رفوش يتحدث عن تجليات عظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم

كان علي رضي الله وأرضاه إذا سئل عن رسول الله ليتحدث عنه أخذته هيبة عظيمة وهذا دأب كثير من المسلمين من الأمة، ولكنه رضي الله وأرضاه وهو ذو المقام المعروف والمعهود من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أجاب سائله جوابا بديعا، فقال رضي الله للسائل : هل تستطيع أن تصف الدنيا فقال؟ السائل ومن يستطيع أن يصف شيئا بزنة السماوات والأرض ما له أول وأخر علي وكبير لا يمكن لأحد أن يصف الدنيا إنها لشيء كبير، فقال له علي رضي الله عنه، لم تستطع أن تصف شيئا قال الله عنه في كتابه ” قل متاع الدنيا قليل” وتريد مني أن أصف لك شيئا قال عنه العظيم في خلقه و”إنك لعلى خلق عظيم”، وهذا يحيلنا على قول عائشة رضي الله عنها كما في الصحيح وغيره حينما سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابت أيضا بجواب غاية في الروعة والإبداع إذ قالت “كان خلقه القران”، وهناك تفسير مشهور لعلماء في معنى هذا الرد من عائشة رضي الله عنها، وعندنا فيه ملحظ آخر ذكره بعض أهل العلم يصب في معنى العجز الذي ذكر عن علي رصي الله عنه، فهي لم تجب سائلها عن ماهية خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قات له أن الذي تسأل عنه لعظيم أو تعرف القران الذي هو كلام رب العالمين أن كلامه عظيم وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خلقه وظاهره وباطنه قران، فهو من عظمة القران، ومن لا يستطيع أن يصف القران فكذلك لن يستطيع أن يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولذلك أيها الأحباب الكرام نستغل مثل هذه المناسبات العظيمة وأنا أستغرب كثيرا من بعض إخواننا حينما يتحرج وهو يذكر هذه الذكرى الشريفة في التنقل بين اللام والهمزة ولا أظن أن حكما سيتبدل من تحريم إلى تحليل أو من تحليل إلى تحريم بفارق حرف، فلا داعي أن نتعنت في احتفال أو احتفاء، فبحسب رصدي القاصر لم يأتنا بهذه البدعة اللفظية سوى أقوام عمدوا إلى تضليل أمة محمد صلى الله عليه وسلم في احتفالها بهذا الشرف الكبير وغلبوا بعض مظاهر ما يُنتقد عند بعض العلماء باتفاق، وأرادوا ان يستأصلوا بها أصل ما هو مستحب عند عامة أهل العلم ولا حرج في تأصيله، فلما عرض لهم من مناسبات متبوعيهم ومعظميهم من ملوكهم أو من سلوكهم، وعمدوا إلى جعل الذكريات لهم والمناسبات العشرية والمئوية ونحوها قالوا كيف نخلص وقد شهر علينا تبديع الاحتفال برسول الله فأفتى لهم شيخ نجد أو الشيخ النجدي، أقصد “وإن الشياطين ليوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا”، أن يجعلوا بدل اللام همزة فقالوا هذا احتفاء بالشيخ الفلاني، أما الاحتفال فحرام، وعليه فجاز الاحتفاء وحرم الاحتفال، وشيخنا والعلماء يعلمون بأن مثل هذا لن يمر على الفقهاء ولا الأصوليين وحتى أهل المقاصد الذين ينظرون في البواطن، وعليه فقولوا احتفالا ولا تتحرجوا، فان الله عز وجل قد عظم من مقام هذا النبي فكان عند كثير أهل العلم أن تعظيم رسول الله ومدحه ليس مجرد حدث عابر وإنما يرقى لأن يكون من مصادر القران العظمى التي تكون  محاور الدنيا والآخرة وينبغي أن تكون على ذكر كل مسلم في باطنه وظاهره في حله وترحاله وفي كل وقت وحين.

وحينما نقول مقاصد القرآن فيكفي في تعظيمها، ولذلك ألف بعض أهل العلم في تعظيم القران لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومدحه له من الفاتحة إلى الناس ونصوا على أنه لا تكاد تخلو صفحة من الكتاب العزيز إلا وفيها ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم مدحا وثناء وتعظيما وتحتفلا واحتفاء بصورة أو بأخرى، ولنأخذ على ذلك بعض الأمثلة، فمن الأمثلة أنهم ذكروا بأن القران الكريم في علم فواتحه منها قسم يسمى مفتتحات النداء وهذه المفتتحات عشر سور فذكر منها خمس نداء البشرية على قسمين امة الدعوة يا أيها الناس، وأمة الاستجابة وهذه للمؤمنين يا أيها الذين امنوا، وبقي من العشرة خمسة أخرى أفرغت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يا أيها النبي في ثلاث ويا أيها المدثر ويا أيها المزمل فقال أهل العلم بالقران لو وضع رسول الله في كفة لرجحت به كفة الخلائق أجمعين أمة دعوته وأمة استجابته، والكتاب العزيز على قسميه مطولا ومفصلا، قال بعض أهل العلم ختم مفصله بحماية من شرور الباطن في قوله تعالى قل أعوذ برب الفلق وفي قوله تعالى قل أعوذ برب الناس، كما ختم مطوله بسورة محمد وسورة الفتح بالدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن مظاهر تعظيمه في الكتاب العزيز على وجه الإجماع أن الله عز وجل خصه بعناوين المضامين من سور الكتاب العزيز وذلك حسب بعض أهل العلم في سبع سور مشهورة وهي سورة المدثر والمزمل والنور والفجر وسورة النجم فمثل هذا العظيم الذي يرقى لأن تجعل سور القران أسماءها على اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتمة السبعة طه وياسين، دليل أيضا من الأدلة على أن القران فرغ في كثير من سوره وآياته للاحتفال برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شواهده أيضا ما ذكره أهل العلم في قوله تعالى “إن الله وملائكته يصلون على النبي” وهذه الآية فيها كثير من النكات والإسرار التي تتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم لفظا ومعنى، ومن جملة النكات فيها أنها الآية الوحيدة لتميزها في معناها تميزت في لفظها، فلم يأت النداء للمؤمنين إلا متصدرا إلا في هذه الآية من الكتاب العزيز فجاء في ثناياها “إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين امنوا” حتى تكون استجابة تثنية بعد ذك الاحتفال الكبير من الله جل في علاه لنبيه في ملأ ملائكته، فإن الله عز وجل مدح ادم عليه السلام بأن أمر ملائكته أن تسجد له وهذا تعظيم نال به آدم عليه السلام المكانة الشهيرة المعروفة، ولكن رسول الله خص بأن كان الله جل في علاه في ذلك المحفل يتقدم الجمع المهيب من الملائكة، وقد سبح بعض أهل التفسير في هذه الآية أن الله على عظمته وجلالته وملائكته كم عدد الملائكة؟ وما هي أصناف الملائكة؟ وعلى اختلاف أعمالهم ومنازلهم واواهم وآخرهم والرسول عليه السلام قال: (أطت السماء وحق لها أن تئط ما منها موضع دم وفي رواية شبر وفي رواية إصبع إلا فيها ملك قائم أو راكع أو ساجد لله عز وجل)، والبيت المعمور في كل لحظة من الزمن يدخله سبعون ألفا ولا يعودون وناهيك عما قيل في حملة العرش وما قيل في غيرهم من ألوان الملائكة، كل هذه الأصناف تصلي على رسول الله، وتعظمه وتمدحه وتثني عليه، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لعظمته عند ربه ولمعرفته بمنزلته عاتب جبريل عليه السلام في تأخره عن المجيء إليه وجبريل عليه السلام ما هو إلا عبد مأمور ولكنه يدرك منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاءه كما ذكر أهل التفسير في سورة مريم، وقال له صلى الله عليه وسلم (ما أبطأك عنا يا جبريل) فتحرج جبريل ولم يدر ما يقول لرسول الله وهو بين يديه كالتلميذ بين يدي المعلم، وإذا بربنا جل في علاه يتدخل ليغيث جبريل بين يدي رسول الله فيوحي إليه “وما يتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما كان بين ذلك وما كان ربك نسيا”.

ومن آيات التعظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى في عبادته لربه هذه العبادة التي هي منتهى ما يفعل العبد بين يدي ربه عز وجل وهي العربون لجنته، هي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لمصلحته قال تعالى :”وسبح بحمد ربك عند طلوع الشمس وعند غروبها ومن أناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى”، ولم تقل هذه إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أن عبادته لرضاه في ذاته صلى الله عليه، ولو أردنا أن نذكر نماذج من كتاب الله تعالى لطال بنا المقام، ولكن الغرض أن نؤكد بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استحق من أسباب التقدير والتعظيم والاشتياق الشيء الكثير، وكيف لا نشتاق إليه وقد سبقنا صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال مرة بين يدي أصحابه يذكر إخوانه فقالوا له أو لسنا إخوانك؟ فقال أنتم أصحابي إخواني أناس يأتون من بعدي، فالنبي صلى الله عليه وسلم بين شوقه إلينا أفلا نشتاق إليه، وقد اشتاق له الجذع حنينا واشتاق إليه كل من في السماوات والأرض واثنوا عليه ومدحوه، والله دافع عن أصفيائه ودافع عن أنبيائه وخص الرسول صلى الله عليه وسلم بما لم يخص به أحدا، هذا موسى عليه السلام لما أراد الله تبرئته جعلها في حجر عادي وهذه مريم عليها السلام لما أراد الله تبرئتها جعل هذا على لسان نبي، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فلما وقع أهل النفاق في الإفك جعل تبرئته بكلام العلي القدير، وهي صورة أيضا من صور تعظيم رسول الله صلى الله علتي وسلم.

ونحن في المغرب نفرح أنه ما زال قدوة في هذا الباب علما وعملا وإحياء وتذكرة ويكفي أن الله تعالى خصه بأن من أعظم الكتب في هذا الباب ثلاث كتب وهي مغربية بامتياز، الشفا للقاضي عياض، والبردة للبصيري، والدلائل لسيدي سليمان الجزولي، أما الأول فسبتي مراكشي، وأما الثاني فصنهاجي، وأما الثالث فسوسي مراكشي أيضا، فعلينا أن نفرح ونفخر بهذا الإرث، والكلام طويل في جناب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جمع من أسباب المحبة والتعظيم ما اتفق كل الناس على الإذعان له وقد ذكروا بأن أسباب المحبة خمسة يحب كل أحد من أجلها : الجمال والإحسان والرجاء والمنفعة ورسول الله صلى قد حاز من هذه الأسباب ما يستحق المدح والثناء في كل وقت.

تفريغ كلمة الدكتور عادل رفوش خلال حفل المولد النبوي الذي نظمته الحركة بتاريخ 23 نونبر 2018.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى