فخ الاستهلاك في رمضان.. لماذا؟

كشفت المندوبية السامية للتخطيط في أحد نشراتها الإخبارية الأخيرة عن ازدياد مصاريف المغاربة في رمضان بنسبة 16.3 في المائة في المتوسط. وأوضحت المندوبية أن إنفاق الأسر في شهر الصيام يعرف تزايدا ملحوظا في استهلاك الطعام  إلى أزيد من الثلث مقارنة مع الأيام العادية.

وأكدت المندوبية على أن هذه الزيادة تتفاوت حسب مستوى عيش الأسر، إذ تصل نسبة الزيادة عند بعض الأسر المحدودة الدخل والأسر الميسورة من 22.5 في المائة على 40 في المائة.

وتشير النشرة التي اعتمدت معطيات إحصائية بين شهري يولويوز 2013 ويونيو 2014 إلى أن ازدياد استهلاك الطعام في رمضان يقابله في نفس الوقت تراجع في فاتورة اقتناء الملابس  بنسبة 13 في المائة في المتوسط. كما تؤكد المندوبية أن هذا الارتفاع في الاستهلاك يقابله أيضا ارتفاع في أسعار بعض المواد الاستهلاكية كالسمك والبيض والفواكه.

وأصبح واضحا للعيان أن المغاربة يعرفون تحولا جذريا في وتيرة الاستهلاك في رمضان، ما يخلف العديد من الآثار الاجتماعية والثقافية السلبية، والتي تناقض روح الصيام ومقاصده.

كسر النفس عن الشهوات

يرى العالم والفقيه المقاصدي أحمد الريسوني أن أول معاني الصيام وأبرز مقتضياته ومقاصده هو تقليل الأكل والشرب وكبح شهوات البطن، ويستشهد بقول الفقيه المالكي ابن رشد القفصي: “حكمة مشروعيته: كسر النفس عن الشهوات والتشبه بسكان السموات وتصفية مرآة العقل”.

وهو ما يعتبره رئيس مركز مقاصد للدراسات والبحوث مخالفا لعموم الناس الذين “يأكلون ويشربون في رمضان أكثر مما يفعلون في غير رمضان. وقد يكون جزء من المواد الغذائية المستهلكة ليس مما يؤكل ويشرب فعلا، وإنما يهدر ويذهب سدى مع ما يرمى من القمامة، وهذا مؤسف وسيء للغاية، وخروج عن مقاصد الصيام”

أحمد الريسوني الذي ألف رسالة علمية توجيهية في هذا الصدد بعنوان “رمضان بين الجود والإسراف” يستشهد بالكثير من الآيات  والأحاديث النبوية التي تنهى عن الإسراف في الأكل والشرب وتحذر، من ذلك قوله تعالى:  ” وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ” (الأعراف 13) كما أن الله تعالى سيسأل الناس عن النعم التي وصلتهم: “أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ” (سورة التكاثر).

وفي كتاب اللباس من صحيح البخاري: “قال النبي صلى الله عليه وسلم: كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا، في غير إسراف ولا مَـخِيلة. وقال ابن عباس: كلْ ما شئت والبسْ ما شئت ما أخطأتك اثنتان: سَرَف أو مَخيلة”. وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثُلثٌ لطعامه وثلثٌ لنفَسه”.

الاستهلاكية أخت الامبريالية

لا يرى الدكتور سلمان بونعمان فرقا يذكر بين النزعة الاستهلاكية والامبريالية، فهما يشتركان في الكثير من الخصائص والسمات؛ المتمثلة في توسعية كليهما وسعيهما إلى تحويل الإنسان إلى سوق يمكن أن تلقى فيه بالسلع، بل إن الاستهلاكية حسب المفكر الشاب تعتبر المجال الحيوي للامبريالية حيث إنها تستهدف النفس البشرية، بوجدانها وشعورها ونماذجها الإدراكية وتطلعاتها. “وبدلا من القيام بالغزو العسكري المباشر والتدخل المادي تقوم أدوات الترويض الجديدة من إعلام وسينما وموضة وغيرها بغزو الإنسان والهيمنة عليه والسعي لإنتاج سيكولوجية الإنسان المقهور”.

سلمان بونعمان رئيس مركز معارف دعا  لبناء النهضة المنشودة في مقالة علمية بعنوان “في نقد النموذج الاستهلاكي المعاصر”، نشرت على موقع مركز نماء للبحوث والدراسات  إلى “ثورة مضادة لموجة التطلعات المتزايدة وآثارها الثقافية والقيمية المدمرة، وعلى ما خلفته الحداثة الداروينية من صراع وتفكك واستهلاك جنوني، ثورة تبتدئ بتحرير الذات والفكر من هذا الاستعمار النفسي وخوض معركة لتحرير الإنسان، بهدف تفعيل رساليته في الوجود واستخلافه في الأرض واسترجاع إنسانيته ذات الأبعاد المتعددة والمركبة باعتباره صاحب هوية وحاملا لقيم النهضة والتحرر، وتبني الإسلام كرؤية للكون بمرجعية إنسانية منفتحة”.

الإشهار آلية “الاستهلاك المرضي”

الباحث المتخصص في الإعلام يرى أن الإشهار يمثل الآلية الأهم في تشجيع ما أسماه ب”الاستهلاك المرضي”، معتبرا أن دور الإشهار يتجاوز تشجيع الاستهلاك إلى ما سماه “تأبيد تبعية المغلوب للغالب”. كما أن ارتفاع نسبة الشباب في الهرم السكاني المغربي، تجعل الكثير منهم عرضة وهدفا ل”حملات إشهارية بشكل غير مباشر عندما يشاهدون برامج التلفزيون التي يتابعها آباؤهم” ويضيف أن هذا الاستهداف يدفع الشباب للوقوع في دوامة اللهاث وراء المشتريات وتضييع الأموال”.

ويعدد الباحث في مركز الدراسات والأبحاث المعاصرة الآثار الاجتماعية والثقافية للاستهلاك “المرضي” في مداخلة قدمها ضمن ندوة بعنوان “ترشيد الاستهلاك من ترشيد التدين” نظمتها حركة التوحيد والإصلاح سابقا، في؛ لجوء الشباب إلى الضغط على آبائهم أو اللجوء إلى طرق غير شريفة لتحقيق رغبة الاستهلاك. إضافة إلى عجز الأسر المغربية عن الادخار مستشهدا بتقرير للمندوبية السامية للتخطيط في الفصل الثاني من 2013 أشار إلى أن 85.1 في المئة من الأسر المغربية عاجزة عن الادخار خلال 12 شهرا الموالية، وهو ما يعرض الأسر إلى أزمة حقيقة في حال التعرض إلى مشاكل طارئة.

الإصلاح/ أحمد الحارثي

نشر يوم 2016/6/17

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى