الأمم المتحدة وتقسيم فلسطين – غازي حسين

اجتمعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني عام 1948 للتصويت على مشروع قرار التقسيم وقال رئيس الجمعية العامة أزولدا أرانيا أنه واثق بأن ثلثي الأصوات قد أصبحت متوفرة لإقرار التقسيم.

اقترح الوفد اللبناني كمحاولة أخيرة للحيلولة دون صدور قرار التقسيم تشكيل دولة اتحادية في فلسطين. ورفضت الجمعية العامة الاقتراح اللبناني وصوتت على التقسيم، ففاز بـــ 33 صوتاً ضد 13 وامتناع عشرة أعضاء عن التصويت وغياب دولة واحدة. وكانت الدول المؤيدة للتقسيم هي: الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد السوفيتي، فرنسا، بلجيكا، الدنمارك، هولندا، لوكسمبورغ، كندا، استراليا، السويد، النرويج، نيوزلندة، تشكوسلوفاكيا، روسيا البيضاء، غواتمالا، باراغواي، بيرو، بنما، البرازيل، هايتي، سان دو منجكو، اكوادور، ليبيريا، الفلبين، نيكاراغوا، فنزويلا، كوستاريكا، إيسلندا، بولندا، اتحاد جنوب إفريقيا، أوكرانيا.

وكانت الدول المعارضة للتقسيم 13 دولة وهي: سورية، لبنان، السعودية، مصر، اليمن، العراق، إيران، الهند، باكستان افغانستان، اليونان، تركيا وكوبا.

وكان عدد الدول الممتنعة (10) وهي: بريطانيا، يوغسلافيا، أثيوبيا، تشيلي، الصين، كولومبيا، هندوراس، الأرجنتين، السلفادور والمكسيك.

أعلنت وفود الدول العربية في الامم المتحدة رفضها للتقسيم فور صدوره، كما أعلن الشعب العربي الفلسطيني استنكاره ورفضه الشديدين لتقسيم وطنه لإقامة دولة للمستعمرين اليهود الذين جاؤوا من وراء البحار وغرباء على المنطقة دخلاء عليها لحل المسألة اليهودية في أوروبا على حساب عروبة فلسطين وحقوق الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية. وأصدر رؤساء وممثلو الدول العربية عقب اجتماع عقدوه في القاهرة بتاريخ 17 كانون الأول 1947 بياناً أعلنوا فيه رفضهم للتقسيم واستنكارهم له جاء فيه:

“لقد تنكرت الأمم المتحدة مع الأسف الشديد لذات المبادئ التي تضمنها ميثاقها، فأوصت بتقسيم فلسطين، وهي بذلك قد أهدرت حق كل شعب في تقرير مصيره، وأخلت بمبادئ الحق والعدالة جميعاً. وقد قرر رؤساء وممثلو الدول العربية في اجتماعهم في القاهرة أن التقسيم باطل من أساسه، وقرروا كذلك عملاً بإرادة شعوبهم، أن يتخذوا من التدابير الحاسمة ما يكفل بعون الله إحباط مشروع التقسيم الظالم”.

جاء تقسيم فلسطين عام 1947 أظلم وأوحش من مشروع التقسيم الذي طرحته لجل بيل البريطانية عام 1937، وذلك على أثر التعاون بين الصهيونية وألمانيا النازية في تهجير يهود ألمانيا وأوروبا إلى فلسطين فقط لتحقيق الهدفين الصهيوني والنازي لحل المسألة اليهودية في أوروبا وإقامة إسرائيل في فلسطين.

رفض العرب التقسيم لعروبة فلسطين ولاعتبارات تاريخية وقانونية ووطنية وقومية وسياسية ودينية واقتصادية وجغرافية. فالتقسيم تمزيق لفلسطين والوطن العربي، لإقامة أكبر غيتو يهودي استعماري وعنصري وإرهابي في قلب الشرق الأوسط (قلب المنطقة الإسلامية) كقاعدة للدول الغربية ومركز للصهيونية العالمية معاد لشعوب المنطقة وثكنة عسكرية مدججة بجميع أسلحة الدمار الشامل لاستغلال ثروات المنطقة المائية والنفطية وبقية الثروات الطبيعية. فالتقسيم اعتداء صارخ على الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني في وطنه وانتقاص لحريته واستقلاله وسيادته، وانتهاك لحقه في تقرير المصير وإهدار لكرامته وحقه في أرضه وممتلكاته وتاريخه.

إن التاريخ السياسي للعالم بأسره لم يعرف قط شعباً وافق على تقسيم وطنه وتنازل عن سيادته على جزء من هذا الوطن لغرباء دخلاء عليه. استغلوا الخرافات والأكاذيب والأطماع التي رسَّخها كتبة التوراة والتلمود والمؤسسون الصهاينة وتعاونوا مع الدول الاستعمارية ضد مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني وجميع شعوب الشرق الأوسط لإقامة غدة سرطانية خبيثة في جسد الأمة لاستنزاف ثروات المنطقة والهيمنة عليها من النيل إلى الفرات، ونهبها ومحاربة العروبة والإسلام.

صدر قرار التقسيم نتيجة تخطيط وتنسيق وتعاون صهيوني استعماري عربي رجعي لتقويض عروبة فلسطين وتهويدها وتفتيت البلدان العربية على أسس طائفية وعرقية وإعادة تركيبها لإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد.

تقسيم فلسطين ينتهك ميثاق الأمم المتحدة وحق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير المصير وعروبتها والقانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني. وتمت موافقة الجمعية العامة عليه نتيجة للضغوط والإغراء والابتزاز الذي مارسته الصهيونية والولايات المتحدة الأمريكية.

جسَّد قرار تقسيم فلسطين انحياز واشنطن الوحشي لليهود ومعاداتها لأبسط مبادئ الحق والعدالة والإنصاف والقانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية في وطنه فلسطين.

خططت واستعدت ونفذت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية العالمية والعصابات اليهودية الإرهابية المسلحة الهاغانا وشتيرن والأرغون إقامة إسرائيل في فلسطين العربية في 15 أيار 1948.

واستغلت دعم الدول الاستعمارية وتواطؤ الإمارات والممالك العربية التي أقامتها بريطانيا وتحميها أمريكا وارتكبت العصابات الصهوينية الارهابية المسلحة 74 مجزرة تشبه مجزرة دير ياسين واستغلوا معزوفتي الهولوكوست واللا سامية وأقاموا الكيان الصهيوني ككيان استعماري استيطاني عنصري وإرهابي وباستخدام القوة العسكرية. وارتكبت إسرائيل حرب عام 1948 وتسببت بالنكبة المستمرة. واحتلت القدس الغربية ورحّلتْ (60) ألفاً أي جميع سكانها الفلسطينيين ومارست التطهير العرقي تجاههم. وصادرت أراضيهم وممتلكاتهم. واتخذت من القدس الغربية المحتلة عام 1949 عاصمة لها، كما احتلت القدس الشرقية في حرب عام 1967 وضمتها إلى القدس المحتلة، وأعلنت القدس بشطريها المحتلين عاصمتها الأبدية.

إن الأسباب التي دعت العرب لرفض التقسيم ورفض الصلح والاعتراف والتعايش مع إسرائيل لا تزال قائمة، بل إن تدمير مئات القرى الفلسطينية وإقامة المستعمرات اليهودية على أنقاضها والاستمرار بإشعال الحروب العدوانية وارتكاب المجازر الجماعية ومصادرة الأراضي العربية وضم القدس والجولان وتدمير المنجزات وقتل واغتيال عشرات الآلاف من الفلسطينيين والعرب والاستمرار بالاستعمار الاستيطاني وبناء المستعمرات اليهودية وممارسة العنصرية والإرهاب والتطهير العرقي واستغلال التطرف الديني اليهودي لإقامة دولة يهودية لجميع اليهود في العالم ورفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين تؤكد صحة الموقف العربي الشعبي والرسمي برفض التقسيم ورفض الصلح والاعتراف والتعايش مع إسرائيل والتمسك بخيار المقاومة المسلحة والعودة إلى الميثاق الوطني لتحرير كل فلسطين التاريخية من رأس الناقورة مروراً بأم الرشراش (إيلات اليوم) حتى رفح وزوال كيان الاستعمار الاستيطاني من فلسطين العربية.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى