عبر في توديع رمضان: علو الهمة من أعظم عبره

الحمد لله جعل الإنابة مع الخشوع ميزة لأهل العلم ذوي الهمم العلية إذ قال عز من قائل :” أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ” 9 ( سورة الزمر)

والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد حث أمته على التحلى بالحياء و مجانبة الوقاحة والبذاء، فقال عليه الصلاة و السلام :   ” الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار ” رواه الترمذي عن أبي هريرة

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يُسَوِّ بين السباقين إلى الطاعات والمكرمات و المتوانين عنها اكتفاء بالتعليق على الأحداث،

 حيث قال عز شأنه: ” لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً، وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95)” سورة النساء.

* ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله ومصطفاه من خلقه و خليله، القائل عليه الصلاة والسلام:

“تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم، فإن من كانت الدنيا أكبرَ همِّه أفشى اللهُ ضيعتَه، وجعل الفقرَ بين عينيه، و من كانت الآخرةُ أكبرَ هَمِّه يسَّرَ اللهُ عليه أمورَه، و جمع له شمله، و جعل الغنى في قلبه، وما من عبد أقبل على الله بوجهه إلا جعل الله قلوب المومنين تفِد إليه بالوُدِّ والرحمة، وكان الله إليه بكل خير أسرع “.(الطبراني في الكبير و الأوسط والبيهقي في الزهد ).

 فصلى الله عليه و سلم من نبي أمين، ناصح حليم، وعلى آله وصحابته والتابعين، وعلى من حافظ على دينه وشريعته واستمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين .

أما بعد، من يطع الله ورسوله فقد رشد واهتدى، وسلك منهاجا قويما و سبيلا رشدا ومن يعص الله ورسوله فقد غوى واعتدى، و حاد عن الطريق المشروع ولا يضر إلا نفسه ولا يضر أحدا،

 نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يطيعه ويطيع رسوله، حتى ينال من خير الدارين أمله وسؤله، فإنما نحن بالله و له .

عباد الله :

 بالأمس القريب، أهل علينا شهر رمضان الحبيب، شهر الرحمة و المغفرة والعتق من النار، شهر الصيام و القيام وتلاوة القرآن، شهر المؤازة و المواساة والحنان، شهر التوبة و الإنابة، شهر التبتل والدعوات المستجابة،

 وهاهو معاشر المؤمنين قد انتصب لنا مودعا، فانظروا رحمكم الله كيف يكون وداعكم له، فإنه شاهد على المسيء بالإساءة، وعلى المحسن بالإحسان،

تفكروا رعاكم الله في سرعة انصرام الليالي والأيام، تأكل من أعمارنا، وتقطع من آمالنا، ففي ذلك عبرة وأية عبرة،

فاستعدوا عباد الله لتوديع هذا الشهر بتوبة صادقة، وداع من يريد الفراق، إذ لا أحد منا يدري هل سيبلغه مرة أخرى أم يعاجله أجله فيجاء به إلى القبر ويساق،

أو ليس قد صامه معنا من السنة الماضية إخوان لنا وأصدقاء، فما استتموا العام الغابر، ولا أدركهم رمضان الحاضر إلا وهم تحت التراب، بل كم من إخوان لنا ابتدأوا معنا صيامه وقيامه، فما أدركوا كماله و تمامه،

 فالآخرة يا عباد الله أقرب إلى الواحد منا من شراك نعله، والموت إذا جاء لا محالة يفرق بين المرء و ماله وأهله، فلا تُوَدِّعوا شهر الصيام الفضيل، دون استخلاص عبره ومواعظه، وتمثل دروسه و فوائده،

 ألا فاعلموا أن من أهدافه أن يؤسس في نفوسنا إذا نحن صمناه حق الصيام، وقمناه حق القيام: الأخلاقَ الفاضلة، و أن يرد إلى جادة الصواب القلوبَ الغافلة، عن الأحوال المائلة،

وإن من أهداف رمضان معشر الصائمين أن يُخَلِّقنا بالهمة العلية، وبما يرتبط بهذا الخُلـُق من سلوكات مرضية، إذ الإيمان والعمل الصالح قرينان، لا يصح افتراقهما،

كيف والعمل بما يدعو إليه الإيمان هو الدليل الوحيد على علو الهمة في نفس الإنسان، علو الهمة أيها الإخوان خُلـُق يرفع صاحبه عن الدنايا، ويجنبه الخطايا، وينزهه عن صغائر الأمور وسفسافها، ويحلق به إلى المكارم وعليائها،

 فمن علو الهمة:1العملُ لكسب الرزق من الحلال، والمشيُ في مناكب الأرض لطلبه في أي مجال، والترفع عن سؤال الناس دون ضرورة ملحة ملجئة، فاليد العليا خير من اليد السفلى،

ومن علو الهمة:2 التنافسُ في فعل الخيرات، والتسابق إلى تحقيق النفع الخاص و العام،

ومن علو الهمة:3 قيادة الخلق بالحق إلى الحق، وتحمل المسؤولية بالعدل مع الإخلاص والجد،

ومن علو الهمة:4الصبرعلى تحمل المشاق والاستهانة بما يعترض المرء في طريقه النظيف من مضايقات لتحقيق الطموحات والمجد.

وبالمقابل ـ أيها المؤمنون ـ يتنافى الصيام مع انحطاط الهمة ونزول النفس إلى حضيض الرخيص من الشهوات، والوقوع في أسافل الأمور وصغائرها،

فالكسل والخمول، وكثرة الهزل والمزاح، والإفراط في اللهو والتملص من المسؤوليات، أو التخلق بالسلبية والانعزالية، والعزوف عن المشاركة في ما فيه نفع للبلاد والعباد، والبخل بالمساهمة في أعمال البر والإحسان مع القدرة عليها، كل ذلك دليل على انحطاطٍ في همة الإنسان، وانعدامٍ للقيمة المعنوية بين الأنام، وهذا أمر يأباه الله لعباده المؤمنين، ويحرمه ديننا على جميع المسلمين،

 فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للإنسانية جمعاء، وكذلك الرسل جميعا و الأنبياء عليهم السلام ـ كانوا متخلقين بعلو الهمة، مرتقين من معالي الأمور إلى القمة، عَظـُمَ جلالُ الله في قلوبهم، وصَغُرَت الدنيا في أعينهم، زهدوا فيها فملكوها وما ملكتهم و سخروها لطاعة الله فما شغلتهم عن الآخرة و التزود لها و ا صرفتهم، وما ألهتهم أموالهم ولا أولادهم عن ذكر الله ولا فتنتهم، بل كان شعارهم جميعا ما حكاه القرآن عنهم:”إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت”

 و كذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم و السلف الصالح من هذه الأمة، كانوا يتطلعون إلى أعلى المطالب وأسماها، فلم ينشغلوا أبدا بمحقرات الأمور و أدناها، حفظوا أوقات أعمارهم عن الهدر والإضاعة، أو السعي إلى الكاسد من البضاعة، فلم يبددوا جهدهم فيما لا نفع فيه، ولم يستنفدوا طاقتهم في غير مسلك وجيه،

 بل كانوا يرجون من الله تعالى التجارة التي لن تبور، فباعوا أنفسهم و أموالهم لله، وقدموا التضحيات تلو التضحيات في سبيل الله، فأنجح الربُّ الكريم تجارتـَهم، وأربح الربحَ العظيم بيعهم اذكروا إن شئتم قوله تعالى:” إنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ”،111 سورة التوبة.

فاتقوا الله عباد الله.

وانظروا كيف مدح سبحانه وتعالى المؤمنين أصحاب الهمة والنشاط إلى العبادة، والرغبة في تحصيل كرامة الحسنى وزيادة،

إذ قال عز شأنه ” تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قـُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ (18) “(سورة السجدة)،

وتأملوا يا عباد الله في حال رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر، و مع ذلك يأبى له علو همته إلا أن يقوم الليل، و يطيل فيه القيام، حتى تفطرت قدماه و تورمت، وحتى قالت له السيدة عائشة رضي الله عنها و قد أشفقت من حاله: “أتـُكَلَّفُ هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ ” فأجابها صلى الله عليه وسلم بما يدل على علو همته، وسمو مرتبته في العبودية وعظيم منزلته: “أفلا أكون عبدا شكورا؟”،

 إنه مقام عظيم، ومنزل سام كريم، رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعبد طمعا في الثواب، ولا يقوم الليل خوفا من العقاب، بل يفعل ذلك شكرا للمنعم على ما أنعم، وعلى ما أولاه مولاه به وتكرم،

فأين هم الذائقون لهذا المعنى الرفيع؟ وأين هم الطامحون للتأسي برسول الله صلى الله عليه و سلم في هذا المسلك البديع؟ ما أقلهم و ما أندرهم،” وإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا، وَإِنْ قَلَّتْ ” هكذا حدث مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ألا فاغتنموا يا عباد الله، ما تبقى من هذا الشهر الكريم قبل رحيله، وتوبوا إلى ربكم قبل فوات الفوت ومفاجأة الموت ونزوله، واعلموا أن العبد إذا تاب و أقبل على ربه أنسى اللهُ حَفَظَتـَهُ ذنوبه، وأنسى ذلك جوارحه ومعالمه من الأرض، حتى يلقى الله و ليس عليه شاهِدٌ بذنب،

 فالله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد، ومن الضال الواجد، ومن الظمآن الوارد، فانهضوا رحمكم الله إلى حضرة ربكم، وتأسوا في نهوضكم بنبيكم صلى الله عليه وسلم، فقد كان أعلم الخلق بالله وأخشاهم له، وأخلصهم صلاة وصياما و أقومهم تبتلا وقياما،

واعملوا بما أمركم به ورغبكم فيه، واجعلوا من اليقظة و السهر في العبادة بدلا عن النوم و الغفلة، و استعيضوا بمناجاة الله تعالى عن محادثة الناس والخلان، لعلكم تجدون ذلك ذخرا في يوم تعظم فيه الأهوال و تشيب الولدان،

واجتهدوا هداكم كي تصادفوا ليلة القدر التي عظمت منزلـة و قدرا، ليلة ينزل فيها الروح الأمين، في جمع وافر من الملائكة الأكرمين،

 أخرج البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :” منقام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه “

وذكر ابن أبي حاتم في تفسيره : ” أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر يوما أربعة من بني إسرائيل عبدوا الله ثمانين سنة لم يعصوه طرفة عين، فعجب الصحابة من ذلك، فأتاه جبريل فقال: يا محمد قد أنزل الله عليك خيرا من ذلك، ليلة القدر خير من ألف شهر، هذه أفضل من ذلك، فـَسُرَّ بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم و الناسُ “،

فيا لها من ليلة قد فاق قدرها التقدير بالمقدار، وعمت رحمة الله فيها العصاةَ والأبرار، واعلموا أنها على المشهور في العشر الأواخر من غير تعيين، لكن جرى عمل الناس اليوم و قبله بأزمان على التعيين وأنها ليلة سابع وعشرين،

 مستندهم في ذلك ما أخرجه الإمام مسلم وغيره من حديث أبي بن كعب قال :” و الله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان، والله إني أعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بقيامها، هي ليلة صبيحة يوم سبع وعشرين، وأمارتُها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها “.

عباد الله لا تجعلوا ليلة سابع وعشرين خاتمة أزوادكم، ولا تتخذوها وحدها غاية مجاهدتكم فعسى أن تكون ليلة القدر بعدها، فقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:” التمسوا ليلة القدر آخر ليلة من رمضان “،

 وروى البيهقي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: “لله في كل ليلة من رمضان عند الإفطار ألفُ ألفِ عتيق من النار كلهم قد استوجبوا النار، فإذا كان آخرُ يوم من رمضان أعتق الله في ذلك اليوم بقدر ما أعتق من أول الشهر إلى آخره “،

 وروى ابن ماجة وغيره مرفوعا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “من قام ليلة العيدين محتسبا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب “*

جعل الله تعالى من صيامنا رمضان هذا العام سببا لتطهيرنا مما يخدش هممنا، ووفق لصالح الأقوال والأعمال والأحوال أميرنا ومأمورنا ونفعني الله وإياكم بالذكر الحكيم وكلام سيد الأولين والآخرين سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

الخطبة الثانية

* الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، وعلى آله، وعلى جميع من تعلق بأذياله، ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله،

وبعد: أيها المومنون اعلموا أن الشيطان يعقد على قافية الإنسان إذا هو نام ليمنعه من اليقظة في جنح الظلام إلى عبادة الله تعالى،

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطا طيب النفس، و إلا أصبح خبيث النفس كسلان”( البخاري و مسلم )،

 وُذكِر رجلٌ لرسول الله صلى الله عليه و سلم أنه ما زال نائما حتى أصبح ما قام إلى الصلاة، قال صلى الله عليه وسلم: “ذلك رجل بال الشيطان في أذنه أو قال في أذنيه “،

 نعم أيها المؤمنون هكذا تتوالى عقد الكسل على الإنسان، ويضرب عليها بوساوس الشيطان، فتنحط همته، وتنحل عزمته، ومتى تراكمت عليه هذه العقد صارت خَبَلا مُقـْعِدا عن النشاط و الفاعلية، فنعوذ بالله من هذه الحال،

ألا فاتقوا الله عباد الله ولا تنسوا وصايا نبيكم صلى الله عليه سلم الذي قال: “إن الله رضي لكم مكارم الأخلاق وكره لكم سفسافها”،

 فليس من المكارم إطلاقا الجلوس في الطرقات أو القعود أمام الممرات لتتبع العورات ورصد الحركات، وليس من علو الهمة أبدا رفع الأصوات بالكلام البذيء والقهقهات، وليس من علو الهمة في شيء تزجية الأوقات بالهمز واللمز والسخرية من هذا أو ذاك،

نرجو الله تعالى أن يصلح حالنا وحالكم، و أن يشغلنا بعيوبنا عن عيوب الناس، و أن يشغلنا بما يعنينا من أمورنا عما لا يعنينا من أمور الناس، فقد قال صلى الله عليه و سلم: ” من حُسْن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه “،

 واعلموا أن من الواجب عليكم أداء زكاة الفطر فقد فرضها رسول الله صلى الله عليه و سلم على كل مسلم ومسلمة، حر أو عبد، غني أو فقير، صغير أو كبير، تجب على من فضلت عن قوته و قوت عياله، يخرجها عن نفسه وعمن تلزمه نفقته من خالص ماله، و قدرها صاع نبوي أي أربعة أمداد بمد يديه الشريفتين لا مقبوضتين ولا مبسوطتين،

 تُخرج من غالب قوت البلد قمحٍ أو شعيرٍ أو ذرةٍ أو أرزٍ أو تمرٍ أو أقط ( أي لبن مجفف) وَوَزْنُ الفطرة الواحدة من القمح هو ما يعادل 2,175 كيلوغرام، تدفع لمن تحقق فيه وصف الفقر و المسكنة من المسلمين دون غيرهم،

 ولا تدفع في مقابل منفعة حاصلة أو مرتقبة و لا تدفع في مقابل شيء من عمل العُمَّال كفرَّان أو نفـَّار أو زبَّال، لأن ذلك يزيل عنها وصف القربة إلى المعاوضة،ولكن يمكن أن تدفع لهؤلاء لوصف المسكنة والحاجة فيهم لا في مقابل أعمالهم،

واعلموا هداكم الله وفتح بصائركم للفهم أن هذه الزكاة: زكاةُ أبدان و ليست بزكاة أموال، دليله ما رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري:” أن رسول الله صلى الله عليه و سلم فرض صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو الرفث، وطـُعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، و من أداها بعد الصلاة فإنما هي صدقة من الصدقات “، وروى ابن شاهين في ترهيبه و قال جيد الإسناد و الضياء المقدسي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: “صوم شهر رمضان معلق بين السماء والأرض لا يرفع إلا بزكاة الفطر”،

 وتأهبوا رعاكم الله لصلاة العيد في وقتها وعلى سنتها و هيئتها، واغتسلوا لها على سبيل الندب والاستحباب ومَسُّوا من الطيب ما يستحسن، والبسوا ما يزينكم في العيد من الجديد والحسن، وقدموا الأكل قبل صلاة العيد،

وأكثروا من التكبير والحمد فإنهما شعارُ العيد عند المسلمين وزينتُهُ، قال تعالى “قد أفلح من تزكى و ذكر اسم ربه فصلى” وصلوا أرحامكم، و بروا آباءكم و أمهاتكم، وأوسعوا في النفقة على عيالكم، و أصلحوا ذات بينكم يصلح لكم الله شؤونكم، واستعينوا على ذلك كله بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم،

 اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق، والهادي إلى صراطك المستقيم، وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم. صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، وتقضي لنا بها جميع الحاجات وتطهرنا بها من جميع السيئات، وترفعنا بها أعلى الدرجات وتبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات، آمين.

وارض اللهم عن أصحاب رسولك وخلفاء نبيك القائمين معه وبعده على الوجه الذي أمر به وارتضاه واستنه خصوصا الخلفاء الأربعة، والعشرة المبشرين بالجنة والأنصار منهم والمهاجرين،

 وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم، وانظمنا يا مولانا في سلك ودادهم، ولا تخالف بنا عن نهجهم القويم وسنتهم،

 (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).

ذ. سعيد منقار بنيس

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى