يوسف الحزيمري يكتب: الجائزة… وفرحة عيد الفطر

بالأمس كنا نقول اللهم بلغنا رمضان، وغدا سنقول اللهم تقبل منا الصيام والقيام واحشرنا في زمرة خير الأنام، وبين هذه وتلك أيام مضت وأخرى مقبلة، تكشف لنا عن أن رمضان هو زمن مصغر للإنسان، تتمازج فيه الأعمال بنوعيها المادية والبدنية، والرهبات والرغبات، رهبة من عدم قبول الأعمال، ورغبة ورجاء في قبولها، وهذه حال المؤمن يتوازن فيها الخوف والرجاء، والشارع الحكيم جعل لنا في مناسكنا رغم الجهد البدني الشاق، فسحة وأمل ينشرح فيهما قلب المؤمن ويقبل على الطاعة بكل جوارحه، ومن هذه الفسح الأعياد الدينية، عيد الفطر وعيد الأضحى، وما يخالطهما من فرح وسرور وتوسعة عن النفس والغير، فعيد الفطر يأتي بعد شهر الصيام، وهو يشتمل على فرحتان، جمعها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه عن فضل الصوم حين قال: (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِىَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ)[1] قال القرطبي: “معناه فرح بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر وهذا الفرح طبيعي،…وإذا لقي ربه فرح بصومه أي بجزائه وثوابه”[2].

 ويوم الفطر مع الفرح الحاصل يتسلم المؤمنون جوائزهم، وهذا شأن العامل يوفى أجره إذا قضى عمله، وهي جوائز لا تشبه جوائز الأمراء، جاء في الحديث الذي أخرجه ابن أبي الدنيا في فضائل رمضان: (…حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ، الْيَوْمُ يَوْمُ الْجَائِزَةِ، فَاغْدُوا فَبَادِرُوا خُذُوا جَوَائِزَكُمْ ) قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: جَوَائِزُ لَا تُشْبِهُ جَوَائِزَ الْأُمَرَاءِ[3].

ومن شأن الجائزة أنها أمر تحفيزي، تحفز المؤمن على مزيد من الطاعة سواء المفروضة أو النافلة، فإذا وجد العبد من نفسه نشاط في الطاعة بعد رمضان فهذا من علامات قبول العمل فيه.

إن المتأمل في الأعياد وتوقيتها، يجد أنها تأتي بعد جهد مضن شاق، فعيد الفطر يأتي بعد شهر من الصيام وحبس النفس عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الشمس إلى غروبها، وعيد الأضحى يأتي كذلك بعد أداء مناسك الحج من شهر ذي الحجة، وما ذلك إلا لأن الشارع الحكيم يتغيى من العبادة وتوقيتها مصالح العباد أنفسهم بما يرجع عليهم من أسرارها ومقاصدها ما علم منها وما لم يعلم في دنياهم وأخراهم.

ولذلك كان رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما، والعائد من الحج يعود كيوم ولدته أمه، فأعظم بها من هذه الجائزة والعطية وهي مغفرة الذنوب التي تفضل الله بها على عباده وهو الغني عن العالمين، { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس: 58]

لاشك أن المؤمن يفرح يوم العيد بهذه الجائزة الكبرى، وتتعدى فرحته إلى الأغيار، حيث فرضت زكاة الفطر وتسمى صدقة النفوس، طهرة للصائم وطعمة للمساكين، بحيث يتشارك الأغنياء مع الفقراء فرحة عيد الفطر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ…»[4].

ولاستكمال فرحة المؤمن بالعيدين، نهي عن صوم عيد الفطر، وكذلك يوم النحر وأيام التشريق كلها لا تصام، فعن أبي سعيد رضي الله عنه: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الفطر والنحر)[5] وسئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (قيل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَمن أَيْن حرم صِيَام أَيَّام التَّشْرِيق قَالَ: لِأَن الْقَوْم زاروا الله وهم فِي ضيافته، وَلَا يجوز للضيف أَن يَصُوم دون إِذن من أَضَافَهُ)[6].

هكذا ينبغي للمؤمن أن يتقبل عطية الله، وأن يفرح بفضله أن هداه ووفقه للأعمال الصالحة، وأن غفر له ذنوبه وعفى عنه، وأن جعله سببا في إدخال الفرح والسرور على أهله أولا، والناس من حوله ثانيا، ومن ثم كان على المؤمن أن يتحرى أفضل الأعمال التي تقربه إلى الله ومحبته ومحبة الناس وأن تعود عليه وعليهم بالنفع فعن عبد الله بن عمر  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ ، تَكشِفُ عنه كُربةً ، أو تقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جوعًا، ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا، ومن كظم غيظَه ولو شاء أن يُمضِيَه أمضاه ؛ ملأ اللهُ قلبَه يومَ القيامةِ رِضًا ، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يَقضِيَها له ؛ ثبَّتَ اللهُ قدمَيه يومَ تزولُ الأقدامُ)[7].

فما أحوجنا في هذه الظروف التي نمر بها، فترة الحجر الصحي وانتشار الوباء أن نتمثل قيم هذا الحديث النبوي الشريف، بأن تقضي لأخيك حاجته أو دينه، أو تنفس له كربته، فهذه من أفضل الطاعات التي تتقرب بها إلى الله جل في علاه.

 وأن لا ندع الفرح بالعيد قاصر على النفس بل نعديه إلى الآخر، وأن ننشر بين الناس الفأل الحسن إذ هو من باب إدخال السرور على المسلم وهذا أمرٌ محسوس.

وختاما ندعو كما علمنا قدوتنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم عند حصول مكروه: (اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يذهب بالسيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك)[8].

بقلم يوسف الحزيمري

الهوامش:

  1. شرح صحيح البخارى لابن بطال (4/ 24)
  2. فتح الباري لابن حجر (4/ 118)
  3. فضائل رمضان لابن أبي الدنيا (ص: 46)
  4. سنن ابن ماجه (1/ 585)
  5. رواه البخاري كتاب الصوم باب: صوم يوم الفطر رقم (1991)
  6. الدر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين السيوطي، دار الفكر – بيروت (1/ 550)
  7. أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (6026)، وأبو الشيخ في ((التوبيخ والتنبيه)) (97)، وقوام السنة الأصبهاني كما في ((الترغيب والترهيب)) للمنذري (3/265) واللفظ له، قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، الرقم: 2623: حسن لغيره.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى