مداخل الإصلاح في حركة التوحيد والإصلاح

إنَّ المشروع الإصلاحي لحركة التوحيد والإصلاح مشروعٌ رسالي متعدِّدُ المداخل، متنوع المجالات، وواسع الاهتمامات، ويشمل مناحِيَ مختلفةً باختلاف مناحي حياة الناس ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. غير أن الرحابة التي تسم هذا المشروع الرسالي لا تعني بالضرورة اضطلاع حركة التوحيد والإصلاح بكل مجالاته، ولا دخولها في جميع تخصصاته؛ بل تُمَيِّزُ في ذلك بين ما تعتبره مجالا لعملها واختصاصا لمؤسستها تهتم به بشكل مباشر؛ وبين ما تعتبره مدخلا من مداخل الإصلاح، ومكونا ضروريا من مكونات مشروعها الإصلاحي العام، ولكنها لا تدخله في حيز تخصّصها وعملها المباشر، بل تتعاطى معه بشكل غير مباشر وفق ما بلورته من رؤية فيها، ونظرة خاصة إلى كل مدخل من هذه المداخل، ثم هي تتكامل وتتعاون فيه مع غيرها ممن تخصّص فيه؛ وقد تصرف إليه من أعضائها من ينشط له ويجد الرغبة للعمل في إطاره، كما تسعى بشكل عام إلى دعم جهود كل الفاعلين في الإصلاح.

ويتأطر هذا التصور لمداخل الإصلاح والتمييز بين مراتبها بخصيصة الرسالية وفلسفة العمل التنظيمي في تمييز التخصّصات؛ حيث تساهم الحركة مع العاملين فيها من أجل تحقيق المقاصد المشتركة، وذلك من خلال صنوفٍ من الشراكات أو التعاقدات في إطار مشاريع محددة.

 رؤية الحركة لبعض مداخل الإصلاح

إن من بين أهم مداخل الإصلاح التي نهتم بها في مشروعنا الإصلاحي، نجد مختلف مجالات نشاط هيئات المجتمع المدني بما يشمله من تخصصات في العمل الثقافي؛ والخيري؛ والنسائي؛ والطفولي؛ والحقوقي؛ وغيرها. كما نجد العمل السياسي والنقابي، وأيضا الإعلامي والفنّي والاقتصادي.

فالعمل الثقافي يعتبر من بين أهم المداخل التي تعتمدها الحركة في الإصلاح، فهو يستفيد من العمل العلمي والإنتاج الفكري ولا يقف عنده، لأنه لا يهتم فقط بالجانب العقلي أو المعرفي من الشخصية الإسلامية، بل يتوجه إليها في أبعادها المختلفة، ويعمل على إعادة صياغة قيمها المعرفية والوجدانية والسلوكية. وهو ما يجعل المجالات التي يشملها العمل الثقافي واسعة ومتنوعة، كالمجال الرياضي؛ والفني؛ والأدبي؛ والبيئي؛ ومختلف الأنشطة التربوية للطفولة والشبيبة؛ وغيرها.

و كذلك العمل الخيري بمعناه الشامل في الإسلام عبادة تعم المسلمين كافة، كل حسب طاقته، خاصة ما يتعلق بالجانب المعنوي منه، كالكلمة الطيبة؛ والمواساة الشعورية؛ والمساندة المعنوية؛ ونحوها. ويختص الجانب المادي بمن عنده فضل وسعة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(الحج 75). لذا فالإسهام في هذا العمل الجليل واجب، ببعث هذه المعاني جميعها في الناس وحضهم على عمل الخير بشتى أنواعه، وتوجيه ذلك ترشيدا وتأطيرا وتنـزيلا، حتى يصبح خلقا عاما في المجتمع، ومعنى حيا في القلوب يعزز الروابط الاجتماعية فيه. وهو عمل قد تنوعت مجالاته، وتشعبت قضاياه، وتطورت طرائق العمل فيه؛ حتى صار العمل في إطاره تخصصا قائما بذاته، له كوادره ومتخصصوه، وهو ما يقتضي لكل عامل للإصلاح أن يهتم به، وأن يتعاون مع أهل الاختصاص فيه بحسب وسعه وموقعه، وهو إلى ذلك مساهم فيه، حائز من فضله وبركته نصيبا مباركا.

ومن أهم هذه المداخل مختلف الأعمال المرتبطة بالأسرة، والرامية إلى حمايتها وحفظ تماسكها، والتي تعتني بها كوحدة وبنية مجتمعية، وأيضا بأفرادها، ويدخل في هذا الإطار العمل النسائي بما هو مجموع الأعمال والأنشطة والمؤسسات التي تهتم بقضايا المرأة والأسرة، وتكون موجهة ومفتوحة أساساً لعموم النساء، اعتبارا لما تمثله الأسرة في النظام الاجتماعي الإسلامي، ولمكانة المرأة التي هي عماد هذا النظام. فالتحديات التي تواجه مجتمعاتنا الإسلامية ونظامها الأسري والاجتماعي، تستوجب أكثر من أي وقت مضى مبادرات وجهودا تمكِّن من تحصين المكتسبات الموجودة في الواقع، وتُقدّم رحمة الإسلام للعالمين في مجال النظرة للمرأة والأسرة. وهذا المجال يستدعي تخصصا فيه؛ وعلما به؛ وتفرغا له، نظرا لما يعرفه من تطور مستمر في تحدياته الفكرية والثقافية والاجتماعية والإعلامية، ناهيك عمّا تتعرض له مؤسسة الأسرة جرّاء الاستهداف الممنهج للمرأة التي تعتبر عمودها الفقري؛ إضافة إلى التحولات الاجتماعية والأخلاقية الكبرى التي تعرفها المجتمعات الإنسانية بصفة عامة، والعربية والإسلامية بصفة خاصة، وهو ما يفرض على أي عمل إصلاحي أن يضع على رأس أولوياته الاهتمام بالأسرة، وترشيد العلاقات الأسرية، والاهتمام بالطفولة، كما يستوجب قيام مؤسسات تهتم بحماية وتقوية نسيج الأسرة المسلمة وحمايتها من كلّ عوامل التفكك.

ويقاس على هذه المداخل مجال العمل الطفولي، بما يستدعيه من عناية بالأطفال واهتمام باحتياجاتهم، تربية وتعليما وتحصينا من عوامل الفساد والانحراف، ففي هذه العناية عون للأسرة على تماسكها، وتكميل ودعم لرسالتها. ومن مقتضيات ذلك دعم الأسرة في تربية الأطفال وإصلاحهم من خلال تقديم التربية الدينية الملائمة، وكذا التربية على قيم المواطنة والانفتاح والحوار والإبداع، والإسهام في إنتاج المادة العلمية والإعلامية في مجال تربية الطفل، وإعادة الاعتبار للدور التربوي للمؤسسات المهتمة بالطفل، وإيجاد فضاءات لتبادل الخبرات والتجارب بين هذه المؤسسات والهيئات، لتطوير وتنمية عملها الموجه للأطفال.

ومن أهم مداخل الإصلاح التي تهتم بها الحركة العمل السياسي الذي نقصد به مختلف الأعمال والمهام الرامية إلى التزام المؤسسات والممارسات السياسية بمبادئ الإسلام وأحكامه وقيمه، وأن تكون منضبطة بالتوجيهات الإسلامية التي تؤطر مجال العمل السياسي. فالسياسة تتداخل مع حياة الناس اليومية، وتوجه أفكارهم واهتماماتهم، وتعبّئهم ضد أمور وتدفعهم إلى أخرى؛ لذا وجب أن ترتكز نظرتنا للإصلاح في المجال السياسي على مواقف شرعية عملية، مبنية على تصور صحيح للواقع، فيندرج بذلك اجتهادنا السياسي في إطار السياسة الشرعية الساعية إلى تحقيق أكبر قدر من المصالح، ودفع أكبر قدر ممكن من المفاسد، وتأمين أحسن الشروط من أجل تحقيق أكثر ما يمكن من المقاصد المذكورة. كما يجب أن ترتكز على دعم الاختيار الديمقراطي، والعمل على ترسيخه والارتقاء بأدائه، حتى يكون في أحسن صورة ممكنة، سواء من حيث توافقه مع الثوابت الدينية والحضارية للأمة، أو من حيث إرجاع المصداقية له على مستوى الممارسة والتطبيق. فحركتنا تعتبر الديمقراطية وحقوق الإنسان مكسبا عظيما للبشرية، تبلور من خلال القيم الدينية الخالدة، ومن خلال كفاح الشعوب وزعمائها المصلحين ومفكريها المستنيرين، وهي ملتزمة بما تقرّر منها في الإعلانات والمواثيق الدولية باستثناء ما تعارض منها تعارضا بينا مع أحكام ديننا وشريعتنا. كما تؤمن الحركة بالتعددية السياسية والحزبية والفكرية والثقافية في إطار الثوابت العامة للأمة، وتؤمن بضرورة حماية الحقوق الكاملة لغير المسلمين مغاربة كانوا أو أجانب، وتعتبر ذلك من القسط والبر المأمور بهما في قوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمُو أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(الممتحنة 8). كما أن حركتنا لا تقبل أن يكون بلدنا وشعبنا مجرّد مقلّد ومستهلك، بل تؤكد على أننا مؤهلون – بتراثنا الديني والحضاري ورصيدنا البشري – لكي نضفي من أصالتنا واجتهادنا على الديمقراطية وحقوق الإنسان ما يجعلهما أكثر غنى وأكثر ملاءمة لنا وللبشرية جمعاء.

إن هذه الأعمال وغيرها (كالعمل النقابي والإعلامي والاقتصادي..) مما لم يجر التفصيل فيه، إنما هي أعمال تقع ضمن دائرة الاهتمام العام للحركة، باعتبارها مداخل هامة للإصلاح المنشود. ويمكن للحركة أن تشارك وأن تحضر في بعض السياقات المخصوصة، كتلك التي تتعلق بقضايا الشأن العام، والتدافع على قضايا المرجعية الدينية والهوية والتوجهات والثوابت العامَة الجامعة؛ التي تهمّ الوطن والأمة والإنسانية دعما لفاعلية المجتمع في الإصلاح.

من ميثاق حركة التوحيد والإصلاح/طبعة 1440هـ/2019

للاطلاع على :

———————–

  • [1]ـ صحيح مسلم كتاب الإيمان: باب في قوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين) عن ابن عباس.
  • [2] ـ صحيح البخاري: كتاب الإيمان؛ عن النّعمان بن بشير.

-*-*-*-*-*-*-*-*-

للاطلاع على:

للاطلاع أيضا على: 

 المكتب التنفيذيهيئاتنا الوطنيةهيئاتنا الجهويةهيئاتنا الإقليميةرؤساء الحركة

جهة الوسطجهة الشمال الغربيجهة القرويينجهة الجنوب

وثائقنا وأوراقنا

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى