المواطنة.. مدرسة – عبد الواحد رزاقي

حب الوطن ليست كلمة تقال أو شعارا يرفع في المناسبات أو ادعاء تهتز أركانه مع كل اعتداء خارجي معنوي أو مادي. حب الأوطان سلوك وممارسة، بل عقيدة لدينا نحن المسلمين…وكم من دعي لحب الوطن خانه صدقه مع أول امتحان ورسب في مدرسة المواطنة.

يقول الله تعالى : “أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله”، وقوله تعالى: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”.

ففي الآية الأولى جعل من موجبات القتال الخروج المكره والمتعسف من الديار وذلك لارتباط المرء بمسقط رأسه وموطنه الذي رأى النور فيه لأول مرة.

وفي الآية الثانية جعل من موجبات العدل مع المخالف في المعتقد والبر به احترام المواطنة وعدم انتهاك حرمة البلد.

عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أطيبك من بلدة وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك، ما سكنت غيرك”.صحيح ابن حبان.

فهذا رسوا الله يعبر عن عمق ارتباطه بوطنه مكة المكرمة ويثني عليها ويفتخر بالانتماء إليها.

ومن مظاهر حب الأوطان تقديم المساعدة لأهلها والتضامن معهم والعمل على خدمتهم ومواساتهم ومشاركتهم لآمالهم وآلامهم وحب الخير لهم.

 فإذا كنت مستثمرا فتحت الأوراش لتشغيل اليد العاملة المحلية مع احترام قوانين الشغل وتأدية حقوق العمال كاملة غير منقوصة.

وإذا كنت موظفا قدمت خدماتك بإخلاص وتفان متجنبا أساليب الغش والابتزاز مبتعدا تمام الابتعاد عن الرشوة والزبونية والمحسوبية، جاعلا المصلحة العامة فوق كل اعتبار.

وإذا كنت معلما ومربيا سهرت على تعليم الناشئة مبادئ الخير وأسس الفضيلة وقواعد الأخلاق الحسنة والخصال الحميدة. وجعلت هدفك تخريج جيل صالح مصلح رأسه ليست محشوة بالمعلومة الجافة أو الفكرة العقيمة، بل بثثت في نفوسهم الفكر النقدي الذي لا يتلقى كل ما يصل إليه دون تمحيص أو غربلة .

وإذا كنت مسؤولا عموميا لم تجعل السياسة أو الإدارة وسيلة للاغتناء غير المشروع وذلك باستغلال الصفقات العمومية والتعامل مع المستثمرين بالحصول على أرصدة مالية تحت الطاولة أو في الشقق المظلمة. وكم من مسؤول بات من الأثرياء بعد أن كان يشكو الطوى.

لا يمكن أن تكون مواطنا صالحا وأنت تساهم في تخريب مرافق حيك أو شارعك بدافع الحقد على المسؤولين أو بسبب خلاف أيديولوجي أو سياسي. فإذا فعلت ذلك كنت ممن ينطبق عليهم قول الله تعالى:” يخربون بيوتهم بأيديهم”، لأن تلك الممتلكات ما كانت هناك إلا بمساهمتك أنت كمواطن من خلال أداء الضرائب والرسوم التي تعود بالنفع عليك في نهاية المطاف. وإذا كانت إماطة الأذى عن الطريق صدقة، فإن تخريب الممتلكات العمومية يستوجب لعنة الله والناس أجمعين ويعبر عن خبث سريرة فاعله. قال الله تعالى”ّإِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ”.

 فانظر رحمك الله إلى جزاء الذي يفسد في الأرض بالتخريب والتدمير وشدة العقوبة التي يستحق من قبل ولي الأمر المكلف بتطبيق القانون وإيقاع العقوبة.

لدى الأمم التي تحترم نفسها نجد الجمعيات الأهلية والفاعلين المدنيين يتضامنون وتتضافر جهودهم للقيام بمشاريع وإصلاحات هيكلية تعود على أوطانهم بالنفع العميم. وقد لا ينتظرون الدولة لإنجاز مشروع من المشاريع وخصوصا إذا ما تمت المطالبة به أكثر من مرة.

إن الأمم لا تتقدم إلا بصلاح مواطنيها ولا يتم استدعاء مفهوم المواطنة من أجل إفقار الفقير ومزيد إغناء الغني، فالمواطنة الحقة هي أن يشعر جميع المواطنين بالمساواة في الواجبات والحقوق، وأن يستفيد الكل من ثروات البلد في ظل تكافؤ الفرص وتحقيق العدالة الاجتماعية  والشعور بالكرامة.

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى