أوس رمال يكتب عن ذكرى غزوة بدر في زمن توالت فيه الهزائم

كلما حل شهر رمضان الأبرك حلت معه عده ذكريات تحمل دلالات ومعاني سامية  تستفز في نفوس المؤمنين شعور العزة  والكرامة،  وعلى رأسها ذكرى أم الغزوات بدر التي كانت ولا تزال بحق مفخرة من أعظم مفاخر أمتنا الإسلامية ومحطة من أهم محطات تاريخها الا أن نشوة هذا النصر العظيم سرعان ما تنقلب الى نفس الحسرة والأسى يخنق صدور الغيورين من أبناء هذه الأمة بمجرد التفكير فيما آل إليه حال بلاد المسلمين من ضعف وهوان، وبمجرد التأمل في الهزائم المتوالية التي ألفها سيناريوهاتها سادة وكبراء العالم/ ومثل  أدوارها ببراعة  محترفو السياسة في بلاد المسلمين وكانت أرض الإسلام هنا وهناك عبر العالم مسرحا لتجسيد وإخراج فصولها.

واليوم إذ نحمد الله عز وجل أن أحيانا حتى أدركنا هذا الشهر المبارك ونرجوه أن يرزقنا فيه توبة صادقة، وأن لا يحجب عنا فيه مغفرته، نعيد التأمل في هذه الغزوة وفي الرجال الذين صنعوا بطولاتها وفي شيء من سيرة قائدها العظيم صلى الله عليه وسلم، لعلنا نكشف الحجاب عن بعض أسرار هذا الانتصار الذي كان له أثر بالغ في صنع مستقبل الأمة الإسلامية خاصة والبشرية عامة.

كثير هو ما قيل وما قد يقال في حق غزوة بدر الكبرى، ولكن إذا كان التغني بالأمجاد جميلا فاجمل منه الاقتداء بصانعي هذه الأمجاد وأخذ العبر من تضحياتهم ومن سيرهم، وهذه المحاولة المتواضعة ما هي إلا حلقة تحاول أن تجد لها مكانا في سلسلة ما يمكن أن يكتب في شأن هذه الغزوة التي رسمت من أول يوم معالم تاريخنا، وأسس حضارتنا، تلك المعالم والأسس التي ضاعت وللأسف الشديد، فضاعت معها ملامح عزتنا وكرامتنا، فتعالوا بنا نعيد اكتشاف بعض أسرار انتصار المسلمين في هذه الغزوة؛ لعلها تزرع فينا من جديد أمل النهوض لاستحقاق الانتساب إلى خير أمة أخرجت للناس.

قوة الإيمان بالقضية

 إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حوله من صحابته كانوا يعلمون أن هذه الحرب هي مفرق الطريق بين الكفر والايمان،  وبين التصديق والتكذيب،  ولذلك قال ابن هشام كان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر اقتداء بشعار بلال بن رواح،  وهو يذوق ألوان التعذيب المهول في صحارى مكة ليرتد عن دينه،  فهم كانوا يعتبرون انفسهم يحاربون الشرك والكفر، بل إن المشركين أنفسهم كانوا يعتبرونها حاسمة في هذا المجال، ولا أدل على ذلك قول أبي جهل حين  بعث له أيماء بنت رخصة الغفاري رسوله يقول له: إن أحببتم ان  نمدهم بسلاح ورجال فعلنا فاجابه ابو جهل: “أن وصلتك رحم، وقد قضيت الذي عليك، فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس فما بنا من ضعف عنهم، ولئن كنا إنما نقاتل الله كما يزعم محمد فما لأحد بالله من طاقة”… فهم كانوا يعلمون أن هذه الحرب هي التي ستقرر مصير علاقتهم بمحمد وأصحابه وموقفهم النهائي من رسالته  ودعوته. فلا عجب إذن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرض أصحابه ويقول لهم والذي نفس محمد بيده لا يقاتله اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة.

ولا عجب أيضا أن نرى المجاهدين يستجيبون بكل تلقائيه؛ لأن الأمر يتعلق بإعلاء كلمه الحق والدين، فهذا عوف ابن الحارث يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا:  يا رسول الله وما يُضحك (يقصد يرضي) الرب من عبده؟ قال “غمسه يده في العدو حاسرا”، فنزع ذرعا كانت عليه وقذفها ثم أخذ سيفه، فقاتل حتى قتل رحمه الله عليه…

جزء أول / من مقال للدكتور أوس رمال، سبق نشره بجريدة الراية عدد 233 بتاريخ 1997/1/28

 

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى