مقالات رأي

الجماعات الترابية وسؤال المراجعة؟ – نورالدين قربال

تأملات دستورية:

ورد في الباب التاسع من دستور2011 العنوان التالي: الجهة والجماعات الترابية الأخرى. العلة في هذه الصدارة للجهة راجع لأمرين: أولهما السبق في إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، وثانيهما التصاميم الجهوية لإعداد التراب. توضيح لما ذكر فلا جدوى من برامج بدون وجود تصاميم جهوية لإعداد التراب. في حالة وضع برنامج قبل إصدار هذه التصاميم فيلزم القانون تحيين البرنامج بناء على التصميم. من جهة أخرى يلزم استحضار التوجهات العامة للبرنامج الحكومي أثناء وضع البرامج التنموية الجهوية، كما يلزم على الجماعات استحضار التوجهات المحددة جهويا، حتى نكون في مستوى التناغم الحقيقي بين اللامركزية واللاتمركز الإداري.

كما نص الدستور على اعتماد التسيير الديمقراطي أثناء مداولات الجماعات الترابية، ومن المبادئ التي نص عليها الدستور في هذا المقام: التدبير الحر، التعاون والتضامن، ومشاركة السكان في تدبير شؤونهم ومساهمتهم في التنمية البشرية والمندمجة والمستدامة. كما يلزم النص الدستوري على تفعيل السياسات الترابية من خلال ممثليها في مجلس المستشارين. داعيا إلى اعتماد آليات تشاركية للحوار والتشاور من اجل إشراك المواطنات والمواطنين في إعداد برامج التنمية وتتبعها.

في هذا الإطار يمكن مشاركة الساكنة في اقتراح نقطة نظام تدرج بجدول أعمال بناء على مقتضيات قانونية. كما أكد النص الدستوري على مبدأ التفريع الذي يعتمد على اختصاصات ذاتية، واختصاصات مشتركة مع الدولة، واختصاصات منقولة من هذه الأخيرة. للمجالس الجماعية سلطة تنظيمية لممارسة صلاحياتها، ويؤشر الدستور للولاة والعمال سلطة مركزية من خلال، تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية، ومساعدة الرؤساء على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية، وتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة. بعد هذه الإطلالة الدستورية ماذا عن القانون التنظيمي 14.113 المتعلق بالجماعات؟

القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات

لا يمكن تحقيق تنمية ترابية متكاملة إلا بالتنسيق بين اللامركزية التي صدرت بقوانين تنظيمية، واللاتمركز الإداري الذي صدر بمرسوم. لكن من خلال الدراسة الميدانية نلمس أن اللاتمركز الإداري هو سيد الميدان، وأعطته المذكرات الحكومية الصدارة على مستوى البناء الترابي، وأصبحت اللامركزية تحضر فقط الوعاء المالي للمشاريع المقترحة من قبل اللاتمركز الإداري. بناء على تأويلات دستورية لما يصطلح عليه بالسلطة المركزية والسلطة التنظيمية. من تم تطرح الأسئلة التالية: هل وحدة المدينة حققت أهدافها أم فشلت في ذلك لاعتبارات سياسية؟ ما نصيب الاختيار المركزي لسنة 2021 في النتائج التي تجنى اليوم والتي عبر عنها الخطاب الملكي بالسرعتين؟ إلى أي حد تمت تنمية الديمقراطية المحلية في إطار اللاتوازن بين اللامركزية واللاتمركز الإداري؟ هل أخذ مبدأ التدبير الحر حقه في التداول أثناء الممارسة الترابية أم أن التأويلات الضيقة قلصت من وجوده؟ بماذا نفسر اتساع الفوارق الاجتماعية والمجالية الترابية؟ إن التدبير الحر منظومة فكرية قبل أن يكون إجراء قانونيا باعتباره متناسبا مع الشخصية الاعتبارية للجماعات الترابية. إن المتتبع لممارسة اللامركزية في علاقتها باللاتمركز الإداري ترابيا يجعله حيران من الجوانب الضيقة المرسومة للأولى إداريا وماليا، مما يعوق روح الاستقلالية الواجب توفرها، باعتبارها مؤشرا على التدبير الديمقراطي على مستوى سلطة التداول والتنفيذ. بذلك أصيب الترابط بين الحكامة والتدبير الحر بالعطب، من تم يتساءل المواطنون على المساواة في ولوج المرافق العمومية، وجودة الخدمات، والديمقراطية، والشفافية، والمحاسبة، والمسؤولية.

إن التكاملية بين اللاتمركز الإداري واللامركزية في توفير سيادة القانون يضمن التشارك الحقيقي، والفعالية والنزاهة. للتذكير فالدستور ينص على أن التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي يقوم على الجهوية المتقدمة. لقد ربط النص القانوني بين مالية الجماعات الترابية بالتدبير الحر والتنمية المستدامة والمندمجة اقتصاديا واجتماعيا وسياسة القرب. مركزا على تطبيق قواعد الحكامة الجيدة في التدبير المالي.

يجب ألا نخضع الرقابة والمواكبة إلى مبدأ الانشطارية، لأنه لا يمكن تطبيق هذه المتابعة إذا منعت اللامركزية من التدبير الحر، الذي يساهم في إضفاء الشرعية والمشروعية على الامن القانوني وتنمية القدرات، من تم هناك ضرورة ملحة لتطوير المؤهلات التدبيرية المشروعة كل من زاوية المسؤولية الملقاة على عاتقه.

إننا في حاجة ملحة لاحترام الاختيار الديمقراطي من أجل إحداث التكاملية بين اللامركزية واللاتمركز الإداري بغية: تحسين جودة العيش في أفق التنمية المستدامة، وتعزيز البنيات التحتية واللوجستيك، والحكامة المالية والإدارية، وتفعيل الآليات التشاركية للحوار والتشاور، والاهتمام بالتعمير وتثمين الممتلكات، ثم التحضير الدائم لمواجهة الطوارئ لا قدر الله، وتنمية الديمقراطية المحلية

المقاطعات الترابية

لقد تضمن القانون التنظيمي للجماعات الترابية سبعة أبواب، وخصص الباب السادس للمقاطعات، وهذا الترتيب له ما له من دلالات. أولها أن المقاطعات مجردة من الشخصية الاعتبارية، كما تتشكل من فئتين الأولى ممثلة بالجماعة والمقاطعة والأخرى ممثلة فقط بالمقاطعة. إضافة إلى المجانية باستثناء تلك التي ينص عليها القانون. في حالة النزاع داخل المقاطعة فإن الجماعة تدبر المقاطعة، وإذا حل المجلس الجماعي مقاطعة معينة تحل كل المقاطعات. أما أدوارها فتنحصر في إبداء الرأي، وتقديم اقتراحات، وملتمسات ويشترط فيها ألا تكون ذات الطبيعة السياسية. والسؤال المطروح بماذا يشتغل الحزب السياسي؟ أما عندما تنتهي الدورة ويهيأ المحضر فيسلم لرئيس الجماعة الذي يحوله إلى العامل. إذن كل ما تقوم به المقاطعة يكون تحت مسؤولية ومراقبة المجلس الجماعي، وإذا وقع خلاف بين المقاطعة والجماعة حول التجهيزات فالسلطة الترابية هي المكلفة بالتدخل من أجل الفصل.

لا يمكن تصرف المقاطعات في الهبات والمساعدات بدون عرضها على رئيس المجلس الجماعي. أما الانتخابات فحضور ممثل المقاطعة في اللجن المعنية يتم بتفويض من قبل رئيس المجلس الجماعي. أما المخصص المالي المتعلق بالمقاطعات لا يقل عن 10 في المئة، يقسم على مجالين التنشيط والتدبير، والملاحظ أن التنشيط تخصص له النسبة الضعيفة رغم أن مجالاته مهمة بالنسبة للمجتمع خاصة البعد الثقافي الذي يساهم في عقلنة الفعل الترابي.

إن العنوان الكبير المتعلق بالمقاطعة هو التسيير، ما عدا الموظفين، أما الاستثمارات فهي متعلقة بالمجلس الجماعي إلا إذا عين رئيس الجماعة رئيس المقاطعة آمرا بالصرف مساعدا، ويكون الأمر متعلقا بتجهيزات القرب. كما أنه أي الرئيس يعين الموظفين. تبقى الأملاك المنقولة والعقارات رهن إشارة مجلس المقاطعة من أجل مزاولة صلاحياتها. أما التفويض بالنسبة لرئيس المقاطعة مرتبط بالمهام والصلاحيات دون الإمضاء. بناء على المادتين من القانون التنظيمي للجماعات 103 و104.

إن رئيس المقاطعة ينتظر تفويضا من رئيس المجلس الجماعي حتى في قضايا القرب نحو الحالة المدنية وصحة الإمضاء، كما أنها لا تتوفر على هامش من المداخيل، ولم يبدأ التجهيز المحتشم بالمقاطعات إلا بعد صدور قرار مشترك بين وزارتي الداخلية والمالية سنة 2019. رغم ضعف التبويبات المخصصة للتنشيط المحلي خاصة على المستوى الاجتماعي مع الإشارة أن رئيس المقاطعة ليس آمرا بالصرف في المداخيل.

لقد بدأ العمل بالتدبير المندمج للنفقات منذ 2014، وقد يقع ارتباك بين المراقبة والفعل المالي داخل المقاطعات لاعتبارات إدارية. نفس الأمر بالنسبة للعمل بشواهد التصنيف في صفقات الاشغال الذي انطلق العمل به منذ 2017 دون الأخذ بعين الاعتبار التأهيل الفعلي للمقاولة عن طريق برامج حكومية. أما الأسواق الموضوعة بتراب المقاطعة فهي مندمجة ضمن اختصاصات الرئيس من حيث الإبرام والمراجعة والأكرية وعقود الإيجار.

إن هدفنا من هذا العرض المتواضع هودعوة إلى تقويم وتقييم التجربة بناء على معطيات واقعية على مستوى الفعل والممارسة، والتوازن بين اللامركزية واللاتمركز الإداري، ومبدأ التدبير الحر خاصة ونحن على وشك تحيين مشروع الحكم الذاتي وتنزيله تحت السيادة المغربية، وتشكل السياسة تيمة مركزية في هذا الباب من خلال الاختيار الديمقراطي الذي أصبح ثابتا من ثوابت الأمة.

أخبار / مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى