رفع الحجر الصحي بين الرغبة والإكراه – نورالدين قربال

بناء على طلب من رئيس الحكومة إلى رئيسي مجلسي النواب والمستشارين، تم عقد يوم 18 ماي 2020 اجتماعا مشتركا للبرلمان للاستماع إلى بيانات تتعلق بموضوع الحجر الصحي والتصور الحكومي سواء ما نعيشه اليوم أو التصور المستقبلي وذلك بناء على الفصل 68 من الدستور.

ومن خلال كلمة رئيس الحكومة نؤكد على أهميتها خاصة والكل ينتظر الجديد في موضع الحجر الصحي خاصة وأن المدة التي تم تحديدها من قبل هي نهاية 20 ماي 2020، فإننا نستنبط أن مضامينها اعتمدت على استراتيجية منهجية يغلب عليها البعد البيداغوجي لتقريب القرار النهائي إلى الجميع بطريقة تربوية وواقعية. فكيف تم ذلك؟

بداية نعتز بالتلاحم بين الجميع تحت قيادة جلالة الملك نصره الله لمواجهة جائحة كورونا ووضعت إجراءات استراتيجية شجاعة همت الامتثال لإجراءات صحية، لأن الأولوية لصحة المواطنين. إذن تحية للجميع الذين جنبوا البلاد والعباد لا قدر الله كوارث كثيرة كما هو الشأن بالنسبة لدول أخرى أكثر منا عدة في هذا المجال.

وكون هذا الوباء عدوا شرسا أثبت عجز العالم لمواجهته إلى يومنا هذا، فإن المطلوب من الجميع التحلي بالنفس الطويل. لقد نهج المغرب مقارب شمولية، انطلاقا من ركائز واضحة : الحكامة، الاستباقية، والتواصل المستمر بكل شفافية ووضوح، مع تشكيل لجن للتتبع والمتابعة على جميع المستويات، لذلك منذ 20 مارس 2020 وضعت الدول المغربية مئات الإجراءات التي لعبت دورا أساسيا فيما نحن فيه اليوم من ايجابيات محمودة.

وقد التزمت الحكومة بوضع منصة الكترونية لاستقبال كل الشكايات خاصة ذات الطابع الاجتماعي في أفق الانتهاء من المسطرة التي ستعجل بإخراج السجل الاجتماعي الموحد، والوكالة الوطنية للسجلات.

ورغم أن المغرب لا يتوفر إلا على حوالي 50 حالة حرجة، وأقل من 20 تحت التنفس الاصطناعي، فإن الوضع مازال يتطلب الحذر واليقظة، ولذلك أكد رئيس الحكومة على أن الخروج من الحجر الصحي أصعب من الدخول إليه، والعلة في ذلك أن هناك أسبابا اجتماعية وصحية واقتصادية وسلوكية تحول دون ذلك.

صحيح أن الحجر الصحي صعب وشاق، والمعادلة صعبة بين تعزيز المكتسبات والتداعيات الاجتماعية والاقتصادية والصحية والإكراه الأكبر هو التكاثر رغم التقدم الحاصل على مستوى نسبة الوفيات، والإنعاش، وتقليص انتشار الوباء، ولولا هذا المجهود المبذول من قبل الجميع لكان عدد الوفيات حوالي 200 يوميا. والمقلق الأكبر في هذا هو وجود بؤر صناعية وتجارية وعائلية  وبعض المؤسسات السجنية، إذن فالوضعية الصحية مستقرة ولكنها غير مطمئنة، إذن الحكومة كانت في اتخاذ القرار المناسب  تتأرجح بين الرغبة والإكراه، والترجيح صعب لكنه ضروري، ومن تم وبناء على الحيثيات المذكورة قررت الحكومة تمديد حالة الطوارئ والحجر الصحي لمدة ثلاثة أسابيع  بعد 20 ماي 2020. وقد صادق المجلس الحكومي على مرسوم متعلق بالموضوع. واتخذ هذا القرار بالتنسيق مع الجميع، مستعينين برأي الخبراء في هذا المجال.

ورغم كل ما ذكره رئيس الحكومة فهذا لم يمنعه من فتح باب الأمل من باب “وتستمر الحياة”.

عندما تحدث عن الاستراتيجية المستقبلية والتي وصفها بالوضوح والدقة بحيث إذا تجاوزنا إكراه التكاثر بالتحكم في الوحدات التجارية والصناعية والأسرية والحجر الصحي الذي يشكل الآن أولوية الأولويات، سيتم تنزيل الاستراتيجية الواضحة بكل دقة، واعتمادا على أسس متينة. أهمها قدرة المنظومة الصحية على الاستيعاب، والعلاج والتحكم في تطوير منسوب اختبار الأشخاص، والقدرة على المراقبة الفعالة.

إضافة إلى ما ذكر هناك ضرورة التركيز على مخزون كاف من الحاجيات محددين مبادئ أساسية للتخفيف من وطأة ما نحن فيه نحو التدرج، والمواكبة والبعد الترابي والمرونة وإمكانية التراجع، والتمييز الإيجابي، كل هذا يصاحبه عدم التنصل عن التدابير والإجراءات المطبقة، وممارسة أي نشاط مرتبط بالالتزام بالشروط. ومن أجل توضيح الرؤية ستهيأ دلائل بمثابة دفتر التحملات لكل من يريد ممارسة نشاطها وهذا نداء لكل نشاط اقتصادي وإن تعذر عليه ذلك يتم إغلاق الوحدة بعد التنبيه.

وبذلك سيتم الاجتهاد على مستوى كل القطاعات بالتشارك مع مهنيي القطاع، ومن أجل استشراف المستقبل تمت الإشارة إلى تنمية الاستثمارات الاستراتيجية، والبحث العلمي والتحول الرقمي، وتتميز الخطة الاقتصادية بالشمولية والتكاملية والانسجام مع التغييرات العالمية مع استحضار ما يلي:

  • التفكير في التمويل للقطاعات من أجل الإقلاع.
  • الاهتمام بالقطاع غير المهيكل.

ت- التكيف مع سلاسل اقتصادية إقليميا ودوليا.

كما تمت الإشارة إلى مشروع تعديل قانون مالية 2020، مع الأخذ بعين الاعتبار وضوح الفرضيات الدولية والوطنية، ثم تحديد الأولويات التي تتضمن التعليم والصحة والبحث العلمي والجانب الرقمي والحماية الاجتماعية. كما تمت الإشارة إلى دور المجتمع المدني، والشباب.

وبناء على هذا التوجه سينطلق الحوار مع الفاعلين للمساهمة في هذه اللحظة التاريخية التي تحتاج إلى كل مواطنيها.

من خلال هذه المضامين نؤكد على أن تدخل رئيس الحكومة أجاب على مجموعة من الإشكاليات التي كانت عالقة، ومساهمة في إغناء الكلمة يمكن أن نقترح الاقتراحات التالية:

-استفادة الحكومة من كل التدخلات البرلمانية سواء كانت من المعارضة أو الأغلبية لأنها تتوفر على مادة دسمة يمكن توظيفها سواء على مستوى التخفيف من وطأة الحجر الصحي أو تعديل مشروع قانون 2020 انطلاقا من الأسئلة القطاعية المحورية أو المتعلقة بالسياسة العامة وكذا من المذكرات المرسلة من قبل اللجن والمجلسين للسلطة التنفيذية.

-التموقع المغربي على المستوى الدولي باعتباره يرسم معالم إقلاعه الاقتصادي انطلاقا من التغيرات الحاصلة إقليميا ودوليا، وكسب ثقة المؤسسات المالية الدولية، انطلاقا من مؤشرات دولية رسم معالمها المغرب في حالة الشدة كما عرف ساعة الرخاء.

-الاجتهاد في الكشف المبكر تخفيفا من تداعيات فيروس كورونا.

-تعميم الإجراءات الاحترازية، خاصة  على مستوى الضيعات الفلاحية والبؤر الصناعية والتجارية والأسرية.

-التفكير الجاد في المغاربة العالقين بالخارج والذين يقدرون بحوالي 31 ألف. مع التمييز الايجابي.

-الإسراع بدمج القطاع غير المهيكل في الهيكلة الطبيعية عن طريق التدرج.

-الإسراع بإصدار الإطار التشريعي والتنظيمي للحماية الاجتماعية للحد من الفوارق الاجتماعية.

-المرونة في التوازن بين الحفاظ على الصحة والحفاظ على القدرة الاقتصادية.

-تحويل أنشطة إلى أخرى متناغمة مع مناخ كورونا.

وأخيرا وليس آخرا نؤكد على أن المغرب في مواجهة جائحة كورونا صنع ملحمة جمعت الجميع تحت القيادة السامية لجلالة الملك، وحقق ما لم يحققه خلال سنوات مضت. والمطلوب اليوم الاستفادة من الرسمال غير المادي الذي جمعنا لاستثماره في بناء الرأسمال المادي في إطار نموذج تنموي جديد، مؤطر بعقد اجتماعي متين مبني على التلاحم والتضامن والتعاون.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى