“ﺧﺎﺏ ﻗﻮﻡ ﻻ ﺳﻔﻴﻪ ﻟﻬﻢ” – يوسف الحزيمري

جاء في “جوهرة الأمثال”: ﻭﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻟﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺴﻔﻪ ﻗﻮﻟﻬﻢ (ﺧﺎﺏ ﻗﻮﻡ ﻻ ﺳﻔﻴﻪ ﻟﻬﻢ).

ﻭﻧﺤﻮ اﻟﻤﺜﻞ ﻗﻮﻝ اﻟﺸﺎﻋﺮ:

ﻭﻛﻦ ﺫا ﺗﻘﻰ ﻟﻠﻪ ﻻ ﺷﻲء ﻛﺎﻟﺘﻘﻰ … ﻭﺣﻠﻢ ﺃﺻﻴﻞ ﻭاﺧﻠﻂ اﻟﺤﻠﻢ ﺑﺎﻟﺠﻬﻞ

ﻭﻗﺎﻝ ﺃﻛﺜﻢ ﺑﻦ ﺻﻴﻔﻲ ﺣﻜﻴﻢ اﻟﻌﺮﺏ: ﻻ ﺣﻠﻢ ﻟﻤﻦ ﻻ ﺳﻔﻴﻪ ﻟﻪ.

ﻭﻧﺤﻮ ﻫﺬا قول اﻷﺣﻨﻒ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ: ﻣﺎ ﻗﻞ ﺳﻔﻬﺎء ﻗﻮﻡ ﻗﻂ ﺇﻻ ﺫﻟﻮا.

ﻭﻗﺎﻝ: ﻷﻥ ﻳﻄﻴﻌﻨﻲ ﺳﻔﻬﺎء ﻗﻮﻣﻲ ﺃﺣﺐ ﺇﻟﻲ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻄﻴﻌﻨﻲ ﺣﻠﻤﺎﺅﻫﻢ.

ﻭﻗﺎﻝ: ﺃﻛﺮﻣﻮا ﺳﻔﻬﺎءﻛﻢ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﻜﻔﻮﻧﻜﻢ اﻟﻨﺎﺭ ﻭاﻟﻌﺎﺭ.

قال السخاوي في المقاصد الحسنة: ﺣﺪﻳﺚ: (ﺧﺎﺏ ﻗﻮﻡ ﻻ ﺳﻔﻴﻪ ﻟﻬﻢ)، ﻫﻮ ﻣﻦ ﻗﻮﻝ ﻣﻜﺤﻮﻝ ﺑﻠﻔﻆ: (ﺫﻝ ﻣﻦ ﻻ ﺳﻔﻴﻪ ﻟﻪ) ، …ﻭﻫﻮ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﻴﻬﻘﻲ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺐ ﺑﻠﻔﻆ: (ﻟﻘﺪ ﺿﻞ ﻣﻦ ﻻ ﺳﻔﻴﻪ ﻟﻪ)، ﻭﻟﻠﺒﻴﻬﻘﻲ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ، ﺃﻧﻪ ﺳﻤﻊ ﺻﺎﻟﺢ ﺑﻦ ﺟﻨﺎﺡ ﻳﻘﻮﻝ: اﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﻳﺠﻬﻞ ﺇﺫا ﺣﻠﻤﺖ ﻋﻨﻪ، ﻭﻳﺤﻠﻢ ﺇﺫا ﺟﻬﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻳﺤﺴﻦ ﺇﺫا ﺃﺳﺄﺕ ﺑﻪ، ﻭﻳﺴﻲء ﺇﺫا ﺃﺣﺴﻨﺖ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻳﻨﺼﻔﻚ ﺇﺫا ﻇﻠﻤﺘﻪ، ﻭﻳﻈﻠﻤﻚ ﺇﺫا ﺃﻧﺼﻔﺘﻪ، ﻓﻤﻦ ﻛﺎﻥ ﻫﺬا ﺧﻠﻘﻪ ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺧﻠﻖ ﻳﻨﺼﻒ ﻣﻦ ﺧﻠﻘﻪ، ﺛﻢ ﻓﺠﺔ ﺗﻨﺼﺮ ﻣﻦ ﻓﺠﺘﻪ، ﻭﺟﻬﺎﻟﺔ ﺗﻔﺰﻉ ﻣﻦ ﺟﻬﺎﻟﺘﻪ، ﻭﻻ ﺃﺏ ﻟﻚ، ﻷﻥ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻠﻢ ﺇﺫﻋﺎﻥ، ﻓﻘﺪ ﺫﻝ ﻣﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺳﻔﻴﻪ ﻳﻌﻀﺪﻩ، ﻭﺿﻞ ﻣﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺣﻠﻴﻢ ﻳﺮﺷﺪﻩ، ﻭﻻﺑﻦ ﺃﺑﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ اﺑﻦ ﺳﻴﺮﻳﻦ ﺃﻥ اﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﻛﺎﻥ ﺇﺫا ﺧﺮﺝ ﻓﻲ ﺳﻔﺮ ﺃﺧﺮﺝ ﻣﻌﻪ ﺳﻔﻴها، ﻓﺈﻥ ﺟﺎء ﺳﻔﻴﻪ ﺭﺩﻩ ﻋﻨﻪ، ﻭﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻘﺮﺷﻲ ﻗﺎﻝ: اﻋﺘﻠﺞ ﻓﺘﻴﺔ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺗﻤﻴﻢ ﻳﺘﺼﺎﺭﻋﻮﻥ،ﻭاﻷﺣﻨﻒ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﻢ. ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻋﺠﻮﺯ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺗﻤﻴﻢ: ﻣﺎ ﻟﻜﻢ ﺃﻗﻞ اﻟﻠﻪ ﻋﺪﺩﻛﻢ؟ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﺎ: ﻣﻪ ﺗﻘﻮﻟﻴﻦ ﺫﻟﻚ ﻟﻮﻻ ﻫﺆﻻء ﻟﻜﻨﺎ ﺳﻔﻬﺎء، ﺃﻱ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﺪﻓﻌﻮﻥ اﻟﺴﻔﻬﺎء ﻋﻨﺎ، …، ﻭﺭﻭﻯ اﻟﺒﻴﻬﻘﻲ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻗﺐ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﺮﺑﻴﻊ ﻭاﻟﻤﺰﻧﻲ ﺃﻧﻬﻤﺎ ﺳﻤﻌﺎ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﻳﻘﻮﻝ: (ﻻ ﺑﺄﺱ ﺑﺎﻟﻔﻘﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻌﻪ ﺳﻔﻴﻪ ﻳﺴﺎﻓﻪ ﺑﻪ)، ﻭﻟﻜﻦ ﻗﺎﻝ اﻟﻤﺰﻧﻲ ﺑﻌﺪ ﻫﺬا: ﺇﻥ ﻣﻦ ﺃﺣﻮﺟﻚ اﻟﺪﻫﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﺘﻌﺮﺿﺖ ﻟﻪ ﻫﻨﺖ ﻋﻠﻴﻪ، اﻧﺘﻬﻰ، ﻭﻫﻮ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺠﺮﺏ ﻓﻲ اﻟﺴﻔﻬﺎء، ﻭﻓﻲ ﻋﺎﺷﺮ اﻟﻤﺠﺎﻟﺴﺔ ﻟﻠﺪﻳﻨﻮﺭﻱ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﻨﺬﺭ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﻴﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﻮاﻡ، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺳﺮﻭاﺕ اﻟﻨﺎﺱ ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ: (ﻣﺎ ﻗﻞ ﺳﻔﻬﺎء ﻗﻮﻡ ﻗﻂ ﺇﻻ ﺫﻟﻮا)، ﻭﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ اﻷﺻﻤﻌﻲ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ اﻟﻤﻬﻠﺐ:  (ﻷﻥ ﻳﻄﻴﻌﻨﻲ ﺳﻔﻬﺎء ﻗﻮﻣﻲ، ﺃﺣﺐ ﺇﻟﻲ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻄﻴﻌﻨﻲ ﺣﻠﻤﺎﺅﻫﻢ.(

وتساءل الأستاذ “عيسى الشارقي” في مقال له بعنوان: “السفهاء أعضاد الفقهاء؟” على الشبكة، عن حقيقة هذه المرويات في التراث منطلقا من كون: “طبيعة الأمور أن الحكماء والفقهاء، لا يليق بهم أن يخالطوا السفهاء مخالطة صحبة، ويجالسوهم مجالسة أنس، لا في حل ولا ترحال، …ولكنك تجد في تراثنا ما يخالف هذه الطبيعة، بل تجد من طبّق هذه المخالفة عمليا، فصار يصطحب عيّنة من السفهاء في سفره، ليوظف سفاهتهم في رد ما قد يتعرض له من سفاهة السفهاء ممن لا يعرفون مقامه”.

وذهب الدكتور “شريف بن حاتم العوني” في مقال له بعنوان: “باب ما جاء في الحثّ على أن يُسافِهَ عنك السفهاء” إلى أن هذا الباب هو: “بابٌ نادرٌ، ساقطٌ من تراثنا (بحمد الله)، لكنّه منثورٌ فيه (وإنّا لله!)! أحسبه اليوم من أكثر الأبواب اتباعًا وعملاً!! فتجد العالِم والداعية (أو الموصوف بكونه عالمًا أو داعيةً) يفرح بوجود سفيه يدافع عنه وعن آرائه، بالشتم والافتراء والتطاول على العلماء الآخرين!! فأحببت أن أُبرز هذا الباب المفقود، وهو باب غير نبوي (فحاشاه صلى الله عليه وسلم منه)، ولا هو من هديه صلى الله عليه وسلم .

قال ابن عبد ربه في “العقد الفريد”: “ﻗﺪ ﺟﻤﻊ اﻟﻠﻪ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻨﺒﻴﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺟﻮاﻣﻊ اﻟﻜﻠﻢ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻤﺤﻜﻢ، ﻭﻧﻈﻢ ﻟﻪ ﻣﻜﺎﺭﻡ اﻷﺧﻼﻕ ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺛﻼﺙ ﻛﻠﻤﺎﺕ، ﻓﻘﺎﻝ: {ﺧﺬ اﻟﻌﻔﻮ ﻭﺃﻣﺮ ﺑﺎﻟﻌﺮﻑ ﻭﺃﻋﺮﺽ ﻋﻦ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﻦ}، ﻓﻔﻲ ﺃﺧﺬﻩ اﻟﻌﻔﻮ ﺻﻠﺔ ﻣﻦ ﻗﻄﻌﻪ، ﻭاﻟﺼﻔﺢ ﻋﻤﻦ ﻇﻠﻤﻪ؛ ﻭﻓﻲ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﺗﻘﻮﻯ اﻟﻠﻪ، ﻭﻏﺾ اﻟﻄﺮﻑ ﻋﻦ اﻟﻤﺤﺎﺭﻡ، ﻭﺻﻮﻥ اﻟﻠﺴﺎﻥ ﻋﻦ اﻟﻜﺬﺏ، ﻭﻓﻲ اﻹﻋﺮاﺽ ﻋﻦ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﻦ ﺗﻨﺰﻳﻪ اﻟﻨﻔﺲ ﻋﻦ ﻣﻤﺎﺭاﺓ اﻟﺴﻔﻴﻪ، ﻭﻣﻨﺎﺯﻋﺔ اﻟﻠﺠﻮج”.

وفي المرويات أعلاه عن ضرورة وجود السفيه بين القوم، هناك مرويات أخرى تقابلها في مجانبته والإعراض عنه، ولكي نضع هذه المرويات في سياقاتها علينا أن نعرف حقيقة ذكرها ابن أبو حيان التوحيدي في “الإمتاع والمؤانسة” وهي قوله:”ﻣﺎ ﺃﻋﺠﺐ ﺃﻣﺮ اﻟﻌﺮﺏ، ﺗﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﺤﻠﻢ ﻣﺮﺓ، ﻭاﻟﺼﺒﺮ ﻭاﻟﻜﻈﻢ ﻣﺮﺓ، ﻭﺗﺤﺚ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻻﻧﺘﺼﺎﻑ ﻭﺃﺧﺬ اﻟﺜﺄﺭ، ﻭﺗﺬﻡ اﻟﺴﻔﻪ ﻭﻗﻤﻊ اﻟﻌﺪﻭ! ﻭﻫﻜﺬا ﺷﺄﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺧﻼﻕ، ﺃﻋﻨﻲ ﺃﻧﻬﺎ ﺭﺑﻤﺎ ﺣﻀﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﻭاﻟﺼﺒﺮ ﻭاﻟﺮﺿﺎ ﺑﺎﻟﻤﻴﺴﻮﺭ، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﺧﺎﻟﻔﺖ ﻫﺬا، ﻓﺄﺧﺬﺕ ﺗﺬﻛﺮ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﻓﺴﺄﻟﺔ ﻭﻧﻘﺼﺎﻥ ﻫﻤﺔ ﻭﻟﻴﻦ ﻋﺮﻳﻜﺔ ﻭﻣﻬﺎﻧﺔ ﻧﻔﺲ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺃﻳﻀﺎ ﺗﺤﺚ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺴﺎﻟﺔ ﻭاﻹﻗﺪاﻡ ﻭاﻻﻧﺘﺼﺎﺭ ﻭاﻟﺤﻤﻴﺔ ﻭاﻟﺠﺴﺎﺭﺓ، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻋﺪﻟﺖ ﺇﻟﻰ ﺃﺿﺪاﺩ ﻫﺬﻩ اﻷﺧﻼﻕ ﻭاﻟﺴﺠﺎﻳﺎ ﻭاﻟﻀﺮاﺋﺐ ﻭاﻷﺣﻮاﻝ، ﻓﻲ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﻳﺤﺴﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻌﻀﻬﺎ، ﻭﻳﻘﺒﺢ ﺑﻌﻀﻬﺎ، ﻭﻳﻌﺬﺭ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻌﻀﻬﺎ، ﻭﻳﻼﻡ ﻓﻲ ﺑﻌﻀﻬﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﻷﻥ اﻟﻄﺒﺎﺋﻊ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻭاﻟﻐﺮاﺋﺰ ﻣﺘﻌﺎﺩﻳﺔ، ﻓﻬﺬا ﻳﻤﺪﺡ اﻟﺒﺨﻞ ﻓﻲ ﻋﺮﺽ اﻟﺤﺰﻡ، ﻭﻫﺬا ﻳﺤﻤﺪ اﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﻓﻲ ﺟﻤﻠﺔ اﻻﺣﺘﻴﺎﻁ، ﻭﻫﺬا ﻳﺬﻡ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﻋﺮﺽ ﻃﻠﺐ اﻟﺴﻼﻣﺔ، ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺧﻼﻕ ﺷﻲء ﻳﺤﺴﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺯﻣﺎﻥ ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ، ﻭﻣﻊ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ، ﺑﻞ ﻟﻜﻞ ﺫﻟﻚ ﻭﻗﺖ ﻭﺣﻴﻦ ﻭﺃﻭاﻥ.

ﻗﺎﻝ: ﻭﻟﻌﻤﺮﻱ ﺇﻥ اﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺤﻘﺎﺋﻖ ﻫﺬﻩ اﻷﺷﻴﺎء ﻭﺣﺪﻭﺩﻫﺎ ﺻﻌﺐ، ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﺇﻻ ﻣﺘﻼﺑﺴﺔ ﻭﻣﺘﺪاﺧﻠﺔ، ﻭﺗﺨﻠﻴﺺ ﻛﻞ ﻭاﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺤﺪﻩ ﻭﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﻭﻭﺯﻧﻪ ﻣﻤﺎ ﻳﻔﻮﺕ ﺫﺭﻉ اﻹﻧﺴﺎﻥ اﻟﻀﻌﻴﻒ اﻟﻤﻨﺔ، اﻟﻤﻨﺘﺜﺮ اﻟطينة”.

فإذا عرفنا هذا، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم حديث: (ﻗﻮاﻡ ﺃﻣﺘﻲ ﺑﺸﺮاﺭﻫﺎ) حسنه الألباني في “صحيح الجامع”، ومعناه كما في “فيض القدير”: ﺃﻱ اﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﺃﻣﺘﻲ ﻭاﻧﺘﻈﺎﻡ ﺃﺣﻮاﻟﻬﺎ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻮﺟﻮﺩ اﻷﺷﺮاﺭ ﻓﻴﻬﺎ، ﻓﺈﻥ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻻ ﻳﺘﻢ ﻧﻈﺎﻣﻪ ﺇﻻ ﺑﻮﺟﻮﺩ اﻟﺸﺮﻭﺭ ﻓﻴﻪ ﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮﻩ اﻟﺤﻜﻤﺎء… ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺧﺒﺮ (ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻳﺆﻳﺪ ﻫﺬا اﻟﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﺮﺟﻞ اﻟﻔﺎﺟﺮ) ﻭﺧﺒﺮ (ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻳﺆﻳﺪ ﻫﺬا اﻟﺪﻳﻦ ﺑﺮﺟﺎﻝ ﻣﺎ ﻫﻢ ﻣﻦ ﺃﻫﻠﻪ) “.

والحكمة في وجود هذا الشر من سفه وظلم وغيره كما قال تعالى:{وَكَذَلِكَ نُوَلِّي ‌بَعْضَ ‌الظَّالِمِينَ بَعْضًا} [الأنعام: 129]، قال التستري في تفسيره: ” أي ينتقم الله تعالى من الظالم بالظالم، ثم ينتقم من الجميع بنفسه”.

قال الإمام السمرقندي في” بحر العلوم”: “وهذا كلام لتهديد الظالم لكي يمتنع عن ظلمه. لأنه لو لم يمتنع يسلط الله عليه ظالماً آخر…وقال فضيل بن عياض: إذا رأيت ظالماً ينتقم من ظالم فقف وانظر فيه متعجباً”.

ولهذا فوجود الأشرار والسفهاء والظالمين هو من تقدير الله وحكمته في هذه الحياة الدنيا، والتي ليست مخلصة لشيء واحد؛ بل لا بد من وجود نقيضه ومن ثم فإن “المنافع ‌مشوبة بالمضار وكذلك العكس فليست محضة في الطرفين ” كما قال الإمام الشاطبي رحمه الله. وكما قرر بأن المصالح الدنيوية من جهة مواقع الوجود لا يتخلص كونها مصالح محضة، كما أن المفاسد الدنيوية ليست بمفاسد محضة من حيث مواقع الوجود”.

وعموما فإن قاعدة الشريعة أنها جاءت كلها تزكية للأمة، وتنمية لأخلاقها، ودعوة إلى الأخلاق الفاضلة؛ وهنا ينبغي أن نفرق بين القصد الخلقي التكويني، والقصد التشريعي.

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى