية للمملكة حيث شارك في مباراة مدرسة المعلمين دورة شتنبر ونجح صحبة مجموعة من الزملاء ممن درسوا معه بمراكش وبعد سنة من التكوين في الدروس النظرية والعلمية تخرج بنجاح وتفوق مما خوله التعليم بنفس المدينة وكان نشاطه مزدوجا حافلا متواصلا، فكان يقوم بالتدريس في المدارس الحكومية ويمارس الدعوة في المساجد والأندية ودور الشباب والجمعيات الثقافية. وهكذا خطب الجمعة في مساجد: جامع الحجر بدرب غلف، ومسجد الحاج علي الهواري بالقريعة ومسجد السنة بدرب الطلباء وجامع الشهداء بالحي المحمدي .
وألقى دروسا متوالية طويلة الأمد في كل من المسجد اليوسفي بقرية الأحباس والمسجد المحمدي بها ومسجد الفوارات بالحي المحمدي، والجامع العتيق بعين الشق ومسجد الحفاري بدرب السلطان ومسجد بين المدن ومسجد التوحيد، بحيث ابتدأ تفسير القرآن العظيم سنة 1976م من سورة الفاتحة وانتهى سنة (2008م) إلى سورة الحشر.
كما شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب داعية التوحيد في نجد والجزيرة، في مسجد الفوارات.
ودرَس آيات الأحكام في المسجد اليوسفي، كما فسر سور المفصل فيه وفي المسجد المحمدي، وباشر شرح صحيح الإمام مسلم على امتداد سنتين في جامع الشهداء الذي كان خطيبه أيضا.
ودرَس جزءا كبيرا من جامع الترمذي في مسجد الفوارات. وشرح صحيح البخاري على امتداد ثلاث عشرة سنة في جامع عين الشق العتيق من أوله إلى كتاب المظالم.
وشارك في تأسيس الحركة الإسلامية أوائل السبعينات بمعية عبد الكريم مطيع وإبراهيم كمال وعبد اللطيف عدنان وعلال العمراني وعمر عصامي وإدريس شاهين وآخرين,
وأسس مجلة الفرقان سنة 1984م وأدارها عشر سنوات بمعية الدكتور سعد الدين العثماني وكتب فيها مقالات مختلفة ونبذا من تفسير آيات الأحكام . كما عمل في جمعية أنصار الإسلام صحبة الفقيه العلامة محمد مفضال السرغيني والأستاذ محمد الجبلي وكان كاتبا في التوجيه الإسلامي في جمعية شباب الدعوة الإسلامية التي كان مركزها في عين الشق وكان عضوا في رابطة علماء المغرب وحضر مِؤتمرها السابع بمدينة أكادير صحبة المرحوم إدريس الجاي ومحمد فوزي وأحمد العمري كما حضر مؤتمر اتحاد الطلبة المسلمين في أوربا فرع إسبانيا في مخيم الفكار بضاحية غرناطة سنة 1972م وألقى فيه قصيدة صحبة الأساتذة عبد الكريم مطيع وإبراهيم كمال، كان من جملة من كان معه في هذا المؤتمر، الأستاذ زهير الشاويش رئيس المكتب الإسلامي ببيروت والعلامة محدث الشام الأستاذ ناصر الدين الألباني وقد دام المؤِتمر أسبوعا كاملا، وهو عضو مؤسس بمنظمة الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
وتوفي الشيخ محمد زحل يوم الأربعاء فاتح ذي الحجة 1438 هـ/ 23 غشت 2017م بمدينة الدار البيضاء.
الإصلاح