همام يكتب: وداعا الدكتور عبد الحميد أبو سليمان المفكر الإسلامي المجدد
ودعنا المفكر الإسلامي المجدد عبد الحميد أبو سليمان. كان من الرعيل الأول من المفكرين الإسلاميين الذي انتبهوا إلى محورية التجديد الفكري والبناء المعرفي والمنهجي في التنمية والنهوض. وكان من المؤسسين الأوائل لتقاليد النقد الذاتي للحركات الإسلامية، وللمعرفة التراثية بعامة. كان كثير الاشتباك مع الفكر التقليدي الإسلامي، وكان مزعجا، بحكم ولادته في السعودية، للحركة الوهابية، بمختلف أطيافها ومدارسها؛ فتكوينه الأكاديمي كان على أرضية مخالفة لأرضية الحركة الوهابية؛ إذ لم يتخرج من محاضنها التقليدية، ولم يتخرج من معاهد الدراسات الشرعية.
التقيت بأستاذنا عبد الحميد أبوسليمان في أكثر من مكان؛ في ماليزيا، وفي القاهرة، وفي المغرب…، وأعرفه منذ تسعينيات القرن الماضي، وتشرفت بأن أهداني عددا من كتبه القيمة والمزعجة. واستفدت من العديد من الدورات التدريبية التي أشرف عليها، في إطار البرامج التدريبية، والندوات العلمية، التي نظمها، وينظمها، المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن.
ولد عبد الحميد أبوسليمان، رحمه الله، بمكة المكرمة سنة1355ه/1936م. يمتد مساره التعليمي/الأكاديمي بين مكة المكرمة والقاهرة وفيلادلفيا؛ إذ تخرج من مدرسة تحضير البعثات في مكة المكرمة / 1374ه-1955م، ونال شهادة البكالوريوس في التجارة، من قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة/1381ه/1963م، وتحصل على شهادة الدكتوراة في العلاقات الدولية من جامعة بنسلفانيا/1393ه/1973م.
عمل أمينا لاجتماعات المجلس الأعلى للتخطيط بالمملكة العربية السعودية، وأستاذا بكلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود بالرياض، ورئيسا لقسم العلوم السياسية بالكلية نفسها. من المؤسسين للندوة العالمية للشباب الإسلامي بالسعودية، ومن المؤسسين لجمعية علماء الاجتماعيات المسلمين بالولايات المتحدة الأمريكية، ورئيس تحرير سابق للمجلة الأمريكية للعلوم الاجتماعية الإسلامية. وشغل منصب مدير الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، ورئيسا للمعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن.
يتحرك الإنتاج العلمي للمفكر المجدد عبد الحميد أبي سليمان على محاور: التجديد الفكري والمنهجي، وعلى بناء أطروحة جديدة، من منظور إسلامي، في العلاقات الدولية والعلوم السياسية؛ فقد كتب حول: قضية المنهجية في الفكر الإسلامي، وإسلامية العلوم السياسية من منظور أطروحة (إسلامية المعرفة)، وهي عنوان المشروع العلمي للمعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن؛ فقد أشرف على تحرير الورقة المعرفية والمنهجية/ أطروحة المعهد العالمي للفكر الإسلامي بعنوان: (إسلامية المعرفة: المبادئ العامة- خطة العمل- الإنجازات). كما كتب في: إشكالية الاستبداد والفساد في الفكر والتاريخ السياسي الإسلامي. وكانت له مواقف فكرية جريئة و غير معتادة في الفكر التقليدي الإسلامي، بخصوص تصور الدولة، والحريات السياسية، والتداول على السلطة، وقضايا الشورى، باعتبارها مؤسسة سياسية واجتماعية، وليست نصيحة للحاكم وحسب! ومفهوم الأمة، وحقوق المرأة، وقضايا فصل التربية والتعليم عن السلطة، وهذا الفصل هو المدخل، بنظره، لتفكيك متلازمة الاستبداد والفساد… كما انتقد طغيان النزعة الجزئية و الانتقائية في الفكر الإسلامي؛ هذه النزعة التي تتصيد النصوص النبوية والتراثية وتحتمي خلف قدسيتها، وتوفر المناخ المحتضن للاستبداد، والذي يوظف الدين لفائدة الصفوة/ النخبة السياسية. ويذهب عبد الحميد أبو سليمان، رحمه الله، في هذا السياق، من خلال قراءاته ومراجعاته/ النقدية لكيفية استلهام التجربة النبوية عند المسلمين، مثلا، إلى (أنه ليس المقصود أن يستمر العهد النبوي، وأن تستمر ممارساته وترتيباته الحرفية بعد وفاة الرسول النبي صلى الله عليه وسلم، إلا ما رأت الأمة وأولو الأمر والفكر أنه مازال مناسبا ويحقق مقاصد دينهم ومصالحهم.)/مجلة المسلم المعاصر/ العدد122.
وترجع الجذور الأولى للحركية الفكرية التي دشنها المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن، في الإصلاح الفكري والمنهجي، إلى بحث تقدم به عبد الحميد أبو سليمان لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية من كلية التجارة بجامعة القاهرة بعنوان: ( نظرية الإسلام الاقتصادية: الفلسفة والوسائل المعاصرة). وفي البحث قراءة جديدة للسياسة الاقتصادية التي اعتمدها النبي صلى الله عليه وسلم؛ والقائمة على مفاهيم فلسفية مؤطرة ومرجعية؛ هي: (الغائية الأخلاقية)، و(الاستخلاف)، و(العدل)، و(التكافل)، و(الإعمار). وهي مفاهيم تحولت إلى نموذج اقتصادي تنموي ومتطور، بحسب سقفه الاجتماعي والحضاري. وأنجز عبد الحميد أبو سليمان رسالته للدكتوراه في جامعة بنسلفانيا تحت عنوان: (النظرية الإسلامية للعلاقات الدولية: اتجاهات جديدة للفكر والمنهجية الإسلامية”، استغرقت منه ثلاث سنوات تحريرا. وعليه، ساهم أبو سليمان في بناء كتلة حرجة من الشباب المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، يحملون هم الجواب الفكري والأكاديمي على أسئلة التنمية والنهوض في بلدانهم، من خلال الانفتاح على المعارف الحديثة في العلوم الإنسانية والاجتماعية التي غرفوا منها هناك، وسعوا إلى خلق علاقات جدل وتكامل بينها وبين العلوم الإسلامية. وكانت أنشط الحركات الفكرية للشباب المسلم في أمريكا والتي كان يؤطرها أبوسليمان: (اتحاد الطلبة المسلمين بالولايات المتحدة وكندا)، و: (جمعية العلماء والمهندسين المسلمين)، و:(جمعية الأطباء المسلمين). وقد عمل أبو سليمان على توحيد جهود هذه الجمعيات في إطار: (جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين)، والتي عقد مؤتمرها التأسيسي سنة1972م. وكان المؤتمر فرصة لتعرف الشباب المسلم على قامة علمية أمريكية/ فلسطينية كبيرة هي: إسماعيل راجي الفاروقي، أستاذ الفلسفة ودراسة الأديان في جامعة(تمبل)، لتنضم جهوده إلى جهود عبد الحميد أبي سليمان، وتتشكل مجموعة علمية، تسعى إلى بلورة خطاب فكري موجه إلى المجتمع الأمريكي وإلى المسلمين في مختلف البقاع، وفي العالم العربي تحديدا.
الدكتور محمد همام