الاغتراب الأسري

تقديم :

يشكل الاغتراب إحدى تهديدات التماسك الأسري، والقضاء على الفطرة الإنسانية، وإن من أهم التحديات التي تعرفها الأسرة في عصرنا الحالي بروز ظاهرة الاغتراب الأسري، فماذا يعني هذا المفهوم؟ وما أسبابه؟ وما أثره على التماسك الأسري؟ وكيف يمكن تجاوزه؟

أهمية الأسرة ومكانتها:

إن الأسرة نظام إنساني أكد الإسلام على ضرورته، وهي اللبنة في بناء المجتمع، وقد أولتها الشريعة السمحة من الرعاية والاهتمام ما يجعلها تتبوأ المكانة اللائقة بها، لتنطلق نحو آفاق أرحب من العزة والكرامة والعمل الصالح المفيد، فهي آية من آيات الله تعالى“ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون“ الروم 21. وهي الخلية الأساسية في المجتمع، لما لها من دور عظيم في تنشئة الإنسان، وتأهيله للاضطلاع بوظائفه والنهوض بمسؤولياته في نطاق رؤية تلتقي فيها عوالم الغيب بعوالم الشهادة، وينسجم فيها الإنسان المستخلف مع الكون المسخر، ويتكامل   فيها العقل المؤيد بالوحي بشواهد النظر في الملكوت والنفوس، ولا تتعارض فيها مطلق العبودية لله والخضوع له مع منتهى الحرية والاختيار والمسؤولية في أداء أمانة الاستخلاف والإعمار.

وقد أحاطت الشريعة الإسلامية الأسرة بعناية كبيرة جعلتها قائمة على علاقة الزوجية، ومرتكزة على قيم المودة والرحمة والتعاون والتكامل في ظل اعتراف بوحدة الأصل في الخلق مع تمايز في القدرات والاستعدادات وتنوع في الأدوار وتكامل في الوظائف.

وتعتبر الأسرة أهم مؤسسة تنطلق منها التربية وتقع على عاتقها مسؤولية الفرد في أهم مراحل حياته وغرس الفضائل والمثل الأعلى لديه، فالأسرة هي مقياس رقي الفرد والمجتمع.  ومعلوم أن للأسرة أهمية متميزة في بناء المجتمعات وتحصينها وتماسكها، وكل خلل فيه يندر بالتدهور والتفكك والاندحار الحضاري.

وقد عرفت الأسرة المغربية اليوم، كما هو الشأن في العالم الإسلامي، العديد من التحديات والاختلالات، وذهاب القيم وضعفها، مما طرح التساؤلات عن سبل إعادة الاعتبار لها، وكيف يمكن رسم معالم أسرة متماسكة ومضطلعة بأدوارها التربوية والرسالية أسرة تتحمل المسؤولية، وتقاوم معاول الهدم، وترعى فيها الأبناء، ويوقر فيها الآباء، وتكرم فيها النساء، ونتجاوز فيها الاغتراب الأسري وتهديداته على تمساكها وقوتها، والوقوف أمام كل معاول هدم حصونها من الداخل.

الانتماء الأسري .. نزعة فطرية :

الانتماء بمفهومه البسيط يعني الارتباط والانسجام.. وعندما يفتقد الانتماء ذلك المعنى فهذا يعني أن هناك خللاً ومع هذا الخلل قد تسقط صفة الانتماء.. والإنسان منذ ولادته تولد معه نزعة الانتماء.. انتماء إلى صدر أمه ثم أبيه ونسبه وجذور عائلته. الأسرة أو العائلة هي الجماعة الأولى التي تتلقف الطفل بعدما يرى النور ويخرج إلى هذه البسيطة.. وهي الوحدة التي تخلق لدى الطفل شعور الانتماء والمواطنة..

ويزداد دور الأسرة أهمية خاصة بعد تعدد المؤثرات الخارجية والمشارب الثقافية المؤثرة في نفوس أبنائنا وشبابنا نتيجة ظروف متردية سائدة على المنطقة العربية وفي ظل ثورة اتصالية شكلت ظواهر العزلة والاغتراب في المحيط الأسري. ولأن الأسرة هي الوعاء الذي يحتضن الطفل منذ ولادته وحتى مراحله العمرية اللاحقة لذا فهي المكان الأول الذي يستقي منه الانتماء والولاء والمواطنة.. ولأن الانتماء الأسري هو العمود الفقري للانتماء المجتمعي والوطني لذا فإن مرحلة الطفولة تعد من أهم المراحل وأكثرها تأثيراً في حياة الفرد المستقبلة، إذ من خلالها تتشكل معالم شخصية الطفل من خلال ما يكتسبه من خبرات وقيم واتجاهات تأهله للقيام بأدواره ووظائفه داخل النسق المجتمعي.. وفي المحيط الأسري الذي يمثّل أولى المؤسسات الاجتماعية الحاضنة للطفل منذ لحظة خروجه إلى النور وخلال مراحل حياته العمرية يتشكّل الوجود الاجتماعي للطفل ويتلقى فيه المكونات الأولى لثقافته ولغته.. ويستقي قيم التعاون والحب.. التضحية والتسامح.. تحمل المسؤولية والعفو عند المقدرة والوفاء للوطن.. كل هذه القيم تُكرّس عند الطفل مفهوم الانتماء الأسري وترسخ المبادئ الأولى لمفهوم المواطنة التي لا تخرج عن كونها انتماء الفرد إلى مجتمعه ووطنه في ظل تمتعه بحقوق المواطنة المتعارف عليها وبالمقابل الالتزام بمجموعة من الواجبات وما يصاحبها من مسؤوليات.

إن الحاجة للانتماء من أهم الحاجات التي يجب أن تحرص الأسرة على إشباعها للطفل لما يترتب عليها من سلوكيات تعزّز شعور الاعتزاز والفخر بانتماء الفرد للمجتمع والوطن.. وإشباع حاجات الطفل وتقبله لذاته وشعوره بالرضا بالارتياح وسط أسرته هي من أولى مؤشرات انتمائه لمجتمعه ووطنه. إن الرؤية للمنطلقات النظرية لتعزيز الشعور بالانتماء وتربية المواطنة تنطلق من التنشئة الأسرية إن هي زرعت في نفوس الصغار كيف أن عزتهم وكرامتهم لا يمكن أن تتحقق إلا بعزة الوطن والولاء له.. لذلك لا بد من الإشارة إلى بعض المسؤوليات التي ينبغي على الأسرة التركيز عليها لترسيخ مبدأ الانتماء وتعزيز مفهوم المواطنة الصالحة عند الناشئة وتغذيته بالأسس السليمة للانخراط في الحياة والتفاعل مع المتطلبات المجتمعية. ولعل أول ما يأتي على رأس قائمة هذه المسؤوليات ربط الطفل بدينه. وتنشئته على التمسك بالقيم الإسلامية إلى جانب توعيته بالمخزون الإسلامي العظيم في ثقافة الوطن.. يأتي بعد ذلك تهذيب سلوك وأخلاق الطفل وتربيته على حب الآخرين وتعويده على العمل المشترك والابتعاد عن كل الإفرازات الفئوية والعرقية والطائفية الممقوتة التي انتشرت في عصرنا الحالي واغتنام كل فرصة من قبل الوالدين للحديث مع الأبناء حول مقومات المواطنة الصالحة. يتجلى مما سبق أن الأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأولى التي تعنى بالتماسك الاجتماعي كونها مصدراً لتكوين شخصية الطفل وتعزيز انتمائه وهويته الوطنية.

مفهوم الاغتراب:

يعرّف الاغتراب على أنّه الحالة السيكو اجتماعيّة المسيطرة بشكلٍ تام على الفرد، بحيث تحوّله إلى شخصٍ غريبٍ وبعيد عن بعض النواحي الاجتماعيّة في واقعه. وتسيطر فكرة الاغتراب في الوقت الراهن على تاريخ الفكر الاجتماعي والأدب المعاصر. إن من الصعوبة بمكان وضع تحليل شامل وعام لمفهوم الاغتراب بالاتفاق مع الحاجة النظريّة لوضع أسسٍ فكريّة للبحث الاجتماعي، بحيث تنعكس في حقيقة استخدام هذا المفهوم في عددٍ من المواضيع الإنسانيّة الفلسفة، والسياسة، وعلم الاجتماع، والفلسفة الوجوديّة، والتحليل النفسي، إضافة لعراقيل أخرى تتعلّق باستخدام هذا المفهوم، حيث إنّ موضوع الاغتراب يتصل بعلم الاجتماع لعلاقة هذا المفهوم بتفسير أحد أنواع السلوك الاجتماعي، لكن هذا التفسير يتّسم بعجزه ولا موضوعيّته في محاولة توضيح القيمة العلميّة لأبحاث ودراسات السلوك الاجتماعيّ، إضافة لهذا فإنّ هذا المفهوم يستخدم في شرح وتوضيح التعصّب العنصري والوعي الطبقيّ، والمرض العقليّ، والصراعات السياسيّة والصناعيّة.

أهم أسباب تنامي الإغتراب الأسري:

التواصل داخل الأسرة المغربية:

تعدّ الأسرة المدرسة الأولى لترسيخ قيم المجتمع، عن طريق التواصل الأسري، إلا أننا أصبحنا نشاهد في الآونة الأخيرة، ومما تنقله وسائل الإعلام حول التواصل داخل الأسرة، “الاغتراب الأسري”، وذلك نتيجة لمجموعة من التحوّلات التي أصبحت تعيشها الأسرة المغربية، ونجد أن أكبر معيقات التواصل داخل الأسرة سلطة الأب التي غالباً ما نجدها مرسخة في المجتمعات السلطوية، وبذلك نلاحظ بعض المشاكل الحقيقية التي أصبحت تلوح في الأفق بين الابن والأب لعدم نجاح العملية التواصلية، وقد أرجع معظم الدراسات المشكلة إلى تدنّي المستوى الثقافي للآباء. إذ لوحظ أن الأسر التي تنتمي إلى وسط سوسيو اقتصادي عالٍ ومستوى ثقافي راقٍ تكون فيها علاقة التواصل مستمرة، ما يؤثر إيجاباً في تنشئة الأبناء، عكس الأسر التي يكون مستواها الثقافي متدنياً. كما أننا نجد في بعض الأحيان أن عامل السن يساهم في انعدام التواصل وتقل فرص التفاهم وتبادل وجهات النظر وتبادل الأفكار.

ويلاحظ في الآونة الأخيرة تفشّي المشاكل داخل الأسر المغربية، خاصة بين الأزواج، ويرجع معظم هذه المشاكل إلى فشل عملية التواصل التي تعتبر الدعامة الأساس لاستقرار الأسر.

العنف وعلاقته بالاغتراب الأسري:

إن العنف قضية تاريخية، فهي قديمة قدم البشرية ذاتها عندما حدث خلاف بين قابيل وهابيل انتهى بأن قتل أحدهما الآخر. وبعد أن تطورت المجتمعات والثقافات تطورت معها الأسباب المؤدية إلى العنف، وكذلك تغيرت أشكال العنف تبعاً لتغير وتطور وسائل العدوان، لأن من كانوا يقتلون بالسيوف والرماح في سنوات عديدة أصبحوا الآن ملايين يمكن حصدهم في دقائق قليلة بالسلاح النووي أو الكيميائي، وانتشرت الحروب والنزاعات الأهلية في مناطق متفرقة من الأرض، وأصبحت قضية العنف من أهم القضايا المطروحة على الساحة العالمية والمحلية، وظهرت المحاولات العديدة لتفسير هذه الظاهرة ومعالجة أسبابها.

ومن المعروف أن الأسرة ومنذ فجر التاريخ تتبوأ مكانة هامة على صعيد حماية أفرادها وتربيتهم وتنشئتهم، بل إن الأسرة في الماضي كانت هي المؤسسة الاجتماعية الوحيدة التي تؤدي هذه الوظائف، وذلك قبل أن تنتزع المجتمعات المعاصرة منها هذه الوظائف شيئاً فشيئاً. ومع ذلك فما زالت الأسرة تلعب دوراً حاسماً في تشكيل شخصية الفرد. إن العنف الأسري وإن كان يبدو أقل حدة من غيره من أشكال العنف السائدة إلا أنه أكثر خطورة على الفرد والمجتمع ، وتكمن خطورة العنف الأسري في أنه ليس كغيره من أشكال العنف ذا نتائج سريعة تظهر في إطار العلاقات الصراعية بين السلطة وبعض التنظيمات السياسية والدينية، بل إن نتائجه غير المباشرة المترتبة على استخدام القوة غير المتكافئة داخل الأسرة وفي المجتمع بصفة عامة ، فقد تحدث خللاً في نسف القيم، واهتزازاً في نمط الشخصية عند الأطفال مما يؤدي في النهاية وعلى المدى البعيد ، إلى أشكال مشوهة من العلاقات والسلوك وأنماط من الشخصية المرضية نفسياً وعصبياً.

إذاً العنف العائلي يعتبر مسألة اجتماعية مقلقة في المجتمعات العربية والغربية على السواء ويجب التعامل معها باعتبارها جزء من كل أعم وأشمل من حدود الأسرة وعلاقاتها حيث أنها باتت تهدد الأمن والسلام الاجتماعيين للأسرة والمجتمع على السواء. والعنف الأسري هو أحد أنماط السلوك العدواني الذي ينتج عن وجود علاقات قوة غير متكافئة في إطار نظام تقسيم العمل بين المرأة والرجل داخل الأسرة، وما يترتب على ذلك من تحديد لأدوار ومكانة كل فرد من أفراد الأسرة، وفقاً لما يليه النظام الاقتصادي والاجتماعي السائد في المجتمع. والعنف الأسري في نظر علم الاجتماع ضريبة الحضارة والتنمية الحديثة جاءت نتيجة الحياة العصرية، إذ أن من ضرائب التنمية والتحضر ظهور مشاكل اجتماعية لم تكن موجودة في المجتمعات التقليدية. ويشير إلى أنه في مرحلة ما قبل التنمية كانت قضايا العنف الأسري أقل بسبب نمط الأسرة الممتدة التي يوجد فيها الأب والأم والأبناء وأبناء الأبناء وزوجات الأبناء.

مفهوم العنف الأسري:

لا شك أن جرائم العنف الأسري تمثل خطورة كبيرة على المجتمع، نظراً لما تتركه في نفوس أفراد الأسرة من أثر بالغ يهدد أمنهم وسكينتهم في حياتهم الخاصة. وسلوك العنف يأخذ صوراً شتى فهو يتدرج من الضرب والجرح البسيط ليبلغ ذروة جسامته في القتل، فالقتل هو النموذج الكامل لسلوك العنف في غايته وجسامته، وخاصة ذلك النوع الذي يرتكب عمداً أو يتحقق متجاوزاً القصد. ومن أجل ذلك كانت جرائم العنف الأسري جديرة بالاهتمام الباحثين في مجالات العلوم الإنسانية المختلفة، كعلم الإجرام، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، بهدف تحديد مفهوم سلوك العنف بصفة عامة، والعنف الأسري بصفة خاصة.  ( فهمي، 2012 ، ص 54 – 55 ) لذا فإن مصطلح العنف الأسري من المصطلحات المعقدة التي ليس من السهل تحديدها بشكل دقيق ، إذ تتداخل فيه العديد من العوامل الاجتماعية والثقافية للمجتمع القابلة للتغير مع الزمن . ويشير مصطلح العنف الأسري أنماط السلوك المختلفة التي توجه أحد أفراد الأسرة من فرد آخر داخلها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وذلك يهدف إيقاع أشكل متعددة من الأذى النفسي أو اللفظي أو الجسدي أو الجنسي. وقد تبنى المجلس الوطني لشؤون الأسرة في الأردن ضمن الإطار الوطني لحماية الأسرة من العنف التعريف التالي للعنف الأسري بالأردن  : العنف هو الاستعمال المتعمد للقوة سواء أكان ذلك بالتهديد أو الاستعمال المادي ضد الذات أو ضد شخص آخر أو مجموعة بحيث يؤدي إلى حدوث إصابة أو موت أو سوء نمو أو حرمان .   ( بحري وقطيشات ، 2011 ، ص 38- 39 ) وحتى وقتنا الراهن لم يتحقق الإجماع حول تعريف العنف الأسري ، وقد انحصرت جهود الباحثين في تحديد التعريفات الإجرائية التي تستخدم لقياس العنف ( فهمي ، 2012، ص 55).

نشأة الإهتمام بالعنف الأسري : تأخر الاهتمام بهذا الموضوع لكون معظم حالاته تبقى مستترة داخل الأسر لاعتبارات اجتماعية وأمنية، لا يكشف عنها إلا بعد أن تصل إلى الحد الذي لا يمكن السكوت على آثارها ، إضافة إلى قلة الاهتمام بدراسة الإساءة للأطفال وإهمالهم من قبل الباحثين المعنيين برعايتهم . إن تأثير ميدان الصحة بالتقدم العلمي والتكنولوجي الحديث في مختلف المجتمعات فيه أطباء الاشعة التطويرية إلى ملاحظة في الصور الشعاعية للأطفال وكان بداية الاهتمام إيذاء الأطفال في عام ( 1946 ) حيث لاحظ المختصون بكسور العظام لدى الأطفال. وإن كسورهم ناتجة عن إصابات أحدثها القائمون على رعايتهم، وليس نتيجة لحوادث غير مقصودة.

إن عدم الاهتمام بهذا الموضوع يعود لكونه مشكلة أسرية تتسم بالخصوصية، وكما أن هذا السلوك العنيف مع الأطفال أو الزوجة كان ينال قبولاً اجتماعياً في إطار تأديب الرجل لأفراد أسرته. غير أن العنف قضية متعددة الأبعاد في الأسرة والمجتمع، ولذلك ظهرت كقضية جديرة بالدراسة والاهتمام. واستمر الاهتمام بهذه الظاهرة على مدار العقود الماضية حتى هذه إلا لحظة، ففي فترة السبعينات كما يشير براون وهربرت ركزت دراسات العنف: في فترة السبعينات من القرن العشرين على : حدة العنف، العوامل التي ترتبط بالعنف، تفسير العنف. وفي الثمانينات : دراسات العنف الأسري على نتائج هذا العنف على الضحية صحياً ونفسياً واجتماعياً . وفي فترة التسعينات وحتى هذا اليوم اهتمت دراسة الدراسات ولا تزال بالبرامج الوقائية والعلاجية للعنف الأسري. (بحري وقطيشات ، 2011، ص40 -42) الدوافع الاجتماعية للعنف الاسري.

وهذا النوع من الدوافع يتناسب طردياً مع الثقافة التي يحملها المجتمع، وخصوصاً الثقافة الأسرية فكلما كان المجتمع على درجة عالية من الثقافة والوعي، كلما تضاءل دور هذه الدوافع حتى ينعدم في المجتمعات الراقية ، وعلى العكس من ذلك في المجتمعات الراقية، وعلى العكس من ذلك في المجتمعات ذات الثقافة المحدودة، إذ تختلف درجة تأثير هذه الدوافع باختلاف درجة انحطاط ثقافات المجتمعات. ( الطوابى ، 2013 ، ص 26 ).

مؤشرات العنف الأسري تركز الخدمة الاجتماعية في دراستها للعنف على كيفية تغيير سلوك العدوان وتخفيف الآثار والأضرار الناتجة عنه، والسعي نحو التحكم في العوامل والأحداث المسببة له، والتي تدفع الضرر لممارسة العدوان على ذاته أو على الآخرين أو في بيئته الاجتماعية بشكل عام .

ويحتاج الأخصائيون الاجتماعيون إلى أن يكون لديهم قدرة على تحديد من يحدث العنف داخل الأسرة وهناك مؤشرات تساعد على ذلك وهي :

1-من جانب المرأة : الإيذاء الموجه للذات، الحرمان، احساسها بامتلاك الزوج، الكره، العقاب ، الحقد ، الغيرة، إدمان العقاقير والكحوليات، السلوك المضاد للشريك، الخوف من سولك الشريك، الأرق، الخوف من الكوابيس .

2 -من جانب الرجل : التحكم في الشريك  الآخر، تكرار الضرب عندما يكون غاضب، التحكم في قرارات الأسرة، الكره أو الغضب أو الحقد على الطرف الآخر، الشك، الحماية الزائدة ، الغيرة، الدفاع عن النفس أمام إصابات الشريك الآخر، المزاج الحاد، النقد أو تشويه السمعة .

 3-من جانب الأطفال: الصعوبات المدرسية، الرسوب أو الفشل، الخوف الزائد، السلوك العنيف خاصة مع الأولاد، الإصابات غير المعلن عنها، المشاكل العاطفية، المشكلات السلوكية، مشكلات النوم، الفقر والحرمان.  ( فهمي ، 2012 ، ص 60 – 61 )

أنواع العنف الأسري :

  • إيذاء الزوج لزوجته .
  • إيذاء الزوجة لزوجها.
  • إيذاء الأبوين للأبناء .
  • إيذاء الأبناء  للأبوين .
  • إيذاء الأطفال للأطفال .( العمر ، 2010 ، ص 178 )

أسباب العنف الأسري :

من الممكن أن ننظر إلى أسباب العنف الأسري من خلال مستويات العنف :

 1-العنف الأسري بين الزوجين :

 أ‌)عدم التكافؤ الجنسي بين الزوجين يؤدي إلى خلق صراعات ومن ثم يقود إلى العنف داخل الأسرة .

ب‌)اختلاف معايير وثقافة كل من الزوجين .

ج) الاختلاط الأسري دون ضوابط شرعية يؤدي إلى الانحراف الأخلاقي لبعض الزوجات مما يسهل العنف الأسري .

د) يزداد العنف الأسري في ظروف هجرة الأزواج أو الزوجات للعمل بالخارج .

هـ) يحدث العنف ويزداد عن خروج الزوجين معاً للعمل فترات طويلة وترك الأبناء دون رعاية كافية ومناسبة .

و) إن وجود الفقر والضرر والأذى والصراع بين الزوجين يجعل الحياة صعبة على الشخص الفقر ويزيد من وجود العنف .

 2- العنف بين الآباء والأبناء :

أ‌)تعلم الأبناء غير المقصود من خلال عقاب الآباء لهم يؤدي إلى توارثهم العنف في سلوكياتهم .

ب‌)تربية التدليل أو الحرمان تؤدي إلى انتشار العنف .

ج) يزاد العنف الأسري في ظروف عدم جدية الرقابة والتوجيه للأبناء .

د) سيادة الصراع حول المال والجنس و إهمال تربية الأبناء التساهل في عقوق الوالدين وتفسخ الروابط الأسرية كلها متغيرات تساهم في زيادة العنف الأسري .

3- العنف بين الأبناء :

أ‌)إن مشكلة العنف الناتج عن التلفزيون قد يكون سبب حقيقي لاضطرابات الأطفال فقد اقترح الربنشين أن الأطفال المعرضين للعنف هم من يعانون من اضطرابات سيكلوجية والتي قد تدمر إدراكهم للواقع بالإضافة إلى أن هؤلاء الأطفال يكونوا غير قادرين على التخلص من المشاهد التلفزيونية وبذلك يتعاملون مع الأطفال بخوف وعنف .

ب‌)إدمان بعض الأبناء وانخفاض مستوى الإنجاز لدى آخرين وشعور البعض بالإغتراب وتدني مستوى الوعي الأسري كلها تساهم في انتشار حالات العنف الأسري .

ج) الجشع والطمع وضعف الإرادة والاستسلام لهوى الشيطان والنفس وأصدقاء السوء من شأنه أن يساهم في زيادة العنف بين الأبناء في الأسرة.

د) وأيضاً قد يحدث العنف الأسري نتيجة لضياع المعايير الدينية في توزيع الميراث بين الأبناء مما يجعلهم يعيشون في خلافات وخصومات وتعديات مستمرة.

هـ) يؤثر الاغتراب من خلال أشكال الانتقال وانعدام القدرة والسيطرة وضياع المغزى أو سيادة الإحباط لدى الأبناء مما يدفعهم لممارسة العنف والعدوان.

وهناك وجهات نظر أخرى ترصد أبرز هذه العوامل في الآتي :

أ‌)العوامل الشخصية : وهي العوامل المرتبط بمكونات شخصية عضو الأسرة الذي يمارس العنف داخل نطاق أسرته ومن أمثلة هذه العوامل : ضعف الوازع الديني، عدم فهم الأديان السماوية، ضعف الذات والشخصية، عدم إدراك الواقع الاجتماعي بشكل صحيح، عدم الاستقرار والاتزان الانفعالي، ضعف الثقة بالنفس، الاعتزاز الزائد بالشخصية، أو الحساسية المفرطة تجاه كلام وسلوك الآخرين في الأسرة.

ب‌) العوامل الأسرية: وهي العوامل المرتبطة بالتكوين الأسري والتنشئة الاجتماعية والظروف الأسرية المحيطة، ويمكن رصد أبرز العوامل الأسرية: المشكلات الأسرية، كبر حجم الأسرة، زيادة الأعباء الأسرية، الصراع على السلطة بين الأبوين، التنشئة الاجتماعية غير السليمة للأبوين، أو التنشئة الاجتماعية غير السليمة للأبناء مثل : القسوة الشديدة أو التدليل الزائد أو الرفض والإهمال لهم أو عدم محاسبتهم على السلوك الخاطئ .

ج) العوامل المجتمعية : وهي العوامل المرتبطة بالمجتمع وما لديه من ثقافة وما يولده من مشكلات وأساليب الضبط الاجتماعي الرسمي وغير الرسمي المتوفرة ومدى ممارستها ، ويمكن رصد أبرز هذه العوامل المجتمعية في الآتي :

  • ضعف العادات والتقاليد والقيم والأعراف التي تحض على الرحمة واحترام الغير واحترام ملكيتهم واحترام حريتهم .
  • ضعف أساليب الضبط الاجتماعي الرسمي وغير الرسمي في المجتمع .
  • تعرض الأسرة لمشاهد العنف والجريمة بشكل مكثف ومتكرر ويومي من خلال وسائل عديدة في المجتمع سواء في الشارع أو من خلال وسائل الإعلام الجماهيرية مثل : التلفزيون والسينما وشبكة الإنترنت ، قد تؤدي إلى اعتياد الناس على سلوك العنف واعتقاد بعضهم خطأ بأنه طريق للشهرة أو احتلال مكانة بين الآخرين أو وسيلة لتحقيق الأهداف بأسرع الطرق وأنهم سيهربون من العقاب مثل أبطال الأفلام . (فهمي،2012 ، ص 66- 69 ).

أثار العنف الأسري :

إن العنف شكل من أشكال السلوك العدواني وله أثار سلبية كبيرة على شخصية الأفراد وأساليب تكيفهم النفسي والاجتماعي وآثاره قد تكون صحية، أو جسدية، أو نفسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أما عن الآثار الاجتماعية فصوره مختلفة قد تكون في :

  • صعوبات تكوين العلاقات مع الآخرين .
  • الهروب من البيت .
  • الانسحاب من النشاط الاجتماعي .
  • الانقطاع عن الجيران .
  • التفكك الأسري .
  • الهجر .
  • الانفصال .
  • الطلاق .
  • فقدان الاحترام .
  • اتكال متطلبات افراد الأسرة .
  • الإساءة إلى سمعة الأسرة ومكانتها الاجتماعية . ( بحري وقطيشات ، 2011 ، ص 60 – 62 )

النظريات والاتجاهات المفسرة لسلوك العنف الأسري :

توجد بعض النظريات التي قامت بدراسة الأسباب والأشكال وأساليب الإصلاح والوقاية من العنف الأسري فالنظريات تعد أمراً أساسياً لفهم الظاهرة من خلال منظور معين ولتفسير وقائعها بشكل يساعد على التنبؤ السابق للسلوك:

أولاً : الاتجاه البيولوجي : يرى فرويد أن العنف ينطلق من مبدأ نفسي متمثلاً بغريزة الموت التي تتضح بالتخريب والعدوان والعنف هي شكل من أشكال السلوك البشري، يسببها التحريض وهي قوة كامنة داخل الفرد تدفعه للقيام بأي سلوك عدواني، وأن هذا الشكل من السلوك هو فطري في النفس البشرية.

ثانياً : الاتجاه الاجتماعي : لقد تعددت الآراء التي فسرت العنف الأسري من ناحية اجتماعية ، ولكنها أجمعت على أن العوامل الاجتماعية تلعب دوراً مهماً في تكوين الشخصية الانسانية، وما ينبثق عنها من سلوك اجتماعي، وأن الحياة الاجتماعية هي الإطار والمدرسة التي يصقل الانسان شخصيته فيها .

وسيتم التركيز في هذا المجال اتجاهين بارزين في تفسير العنف وهما :

أولاً : النظرية البنائية : وفقاً لهذه النظرية فإن العنف الأسري يتزايد في الطبقات الاجتماعية والاقتصادية المنخفضة، حيث يعاني الأفراد والأسر من الإحباطات نتيجة تدني مكانتهم الإجتماعية وشح مصادرهم المادية والعاطفية والنفسية والاجتماعية  فلإحباط من الناحية المادية ربما يكون أشد قسوة لأنه يؤدي إلى الإيذاء الجسدي والنفسي للأولاد والوجه من قبل الزوج بسبب شح الموارد المالية التي تعينه على مسؤلياته تجاه أسرته .

ثانياً : نظرية الصراع : يرى أصحابها أن العنف الذي يحدث في المجتمع هو ميدان للظلم التاريخي بما تعانيه الأقليات من قلة في الثورة والقوة ، وهو ناتج عن قهر يتعرض له الناس، ويعدونه سلاحاً فتاكاً للنزاع بين الجنسين وأداة الهيمنة للرجل. إضافة إلى التركيز على صراع الأدوار فإن هذه النظرية تركز أيضاً على الشعور الشخصي بالحرمان بين مايرغب به الناس ومايحصلون عليه، وبين انخفاض المستوى الاقتصادي الذي يؤدي إلى الحرمان، الأمر الذي يزيد من النزوع إلى العنف. ويرى أصحاب هذه النظرية أن الأدوار السائدة في المجتمع تعكس سيطرة الرجل على المرأة، وعليه فإن من أهم الأساليب للمحافظة على هذه الفوائد والمكاسب هس أساليب التنشئة الاجتماعية حيث تقوم الأمهات بتنشئة البنات تنشئة مختلفة عن الذكور وبحسب الوضع والطبقة التي تنمي إليها الأسرة. وتستخدم الأسرة في تنشئة البنات أساليب يمتلكها العنف، ويسمح للذكور فيه بممارسة هذا العنف ضد البنات وكأن ذلك حق من حقوقهم المشروعة.

