“اتفاق وقف النار” بغزة.. دلالات ومآلات (تحليل)

يرى محللون سياسيون فلسطينيون أن صياغة اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى قتالا استمر لمدة 5 أيام بين الفصائل المسلحة في قطاع غزة والاحتلال “الإسرائيلي”، يترك الباب مفتوحا أمام تفسيرات مختلفة بين الجانبين حيث يتبنى كل منهما وجهة نظره.

وجاء في وثيقة الاتفاق التي حصلت عليها الأناضول، “بناء على موافقة الطرفين تعلن مصر وقف إطلاق النار بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في تمام الساعة العاشرة مساء (السبت)”. وأضاف: “يتم الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار الذي يشمل وقف استهداف المدنيين وهدم المنازل وأيضا استهداف الأفراد، وتحث مصر الطرفين على تطبيق الاتفاق وتعمل على متابعة ذلك بالتواصل معهما”.

ويقول المحللون في حوارات منفصلة لوكالة الأناضول، إن بعض المصطلحات التي وردت في الاتفاق “تفسيرها غامض” مثل “استهداف الأفراد”، فيعتمد معناها على نوايا الطرفين في القراءة.

فعلى الصعيد الفلسطيني، يقرأون مصطلح “استهداف الأفراد” بما يحقق مطلب الفصائل الفلسطينية وحركة الجهاد الإسلامي بالتحديد في نجاحها بالتوصل لتعهد بوقف الاغتيالات الإسرائيلية، وفق المحللين. واشترطت حركة الجهاد الإسلامي والفصائل الفلسطينية، في تصريحات مختلفة، “وجود تعهد بوقف سياسة الاغتيالات الإسرائيلية للتوصل إلى تهدئة في غزة”.

في المقابل، فإن الاحتلال “الإسرائيلي” يتذرع بهذه الصياغة قائلة إنها لم توافق على مطلب الجهاد الإسلامي في وقف “الاغتيالات” بدليل عدم ذكره نصا في الاتفاق. واستبعد المحللون التزام إسرائيل بهذا الاتفاق الذي عدوه “إنجازا للفلسطينيين”، وأنها قد تلجأ لقصف أو تنفيذ عملية اغتيال إذا توفرت “لديها أسباب أمنية وسياسية وداخلية”.

وفجر 9 ماي الجاري، نفذ جيش الاحتلال عملية عسكرية على قطاع غزة قال إنها ضد حركة الجهاد الإسلامي، استمرت لمدة 5 أيام وأسفرت عن استشهاد 33 فلسطينيا بينهم 6 أطفال و3 سيدات، و6 من قادة “سرايا القدس” الجناح العسكري لحركة “الجهاد الإسلامي”، فضلا عن إصابة 147 آخرين بجراح مختلفة.

وردا على تلك الغارات، أطلقت الفصائل الفلسطينية المسلحة رشقات صاروخية صوب مدن وبلدات من فلسطين المحتلة  منها تل أبيب والقدس، أسفرت عن مقتل شخصين وإصابة 75 آخرين.

إنجاز للفلسطينيين

قال الكاتب والمحلل السياسي أحمد رفيق عوض، إن توصل الفصائل الفلسطينية لـ”صيغة اتفاق” يوقف إطلاق النار في غزة، يعتبر “بحد ذاته إنجازا للفلسطينيين”. وأضاف للأناضول: “الفلسطينيون حققوا إنجازا في كسر المعادلة “الإسرائيلية” القائمة على فكرة الهدوء مقابل الهدوء دون وجود اتفاق ينظم ذلك”.

واعتبر عوض أن هذا الاتفاق “يبدد أيضا الفكرة الإسرائيلية بعدم التفاوض مع الفلسطينيين وأن يد “إسرائيل” ستبقى العليا”. ورأى أن “الاتفاق المنشور حول وقف إطلاق النار من شأنه أن يحترم ويصون كرامة ودماء الفلسطينيين وأموالهم وممتلكاتهم، في حال التزمت إسرائيل به”.

لكن التزام الاحتلال بهذا الاتفاق -حسب عوض- يبقى محلا للشك خاصة وأن تل أبيب سبق وأن اخترقت اتفاقات مختلفة لوقف إطلاق النار بغزة، وفق قوله.

صياغة غامضة

قال المحلل السياسي عوض إن الصياغة الغامضة لوثيقة وقف إطلاق النار، حققت ما تريده حركة الجهاد الإسلامي من اشتراط وقف الاغتيالات. من جهة أخرى، حقق ما تريده إسرائيل حيث تفسره على أنه “ليس التزاما بعدم التوجه للاغتيالات”. ويعتقد أن “الجهاد الإسلامي، وخلال جولة القتال الأخيرة، تأثرت بشكل كبير في ظل الحديث عن خسارة بمقدراتها الحقيقية وبناها التحتية”.

بدوره، رأى المختص في الشأن “الإسرائيلي” شاكر شبات، أن “غموض مصطلح (الأفراد) في وثيقة وقف إطلاق النار، يترك المجال مفتوح أمام الطرفين لتبني وجهة النظر التي يريدونها”.

وذكر شبات للأناضول، أن هذه الجولة “لم يخطط لها الفلسطينيون وكانت ضمن جولات الصراع الطويل والمستمر حيث لم يكن شعار الفصائل تحرير فلسطين أو الانتصار بالمعنى العسكري، فهذا الاتفاق من شأنه أن يوقف العدوان ويجلب الهدوء”. ورجح أن الجانب المصري سيسعى لـ”حماية هذا الاتفاق”، معتقدا أنه “لا يمتلك بعد الآليات اللازمة للضغط على إسرائيل لإلزامها به”.

وأشار شبات إلى أن القدرة العسكرية للفصائل المسلحة “تبقى الضامن لهذا الاتفاق حيث لا يكون من السهل على إسرائيل التنصل من الاتفاقيات وهي تعلم أن ذلك سيقابله تصعيد بضرب مدنها”.

إشكالية التفسير

بدوره، قال المحلل  خلدون البرغوثي، إنه من “الصعب التوصل إلى وقف إطلاق نار في صراع عسكري دون وجود ضامن، والذي تمثل بمصر والضغوط الدولية والأمريكية”. وأضاف للأناضول: “كما أن هناك ضغوطا امن الجبهة الداخلية الإسرائيلية مورست على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لوقف هذه المواجهة”.

ورأى أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه، بصياغته الحالية، يضمن “تقديم نوع من التنازلات من الطرفين خاصة في ظل وجود إشكالية في تفسير بعض المصطلحات كالأفراد، في الصياغة المصرية للاتفاق”.

واستكمل قائلا: ” بناء على هذه الصياغة، كل طرف سيتبنى وجهة نظره وإسرائيل وضعت تفسيرا فوريا لهذه الصيغة، وقالت إنها لم توافق على وقف الاغتيالات”. ويعتقد أن التطبيق العملي لهذا الاتفاق من شأنه “أن يحدد المعنى الصريح لهذه الصياغة”.

تجدد التوتر

وتبقى إمكانية تجدد التوتر العسكري والأمني في قطاع غزة واردة في ظل رسائل أطلقها الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بـ”النار” في الدقائق الأخيرة من دخول الاتفاق حيز التنفيذ. وقال البرغوثي إن “الرشقات الأخيرة المتبادلة، قبل دخول الاتفاق حيز التنفيذ، أرسلت رسائل مفادها أن كلا الطرفين مستعدان لخوض معركة جديدة”.

وقبل ساعة من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، أطلقت الفصائل الفلسطينية رشقات صاروخية باتجاه مدن ومستوطنات إسرائيلية، رد عليها الجيش بقصف مواقع تتبع للفصائل الفلسطينية بغزة.

وبالعادة لا تتلزم إسرائيل، وفق البرغوثي، “بأي اتفاق وذلك لأسباب إما أمنية أو داخلية أو سياسية حيث لن تتردد بتوجيه ضربة أو تنفيذ عملية اغتيال”. وأشار إلى أن وزير الأمن القومي للاحتلال “الإسرائيلي” إيتمار بن غفير، طالب نتنياهو -وفق الإعلام الإسرائيلي-، في الوقت الذي لم يتم فيه التوصل إلى وقف إطلاق نار بغزة، بـ”الشروع في تنفيذ عمليات اغتيال بالضفة الغربية”.

كما أن موعد انطلاق مسيرة الأعلام الإسرائيلية المقررة في 18 ماي الجاري قد تؤدي وفق تقديرات إسرائيلية إلى تفجر جديد في الأوضاع، وفق قوله. وأضاف: “التحليلات الإسرائيلية قالت إن عدم دخول حماس في المعركة الأخيرة، بشكل مباشر وصريح، ربما لأنها تنتظر مسيرة الأعلام لذلك فإن الأنظار تتجه لهذه المسيرة باعتبارها صاعق تفجير”.

من جانبه، استبعد المحلل السياسي الفلسطيني أسامة محمد، التزام الاحتلال الإسرائيلي بتطبيق بنود الاتفاق وذلك لعدم ضمانات حقيقة لذلك. لكنه قال للأناضول إن “مجريات الاشتباك وما نتج عنه من اتفاق يمكن البناء عليه لمنع إسرائيل من توجيه ضربة مباشرة ضد الفصائل بغزة، على الأقل على المدى القريب”.

وكالة الأناضول بتصرف

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى