هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان
كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر أنه يجتهد فيها ما لا يجتهد في بقية الشهر، فعن عائشة رضى الله عنها قالت كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَجْتَهِدُ فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِى غَيْرِهَا. وعنها رضى الله عنها – قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ. أحيا ليله أي بالصلاة والذكر والدعاء، وأيقظ أهله أي أيقظهم من نومهم ليجتهدوا في الصلاة والذكر والتضرع إلى الله تعالى، وهذه السنة قد لا ينتبه لها بعض المسلمين، والله تعالى يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ». ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يعتكف في هذه العشر في المسجد، وينقطع عن الدنيا ويخلو بربه يدعوه ويناجيه ويسأله و يتضرع إليه.
والاعتكاف من أنفع العبادات لإصلاح القلوب، وجمع الهمم، والتخلص من العيوب، ومن جرب عرف. عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها أَنَّ النَّبِىَّ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. و الحكمة في تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم للعشر الأواخر بالاجتهاد في طاعة الله. هو التماس ليلة القدر، فَقَالَ «إِنِّى اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأَوَّلَ أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ ثُمَّ أُتِيتُ فَقِيلَ لِى إِنَّهَا فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ ».
فهذه الليلة ليلة عظيمة مباركة، لا يحرم خيرها إلا محروم، وهي في العشر الأواخر تنتقل فيها كما يريد الله. وهذه حكمة إلهية فلو حددت لاجتهد الناس فيها وتركوا بقية الليالي، واستوى في ذلك المجتهد والكسول. والنبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يحرص على هذه الليلة لما جعل الله فيها من الفضل والأجر، فمما خصَّها الله به أنها: * خير من ألف شهر، قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ. أي العبادة فيها خير من عبادة ثلاثة وثمانين عاما وبضعة أشهر. * نزل فيها القرآن العظيم، قال تعالى إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ. * الله يغفر لمن قامها إيمانا واحتسابا؛ فعن أبي هريرة: عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم عائشة عندما سألته: أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَىُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا قَالَ« قُولِى اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّى».
سعيد قدية