ثالثاً : نظرية التعلم الاجتماعي : إن أكثر النظريات شيوعاً هي التي تفترض أن الأشخاص يتعلمون العنف بنفس الطريقة التي يتعلمون بها أنماط السلوك الأخرى، وتتم عملية التعلم داخل الأسرة في شتى المجالات والأنماط الثقافية، حيث أن الأطفال الذين يشاهدون السلوك العدواني لا يتذكرونه فحسب بل يقلدونه إلى حد ما كبير، وبخاصة عندما يرتكب هذا السلوك أحد البالغين الذي يعد سلوكهم نموذجاً يحتذى به، حيث يميل الأولاد به إلى محاكاة السلوك العدواني بصورة تلقائية ولتعزيز هذا السلوك يزداد بينهم ارتكابه ويتميزون بالعدوان والعنف. وهناك فرضيات تستند عليها نظرية التعلم في دراسة العنف الأسري وهي أن العنف الأسري يتم تعلمه داخل الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام، والعلاقة المتبادلة بين الآباء والأبناء والخبرات التي يمر بها الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة تشكل شخصية الفرد عند البلوغ، لذلك فإن سلوك العنف ينتقل عبر الأجيال. ( بحري وقطيشات، 2011 ، ص 43 – 47 ).

تكنولوجيا الإعلام والاتصال الحديثة وأثره على الأسر:

 قفزات هائلة ونوعية سواء على مستوى الوسائط أو المضامين، مما أدى إلى تطور وسائل الإعلام والاتصال الحديثة من بث فضائي مباشر وإنترنت، حوسبة وهواتف نقالة، وتعددت خدماتها وأهدافها، وجعلت الإنسان يعيش في صندوق صغير يتلقى فيه يوميا الآلاف من الرسائل عبر هذه التقنيات منها ما هو مفيد لحياته ومنها ما يسبب أخطارا ومشاكل كثيرة لها. ففي ضوء تعدد وظائف شبكة الانترنت وخدماتها والقنوات الفضائية وبرامجها والهواتف المحمولة وتطبيقاتها أصبح الشباب(ت) يرى في أن هذه الوسائل الإعلامية والاتصالية تعد وسيطا للتعرف أكثر على الآخر، والاطلاع على آخر الأخبار والمستجدات المحلية والعالمية، ووسائل للترفيه والتسلية، وأدوات للبحث العلمي، وقنوات للاتصال بالعائلة والأحباب أين ما كانوا، ويزيد من فرص تفاعل هذه الفئة مع العالم الخارجي ويوسع من فهمهم وإدراكهم لما يجري حولهم، وما زاد من إقبال الشباب (ت)على هذه الوسائط هو ما تتمتع به من تقنيات في البث وعناصر تشوق الفرد لاستخدامها كالصوت والصورة، الإضاءة والتصميم، بالإضافة إلى توفر خدماتها على ما يلبي رغباتهم وحاجاتهم وطموحاتهم، إضافة إلى الهوة الكبيرة التي أصبح يعيش فيها الشباب (ت) في وقتنا الحاضر بين ما هو كائن وما يطمح له أي شاب(ت) خاصة في ظل القوة والعنفوان وغزارة الأفكار التي يمتلكها الشباب(ت) في هذه المرحلة من حياتهم، إضافة إلى عامل الفراغ الذي يعيش فيه إنسان هذا الزمان ما جعله يحاول خلق عالم خاص به كما يريده هو لا كما هو موجود واقعا، هذا ما جعل الأفراد ينعزلون عن بيئتهم الحقيقية بأمور أغلبها تافهة لا تخرج عن دائرة الجلوس في فضاء افتراضي يشكلون فيه علاقات مع الجنس الآخر عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو يتبادلون الصور والنغمات الموسيقية عبر تقنيات البلوتوث الموجودة بهواتفهم النقالة، حيث أصبح هدفهم الوحيد هو كيفية تمضية الوقت بعيدا عن هموم الدراسة وصداعها رغم أن الكثيرين لا يعرفون للأقسام طريقا طوال دراساتهم ، إضافة إلى حالة الإحباط والشرود التي تميز حياتهم، كما لا ننسى مختلف الآفات التي يعيشونها بدءا بالتدخين إلى السكر والفجور مرورا بالمخدرات بمختلف أصنافها والتي تنتشر بكثرة في المحيط الاجتماعي. وإذا كانت القنوات الفضائية العربية والأجنبية وشبكة الإنترنت بمجمل مواقعها والهواتف المحمولة بأجيالها وغيرها من التقنيات قد سهلت على الفرد حياته في شتى المجالات، فإن ذلك بدأ يتضاءل أمام ما تفرزه هذه التكنولوجيا من سموم تنتشر في جسد العالم الإنساني بشكل سريع ومستمر ما جعلت الإنسان عبدا لها في القرن الحادي والعشرين. وأمام تزايد حجم ساعات استخدام الشباب(ت) لوسائط الإعلام والاتصال بشكل كبير جدا، تزايدت معه مخاطر هذه التكنولوجيا على الشباب، فأصبح الفرد منا يعيش عزلة داخل الأسرة الواحدة، حيث أصبح الغالبية الكبرى من الشباب(ت) يفضلون استخدام تكنولوجيا الإعلام بشكل منفرد بعيدا عن أعين الأسرة، حيث أنه هناك من يقضي ساعات طويلة أمام الأنترنت بعيدا عن أفراد أسرته قريبا من العالم الخارجي، وهناك من لا يفارق هاتفه المحمول طوال اليوم، وهناك من لا يمل من مشاهدة القنوات الفضائية التي تبث أفلام الأكشن والرعب والخيال، كما أن وسائط الإعلام والاتصال الحديثة في نظر الشاب(ت) تصيب الفرد بالعديد من الأمراض النفسية “الاغتراب”، بالإضافة إلى أن تأثير تكنولوجيا الإعلام والاتصال على الشباب(ت) في تزايد مستمر، فلم يعد الشاب (ت)تعنيه المطالعة ومراجعة الدروس بقدر ما يقبل على مشاهدة برامج القنوات الفضائية، وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي وهذا لفترات طويلة مقارنة بفترة الدراسة، مما أدى إلي تشكيل فئات ثقافتهم سطحية يحاولون تقليد كل ما يرونه عبر هذه الوسائط كطريقة اللباس والأكل والكلام وغيرها من السلوكيات، وما نشاهده في المؤسسات من انحلال وفساد للأخلاق خير دليل على ذلك. لقد أصبح شبابنا يعيش حالة من العزلة والاغتراب والقنوط واليأس من عالمه المعاش، فلم يعد قادر على التفكير والتخطيط في مستقبله، وإنما هدفه مرتبط بعالم خيالي ومثالي صورته له وسائط الإعلام والاتصال في مخياله، مما يؤدي به إلى الانعزال عن هذا المجتمع أو التمرد على قيمه وقوانينه، إن تكنولوجيا الإعلام والاتصال بقدر ما أعطت شبابنا معلومات غزيرة لا تقارن بالأمور التي سلبتها منهم، وجعلتهم مخدرين بمخدر لا ينتهي مفعوله أبدا وفي حالة من الضياع والتشرد الذهني لا تنتهي معاناتها ما دام محيطهم الاجتماعي بدءا بالأسرة والمدرسة، المسجد والنادي، والمدرسة والمجتمع والإعلام المحلي لم ينتبهوا إلى طموحات هؤلاء الشباب(ت) وآمالهم فما بالكم بالتخطيط لحمايتهم من تربية وتوعية، توجيه وإرشاد، ولهذا علينا النهوض من سباتنا لمواجهة ما هو آت في عصر السموات المفتوحة والحدود المخترقة.

 الفيس بوك أداة حادة للاغتراب الأسري:

 بعد أن باتت وسائل الاتصال الحديثة في متناول جميع الافراد فقد ظهرت وتغيرت معالم كثيرة في حياتنا الاجتماعية والأسرية والقرابية وكل جوانب المجتمع، العملية والدراسية، وبالمقابل من هذه التغيرات حملت معها الكثير من المشاكل التي طوقت المجتمع وسيطرت عليه وبدأت تهز جوانب كبيرة منه، فبالرغم من كونها أداة الاندماج والتواصل إلى أنها أداة أخرى للفشل والانهيار. فبعض الناس يرى أن تأثير التكنولوجيا على المجتمع يرجع إلى كيفية استخدامها والبعض الآخر يرى أنه على الرغم من إيجابياتها فإن سلبياتها طغت على إيجابياتها.

وعلى رأس مواقع التواصل الاجتماعية المتداولة بشكل كبير هي الفيس بوك الذي يحظى بقاعدة مستخدمين كبيرة جداً على مستوى العالم والوطن العربي فأصبح يشكل خطورة كبيرة على المجتمع والعلاقات الاجتماعية والاسرية والتقارب والدفيء الذي تتميز به المجتمعات العربية، حيث عمل على اتساع الفجوة بين الأفراد كونه أداة تتجه نحو تفتيت الجمهور والعمل على تقليص العلاقات الحقيقية لصالح العلاقات الافتراضية (المجتمع الافتراضي).

من خلال انغماس الفرد به كلياً مبتعداً عن التواصل الحقيقي بين مجتمعه الواقعي، من خلال تأثيره على علاقات الصداقات الحقيقية وقطع العلاقات بين الاصدقاء المقربين، وإضاعة وقت كثير دون استثماره في شيء مفيد، بالإضافة إلى تأثيره على الحالة النفسية للمستخدم وزيادة الاحساس بالوحدة والاكتئاب والعزلة الاجتماعية وعدم الثقة بالنفس، بالإضافة إلى عدم رغبة المستخدم بالاختلاط بتلك الجماعات والتعايش معها واكتفاءه بمتابعة الحياة عبر الشاشة فقط ومراقبة أصدقاءه بدلاً من التفاعل معهم.

حيث لا يمكن إغفال الايجابيات الكثيرة التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) نموذجاً من خلال دوره الكبير في فتح قنوات الاتصال بين أفراد المجتمع كافة أي من خلال فتح قنوات الاتصال بين أفراد الأسرة الواحدة حيث يقوم الفيس بوك بدور الوسيط الاتصالي الذي يقلل من مشاعر الغربة والاغتراب، وله الدور الكبير في الاختلاط والتفاعل مع الآخر ومع المتغيرات والعمل على إذابة الحواجز بين الشعوب، حيث تعتبر وسائل الاتصال هذه هي سلاح ذو حدين يتوقف تأثيره على كيفية استخدامه وتوظيفه، من خلال مطالبة المجتمع بالقيام بدوره التوعوي في تبيان مخاطر هذه الوسائل فيجب تجنبها والاستعانة بكل إيجابياتها.

وقد اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي الحياة الأسرية بشكل كبير جداً حتى كادت ان تقضي على متعة علاقات الترابط فيها، حيث عملت على جمع شمل الأصدقاء البعيدين وإحداث فجوة بين أفراد الأسرة الواحدة، من خلال دورها في تجديد العلاقات القديمة بين الاصدقاء والعمل على تجدد اخبارهم والعكس حدث ايضاً من خلال تشتت العلاقات الجديدة والحميمة ألا وهي العلاقات الاسرية والقرابية، من خلال تعزيز علاقاتنا خارج نطاق الأسرة، ومن أخطر وسائل الاتصال هذه وأشد وأكثر استعمالاً بين الأفراد في جميع أنحاء العالم هو (الفيس بوك)، لما له من دور كبير في دخول الفرد في العالم الافتراضي واندماجه فيه وابتعاده عن العالم الواقعي واغترابه عنه.

حيث ساعد الأفراد ووفر لهم تكوين الصداقات العابرة للواقع والجغرافيا من خلال مشاركة الملفات والصور وإنشاء المدونات وإرسال الرسائل وإجراء المحادثات، متجاوزين بذلك كافة الحواجز الجغرافية، حيث أصبح الفيس بوك إدماناً يمثل خطورة على الأسرة والعلاقات والتقارب والدفء الذي تتميز به الأسرة العربية، كون وسيلة تتجه نحو تفتيت الجمهور وتحول العلاقات الحقيقة الى علاقات افتراضية ودوره في اهتزاز ثقة الشباب العربي في مجتمعه الإسلامي بماضيه وحاضره.

حيث إن الاستغراق في استخدام الفيس بوك يضعف العلاقات الاجتماعية ويقلل التفاعل الايجابي في محيط الأسرة ، من خلال قلة الزيارات واللقاءات العائلية، والعمل على تسبب العزلة الاجتماعية واستيراد وسائل سلوكية ونماذج لا تتفق مع ثقافتنا الاجتماعية والديني حيث سمحت وسائل الاتصال هذه على بناء علاقات بين الجنسين بما يتعارض مع قيم المجتمع ومعياره مما أدت إلى حدوث حالات طلاق كثيرة سبهها الفيس بوك واتساع الفجوة والصراع بين الآباء والأبناء من خلال دوره الكبير في تعزيز العزلة والتنافر بين أفرادها وتلاشي قيم التواصل الأسري واستبدل الأبناء الانترنت بأبائهم كمصدر للمعلومات وفقدوا الترابط الأسري والتصقوا بالحوار مع الغرباء لدرجة شعورهم بالغربة على مستوى الأسرة الواحدة.

حيث يرجع السبب في تمسك الفرد بهذا المجتمع الوهمي هو عدم الإنسجام وفقدان التواصل مع المجتمع الفعلي الذي يحيط بالفرد ولذلك أصبح اللجوء إلى هذا المجتمع الوهمي بديلاً عن التفاعل الاجتماعي مع الأهل والأقارب والأصدقاء، حيث أصبح اهتمام الأبناء والآباء متعلقاً بالفيس بوك اكثر من اهتمامهم بالعلاقات الإنسانية الواقعية، مما يؤثر على الروابط الأسرية ويحدث صراعاً بين الأسرة وبين الفكر الذي يتبعه الأطفال والشباب وحتى الأزواج وتتوسع الفجوة بينهم وتتباعد الأفكار وتتصارع الاجيال، حيث يستخدمه العديد من الأفراد إلى الإساءة لبعض الناس من خلال تركيب ونشر الصور غير حقيقة والمعلومات التي تؤدي إلى خراب البيوت وانفصال الأزواج وإلى آخره.

لذلك يجب على الأسرة أن تعمل على الحد من هذه الظاهرة من خلال تعليم الأبناء كيفية التعامل مع العالم التكنولوجي وأن يكونوا مشاركين لهم في كل الأنشطة التي يمارسونها وعدم ترك الأجهزة في أماكن مغلقة وتوضع في أماكن يمكن مراقبتها من قبل الآباء حتى لا يقوموا بسلوكيات سيئة بعيداً عن أعين الأم والأب، ويجب على الدولة أيضاً بالحد من هذه الظاهرة وتقليل مخاطرها من خلال توجيه وسائل الإعلام في هذا الاتجاه ولذلك لقوتها في التأثير على الأفراد.

المشكلات الأسرية: إن من أهم الأسباب التي تدفع الأفراد للإفراط في استخدام الفيس وجميع مواقع التواصل الاجتماعي هي الهروب من المشكلات الأسرية التي تحدث بين أفراد العائلة الواحدة داخل المنزل والتي تؤدي إلى تأزم نفسية الفرد ولا يجد سبيل غير اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) وذلك محاولة منه البحث عن أصدقاء جدد للبعد عن ذلك التوتر.

توصيات ومقترحات:

1ـــ العمل على استخدام الفيس بوك من أجل التواصل الاجتماعي وليس من غايات غير نبيلة، من خلال العمل علي وضع ضوابط لاستخدام الفيس بوك وتكون متناسبة مع الشريعة الإسلامية والعادات والتقاليد.

2 ـــــــ عدم الجلوس على الفيس بوك لفترات طويلة،   والانقطاع عن المجتمع الأسري تماماً، حتي لا تولد الادمان لدى الشخص المتصفح. وكذلك من الأمور المهمة التي يجب التنبؤ بها هي ترشيد طلبة المدارس في استخدام الفيس بوك حتى لا يتولد لديهم ما يسمي (بالإدمان للفيس بوك) وتضيع مستقبلهم.

3 ــ التعرف على مدى التزام هيئة الشباب في استخدام ضوابط الفيس بوك التي تضعها القوى الحاكمة والضابطة لذلك من خلال التعرف على مدى تأثير الفيس بوك على المجتمعات وعرقلة تقدمها وتدهورها.

4ـ ــ اعداد برامج ارشادية وتدريبية لتنمية المسؤولية الاجتماعية لدى فئات الاطفال والشباب بكيفية استخدام وسائل الاتصال الحديثة (الفيس بوك). من خلال تنمية السلوك الايجابي لدى الشباب في استخدامهم لتلك المواقع.

5ـ ــ الدعوة لأنشاء مجموعات شبابية هادفة على موقع الفيس بوك تتبنى قضايا اجتماعية وثقافية لتبادل المعرفة وتعميم الفائدة.

6ــ ضرورة عقد دورات تدريبية لأهم فئة في المجتمع وهي فئة الشباب تستهدف تطوير مهاراتهم في كيفية استخدام وتوظيف مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) في خدمة قضاياهم وقضايا امتهم في مجال المناصرة والضغط.

7ــ اجراء دراسات تحاول الكشف عن الأسباب والآثار النفسية والاجتماعية والاكاديمية لاستخدام الفيس بوك على المراهقين والشباب وما دون ذلك من مختلف المراحل العمرية.

خلاصة: 

لا يمكن لأمة تنشد التنمية الشاملة، وتريد أن يكون لها موطئ قدم ضمن الأمم المتقدمة، وتتطلع إلى تخريج أفواج مؤمنة بقيمها وأصالتها من جهة، خبيرة مدربة في مجال العلوم والتقنيات من جهة أخرى، ما لم تتمكن من إكساب أبنائها القيم الإيجابية الضرورية، وما لم تهتم ببناء مؤسسات قوية قادرة على اقتحام عقبات المستقبل ومن بينها مؤسسة الأسرة، وتقوم بأدوارها ووظائفها التربوية والاجتماعية والتواصلية دون استنساخ لتجارب ولدت ميتة. إن غايات كبرى كهذه، لا يمكن تحقيقها دون الاستناد إلى مشروع مجتمعي، نابع من ثوابتنا ويهدف تحقيق سعادتنا دنيا وأخرى.

إن من أدوار المجتمع المدني المساهمة في بناء منظومة القيم، إيمانا منه بأهمية الأسرة ودورها في التنشئة الاجتماعية التي اكتسب أهمية مضاعفة بالنظر إلي عمليات التغير الاجتماعي المتسارع التي شهدها مجتمعنا المغربي ومازال، وما تطرحه العولمة ووسائل الإعلام من فرص وتحديات جديرة بالتأمل والدراسة. وذلك من خلال تعليم وتأهيل الإنسان القادر على التفاعل الإيجابي، والتعامل الواعي مع هذه المعرفية والقيمية والثقافية والمجتمعية التي يشهدها العالم، وتجاوز حالات الاغتراب الأسري. وتبقى الأسرة الركن الأساس للمجتمع والحاضنة لجميع أفراده، وتظل مأوى للإنسان ومصدرا لأنسه وسكينته وطمأنينته وسببا لسعادته وحفز التطورات وتحديات تأثيرات وسائل الإعلام والعولمة على الوضع الأسري والحفاظ على الهوية الثقافية لمجتمعنا المغربي.

عبد الرحيم مفكير

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى