سؤال الطفل المغربي والعطلة الصيفية في ظل “كورونا”4/1 – الحبيب عكي

1-  أي رؤية موضوعية للفاعل المدني للعطلة الصيفية؟

مع نهاية كل موسم دراسي،يطرح سؤال العطلة الصيفية للأطفال والأسر الميسورة والكادحة،وهي تبحث عن حظها من الراحة والاستجمام بعد طول العناء،ويزداد الطرح حدة هذه السنة 2020، لكون موسم الصيف قد تزامن مع التداعيات الوخيمة لجائحة “كورونا” على جميع الفئات والقطاعات المتضررة،ومنها فئة الأطفال المحجور عليها في المنازل أزيد من ثلاثة أشهر متتالية،وكذا المعتاد من قطاع المخيمات التي يقال أنها ستلغى هذه السنة، بسبب استمرار أهم الإجراءات الاحترازية للوقاية من الوباء، وعلى رأسها صعوبة التنقل بين المدن وضرورة التباعد الاجتماعي، أضف إلى ذلك صمت الوزارة الوصية رغم محاولات الجمعيات الشريكة استنطاقها دون جدوى، وأخيرا أكد بلاغ لسيادتها أن المخيمات ستفتح في شهر شتنبر بإذن الله، يعني أنها ستغلق طيلة الصيف. فما هي البدائل الممكنة لتجزية الأطفال والأسر لعطلة صيفية مريحة وممتعة، خاصة بعد مخلفات الضغط النفسي المرتفع للحجر الصحي على الجميع، والحاجة إلى الترويح والاستجمام عندهم أمر ضروري ومؤكد ؟

أعتقد أن الفاعل المدني، وبكونه صاحب قوة اقتراحية ونظرة شمولية، لا ينبغي أن يستمد رؤيته حول العطلة الصيفية للأطفال في ظل جائحة “كورونا”، إلا من خلال رؤيته العامة للوضع العام في البلاد وعبر العالم، خلال وبعد “كورونا”، ومن خلال ما كونه من تشخيصات ومقترحات حلول يمكن أن يساهم بها في ما ينتظره الناس بعد الجائحة من النقاش الوطني لمعالجة ما خلفته هذه الجائحة من إشكالات. فمن قائل بضرورة تنظيم المخيمات، إلى قائل بضرورة إلغائها، إلى قائل بضرورة تكييفها أو تعويضها بالممكن من العطل الصيفية المعتادة، ولابد من إجابة ضرورية في اتجاه تطوير النقاش، ومن أجل ذلك يمكن الوقوف على بعض النقط الأساسية التي تشكل ولاشك مداخل للموضوع الإشكال والحل الممكن وهي:

1- إدراك حجم الجائحة على حقيقتها:

هذه الجائحة التي تخطت كما يقال صور الصين العظيم واستباحت بفظاعتها جل دول الشرق والغرب، أوقفت الحافلة والقطار وأغلقت الميناء والمطار وأوقفت الدراسة الحضورية والصلاة الجماعية، والملاعب الرياضية، والأنشطة الجماعية، لم تراعي حرمة رمضان ولا طقوس العيد، ولا الحج ولا العمرة…، فكيف نريدها أن تحترم لنا العطلة الصيفية؟ حتى وإن رفع الحجر الصحي، فإن حالة الاستثناء والتباعد الاجتماعي سيكونان في الغالب لا يزالان ساريا المفعول وقد كان.

2- الصحة أولى الحقوق في الظرف الراهن:

وقد رأينا المجهودات الجبارة والاحترازات الصارمة وسيل من الوصلات التحسيسية والحملات التمشيطية والتنسيق غير المسبوق بين الطب العمومي والخصوصي والعسكري..، كل هذا من أجل حفظ صحة المواطن و وقايته من خطر الجائحة، وفعلا أتت كل هذه التدابير نتائجها بشكل مبهر وأكثر مما كان متوقعا، ولا أعتقد ينبغي المجازفة بهذه المكاسب الصحية، وإذا كان التخييم من حق الطفل فإن الصحة في الظرف الراهن أولى حقوقه.

3- الأولوية في المجتمع للقطاع الاجتماعي:

وقد رأينا الهبة الاجتماعية والحملات التضامنية التي حاولت أن تواسي العديد ممن تضرروا من الجائحة بتوقف أعمالهم ومصادر أرزاقهم (على عكس بعض الدول التي منحت مواطنيها إجازة مدفوعة الأجر)، ورغم ذلك لا زال هناك الخصاص والاحتجاج، بشكل لا أظن فيه الرأي العام السياسي والوطني ولا غيره سيقبل أولوية أخرى مزاحمة للشأن الاجتماعي مهما كانت،(فحوالي 6 ملايين أسرة بما قد يعادل 30 مليون فرد، لا يمكن أن تقدم عليهم ربع مليون طفل ممن يستفيدون من المخيمات، وممن هم جزء من هذه الأسر التي لها أولويات عيد الأضحى والدخول المدرسي وتنتظر المساعدات).

3- المخيمات لا تنظم في ظروف محفوفة بالمخاطر،ولا ينبغي التشجيع على المغامرة بذلك: 

صحيح أن أزيد من ثلاثة أشهر متتالية من الحجر الصحي على الأطفال في منازلهم، شكل ضغطا نفسيا كبيرا عليهم وعلى أبائهم المضغوطون بدورهم، وأكيد أنهم عاشوا في جو مخيف من الوباء وحرموا من الخروج ومن الدراسة الحضورية ومن اللقاء مع الأصدقاء..، واليوم سيرفع عنهم الحجر الصحي،ولكن في ظروف هشة لازالت تستدعي كل الإجراءات الاحترازية للوقاية من المرض كوضع الكمامة والتباعد الاجتماعي والتعقيم والنظافة.. فمن يضمن للمخيمات كل هذه المستلزمات؟ ونحن الذين عشنا في مخيماتنا طوال عقود بأزيد من 20 قطاع شريك ولا شريك على أرض الواقع بالشكل المطلوب،شراكة مع قطاع الصحة ولا نجد أطباء في المخيم، وشراكة مع النقل وكل عسر الجمعيات في التنقل من وإلى المخيم، وشراكة مع البيئة والمرافق الصحية دائما مخنوقة..؟؟

وبالتالي لا ينبغي – في نظري – المغامرة بأية مخيمات غير جاهزة وغير مضمونة العواقب، ولا ينبغي دفع الجمعيات في ذلك الاتجاه، وكلنا يعرف أنها لا زالت تشتغل مع الأسف في فراغ قانوني ولا شيء يحميها من تحمل المسؤولية عن كل ما يمكن أن يقع لها من الأحداث والحوادث عن تفريط أو غير تفريط، وكلنا لا زال يتذكر بعض الأحداث المؤسفة التي وقعت في بعض المخيمات على قلتها، احتراق خيمة في الأطلس،غرق طفل في شاطئ الجديدة، وكم كانت معاناة الجمعيات إزاء كل ذلك ولم تخرج منه إلا كالخارج من عنق الزجاجة.

وهب جدلا أن الترافعات الجمعوية أو حتى الوزارية قد أفلحت في استصدار قرارات بعكس هذا وأقرت بما لا ينبغي  – في نظري – أن يقر به، فأعتقد أن الأسر والآباء أول من لن يتشجعوا على منح الجمعيات أبنائها ليغامروا بهم في ظروف ما زال الجميع يعافس فيها تداعيات الجائحة، إذ كيف سيحجر الناس على أبنائهم في منازلهم ثلاثة أشهر متتالية خوفا من الإصابة والهلاك، ثم في لحظة غير محسوبة العواقب يهبونهم لمخيمات قد تسبب لهم في ما ظلوا طوال الحجر الصحي يخشونه من الإصابة والهلاك؟

وهذا لا يعني في شيء باستحالة العطلة الصيفية الممتعة والمفيدة، بقدر ما يعني استحالة المخيمات الصيفية ولو بتغييرات وتكييفات يقترحها البعض كمخيمات القرب أو التنشيط الجمعوي في الأحياء والساحات العمومية، ولا يعني هذا أيضا وبالمطلق أي سماح بالمساس بميزانية المخيمات والطفولة والشباب في شيء، وشتان شتان ما بين كل هذه الأمور والإشكالات. ترى ما هي البدائل الممكنة لتجزية عطلة صيفية ممتعة ومفيدة للجميع، خارج المعتاد من المخيمات الصيفية التقليدية والفضاءات والبرامج التقليدية لها، وحتى الإطارات التقليدية الداعمة لها.

(يتبع)        

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى